رابعة العدوية في التراث الإسلامي

رابعة العدوية في التراث الإسلامي

دراسة نقدية لأقوال رابعة العدوية (ت: 185هـ/801م؟) في التراث الإسلامي

دراسة مهداه إلى روح الأستاذ الدكتور شاندور فودر

د. أحمد حسن أنور([1])

 

(التصوف نور من الحق وخاطر منه يشير إليه

التصوف فناؤك عن الكونين ليبقى مكونهما)

أبو القاسم النصراباذى

توطئه:

قبل الحديث عن الدراسة الحالية أود أن أعبر عن خالص شكري وتقديري وكذلك عرفاني للمستشرق المجري الراحل الأستاذ الدكتور شاندور فودر (Alexander Fodor)، ذلك الرجل الذي أسهم طيلة حياته في خدمة الدراسات العربية والإسلامية بعمل صادق ونية طيبة، فأسس جمعية الصداقة المجرية المصرية ببودابست، وكان لجهوده الأكاديمية والثقافية العظيمة أطيب الأثر في مد جسور التواصل المعرفي والثقافي بين الشرق والغرب، ذلك التواصل القائم على البحث والدراسة والمعرفة. فاستحق بذلك وعن جدارة وسام الاستحقاق في الآداب والعلوم الإنسانية من جمهورية مصر العربية عام 2005م. كما حظي بتقدير واحترام دراسي الثقافة العربية الإسلامية في الشرق والغرب.

لقد تشرفت بالتعرف على شاندور فودر الأستاذ والمفكر والإنسان في عام 2009م بالقاهرة. وفي عام 2010م استضافني أكثر من مرة بشقته بقلب العاصمة المجرية بودابست- تلك الشقة التي يدهشك كل ما فيها من أساس وديكور شرقي كلاسيكي حتى تجعلك لا تصدق وأنت بداخلها أنك في قلب أوروبا! بل تصدق أنك في إحدى المدن العربية: القاهرة أو دمشق أو تونس… وفي تلك الأثناء تشرفت وسعدت أكثر بمعرفة شاندور فودر.

نعم! إن الكلمات تقف عاجزة عن التعبير عن عمق مشاعري وحبي وتقديري واحترامي لهذا الرجل، وهنا تنطبق عبارة المتصوف الشهير عبد الجبار النفري (ت:354هـ/965م): “كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة”.

 

مقدمة الدراسة:

حظت رابعة العدوية بشهرة واسعة في التاريخ الإسلامي بصفة عامة، وفى تاريخ التصوف بصفة خاصة، وبرغم هذه الشهرة الواسعة، إلا أن الجدل ما زال دائرًا بخصوص كل ما ارتبط برابعة العدوية. فهناك خلاف بين مؤرخي التصوف الإسلامي حول: تاريخ ميلادها، وتاريخ وفاتها، سيرتها الذاتية، أقوالها،… وهلم جرأ من الآراء المختلفة بل والمتضاربة والمتناقضة في الكثير من الأحيان.

1ـ اسمها وحياتها:

يكتنف الغموض اسم أبيها واسم أسرتها، وقد جاء ذكر أسمها لأول مرة في المصادر العربية- حسب المصادر التي اطلعنا عليها- عند الجاحظ (ت:256هـ/869م) في كتاب: “البيان“، وكتاب: “الحيوان“، ومن المعروف أن هذان الكتابان كتبا في النصف الأول من القرن الثالث الهجري، أي في تاريخ قريب من فترة حياة رابعة. وقد ذكر الجاحظ في هذان الكتابان- وهو أول من كتب عنها- أن أسمها “رابعة القيسية[2]، أما المصادر الصوفية التي دونت في القرنين الرابع والخامس الهجريين فقد اتفقت مع ما جاء عند عبد الرحمن السلمي (ت:412هـ/1021م) حينما ذكرها قائلا: “رابعة العدوية من أهل البصرة، وكانت مولاة لآل عيتك”[3]. في حين جاءت بعض المصادر المتأخرة- كابن خلكان (ت:681هـ/1282م) لتضيف على ما سبق- لتقول: “أم الخير بنت إسماعيل، العدوية البصرية، مولاة آل عتيك”[4].

اختلف المؤرخون والباحثون حول تاريخ وفاتها، فقد ذكر ابن العماد في الشذرات احتمال موتها سنة 185هـ/ 801م، في حين حدد ابن خلكان أن موتها كان سنة 135هـ/752م، أما عبد الرءوف المناوي فقد ذكر أنها ماتت سنة 180هـ/796م. والغريب في الأمر أن أغلب المصادر السابقة وقعت في تضارب بل تناقض واضح، فكيف يذكر ابن خلكان أن وفاتها كانت عام 135هـ/752م وفى الوقت نفسه يذكر لقائها بسفيان الثورى (ت:161هـ/778م) الذي أتى البصرة بعد عام 155هـ/772م تقريبا؟! وكيف يذكر ابن العماد أن وفاتها كانت عام 185هـ وفى الوقت نفسه يذكر لقائها وحوارها مع الحسن البصري (الذي توفى عام 110هـ/ 728م)؟! وهلم جرأ من مثل هذه الآراء المتناقضة والمتضاربة في الوقت نفسه[5].

أما موقف دارسي التصوف الإسلامي فلقد ذهب لويس ماسينيون (Louis Massignon) إلى أنها توفيت سنة 135هـ وقد ذكر هذا التاريخ لتبرير الحكايات التي رويت عنها وعن الحسن البصري المتوفى 110هـ، فكيف يمكن التقاؤهما لو كانت رابعة توفيت 195هـ؟!، ولكن بعد ذلك عدل عن هذا الرأي ليذكر أنها ماتت سنة 195هـ. في حين أن الدكتور كامل الشيبي يذكر أنها توفيت عام 155هـ، ويتوسط الدكتور قاسم غني بينهما فيختار سنة 185هـ لوفاتها، أما الدكتور عبد الرحمن بدوي فيرجح أنها توفيت سنة 180هـ أو 185هـ. في حين تذكر الموسوعة الإسلامية أنها توفيت سنة 185هـ، والملاحظ من الدراسات السابقة أنها لم تقدم المبرر التاريخي الكافي والمؤيد لهذا التاريخ أو تلك، بل إن بعض هذه الدراسات اكتفى بسرد تاريخ ما دون مناقشة الأمر على الإطلاق!! فأين الحقيقة التاريخية؟!![6].

وبصفة عامة لا نكاد نعلم وفقا لما بين أيدينا من وثائق عن حياة رابعة الأولى ونشأتها إلا ما رواه فريد الدين العطار (ت: 586هـ/ 1190م) في كتابه: “تذكرة الأولياء“، والعطار رجل جامح الخيال لا يمكن أن يُطْمأن إلى أقواله إلا بعد أن نتثبت من صدقها عن طريق المصادر التاريخية الأخرى[7]، بالإضافة إلى مجموعة الخوارق والكرامات التي رواها العطار عنها[8]. فلا نعرف كيف عاشت رابعة العدوية حياتها الأولى، وكيف وقعت في الرق؟ وكيف تحررت من رقها؟ وإلى أين اتجهت وماذا عملت بعد تحررها؟ وما الظروف التي دفعتها إلى حياة الزهد؟ (كل هذه التساؤلات قد تكون مباحة في حالة الوثوق فيما رواه فريد الدين العطار) وحتى لو صدقنا ما رواه العطار عنها، فسنكون أمام اضطرار للإجابة على التساؤل الأتي: كيف وصلت هذه الأخبار إلى فريد الدين العطار دون أن تكون مدونة ومذكورة في المصادر السابقة عليه؟ ومع الأسف الشديد لا تستطيع المصادر التاريخية تقديم إجابات واضحة عن هذه التساؤلات ولم يجد الدكتور عبد الرحمن بدوي في المصادر التاريخية التي اعتمد عليها في كتابه “شهيدة العشق الإلهي” حلولا لهذه الإشكاليات التاريخية. ونتيجة ذلك لا نستطيع من خلال المصادر التاريخية تقديم إجابات واضحة عن هذه التساؤلات.

ولم تتوقف الإشكاليات التاريخية عند هذا الحد فقط، بل حدث خلط وقع فيه المؤرخون وجاراهم عليه بعض المحدثون الذين كتبوا عن رابعة العدوية، وبخاصة المستشرقة مارجريت سميث Margaret Smith فى كتابها[9]: Rabiat the Mystic and her fellow- saints in Islam (رابعة وزميلاتها المتصوفات في الإسلام) ذلك الخلط بين رابعة العدوية البصرية (ت:185هـ/801م؟)، ورابعة الأزدية (معاصرة عبد الواحد بن زيد ت: 177هـ/793م تقريبا)، ورابعة الشامية (ت:235هـ/852م تقريبا)[10]. والغريب أننا نجد تحذيرًا تاريخيًا قديمًا لهذا الخلط بين الرابعات في التاريخ الإسلامي لدى عبد الرحمن السلمي (ت:412هـ/1021م) حينما فرق بين رابعة العدوية، ورابعة الأزدية ورابعة الشامية[11] زوجة أحمد بن أبي الحواري (ت:230هـ/848م)[12].

 

  1. شخصية رابعة العدوية بين الأسطورة والحقيقة:

لعبت الأسطورة التاريخية، دورًا مرموق الأهمية في تاريخ “رابعة العدوية” ذلك لأن كثيرًا من المصادر التي أمدتنا بتراجم لرابعة لا يعول عليها، لأن أغلب الذين ترجموا لها عاشوا بعيدًا عنها[13]. فقد لحق برابعة العدوية مجموعة كبيرة من الأساطير الغير قابلة للتصديق، والتي لا تخضع لمنطق ولا يصدقها عقل، ولا تضيف إليها شيء[14]. فليس من المنطقي مثلا أن تذهب حاجة إلى بيت الله الحرام متقلبة على جنبها لتصل إلى الكعبة بعد ثماني سنوات (اللهم إلا إذا كان سرد مثل هذه العبارة على سبيل المجاز)، وليس من المعقول أنه عندما يذهب إبراهيم بن أدهم (ت:161هـ/778م) إلى بيت الله الحرام فلم يجد الكعبة فيهتف به هاتف: إن الكعبة قد ذهبت لاستقبال رابعة[15]. ويعلق الباحث الأمريكي الكسندر كنيش Alexander Knysh على هذه الأساطير قائلا: إن صمت الجاحظ (ت:256هـ/869م) الكاتب العربي الأصيل الذي يعد أول من سجل لرابعة العدوية يشير إلى أن صورتها الأسطورية كانت ما تزال في طور الإعداد في القرن الثالث الهجري[16].

إن معظم ما ينسب إلى رابعة العدوية من أخبار وأقوال يفتقر إلى التحقيق العلمي، كما أنه خليط من عناصر أسطورية وعناصر تنسب إلى آخرين غيرها، ومن العسير على الباحث أن يقتنع بأن كل ما هو منسوب لرابعة العدوية صادر عنها بالفعل. فقد روى عنها أنها حجت فقالت: هذا (أي البيت الحرام) الصنم المعبود في الأرض، وإنه ما وَلَجَهُ الله ولا خلا منه[17]. ونحن على رأي المشككين[18] في مدى انتساب هذه العبارة لرابعة العدوية، فإن تلك الأقوال تعد بحق بدايات الشطح الأولى، ونعتقد أن مثل هذه الأفكار قد نشأت فيما بعد على يد أبي يزيد البسطامي (ت:261هـ/874م أو 264هـ/878م)[19] وظهرت في صورتها الكاملة عند المتصوف الحسين بن منصور الحلاج (ت:309هـ/922م).

ورغم كثرة الأساطير المرتبطة بشخصية رابعة العدوية إلا أن ذلك ليس مبررًا لأن نتفق مع ما ذهب إليه الدكتور حسين مروة من تحليل لشخصية رابعة العدوية من منظور ماركسي حين قال: “إن الفقر الوحشي أدى برابعة إلى الكهف الداخلي العميق الذي أصبح عوضا وهميا لها عن الحرمان المادي الذي افترس شبابها”[20]. فالمصادر التاريخية لا تستطيع أن تؤيد ما قدمه النص السابق، علاوة على ذلك فمهما يكن من أمر هذه الأساطير فإنها أصبحت من أشهر المتحدثات عن الحب الإلهي في التاريخ الإسلامي[21].

  1. مصادر أقوال رابعة العدوية (رؤية نقدية):

        يعتبر البعض أن رابعة العدوية تعد من النقاط الفاصلة بين حركة الزهد وظهور التصوف، ونظرا لذلك نرى أهمية لتحديد دورها في نشأة المصطلحات والأفكار الصوفية في النصف الأخير من القرن الثاني الهجري، وهذا الأمر يتطلب بداية التحقق من مصادر أقوالها، فلو صدقت بعض المصادر قليلة الثقة فيما نقلته من أقوال عن رابعة العدوية لنتج عن ذلك إسقاط لبعض المعاني الصوفية التي ربما ليس لها أي صلة برابعة العدوية، وليس لها أي صلة بالنصف الأخير من القرن الثاني الهجري. ولو صدقنا على سبيل المثال أنها وصفت الكعبة قائلة: أنها الصنم المعبود في الأرض[22] لربما لزم عن ذلك القول بأنها قد سبقت البسطامي (ت:261هـ/874م أو 264هـ/878م) والحسين بن منصور الحلاج (ت:309هـ/922م) في بعض الأقوال التي يمكن أن ندخلها في إطار الشطح، وربما أدخلها البعض في إطار الأقوال المبكرة المرتبطة بوحدة الوجود. لذلك نرى أهمية إعادة النظر ولو بشكل سريع في مصادر أقوالها التي جاءت حسب الترتيب التاريخي التالي:

  • الجاحظ (ت:256هـ/869م): يُعد أول من أرخ لرابعة، عاش في البصرة في زمن قريب جدا من زمن رابعة العدوية، ومن المحتمل أن يكون عرفها في طفولته المبكرة، أو على الأقل عرف هؤلاء الذين عرفوها شخصيًا من مريديها[23]. وقد ذكرها في كتاب: “البيان والتبيان”، وكتاب: “الحيوان”. ومع ذلك لم يذكر عنها إلا عبارتين فقط، بالإضافة إلى أنه ذكر نسبها، حيث ذكر لنا أن عشيرة رابعة هم “القيسيون“، ومنهم: “رياح القيسي”، و”حيان القيسي”[24].
  • أبو بكر الكلاباذي (380هـ/990م أو 384هـ/994م): في كتاب “التعرف لمذهب أهل التصوف” يذكر لرابعة ثلاث عبارات فقط، ولم يذكر نسبها[25].
  • أبو طالب المكي (ت:386هـ/996م): في كتاب “قوت القلوب” يذكر ثماني عبارات فقط لرابعة العدوية، كما فرق بينها وبين رابعه بنت إسماعيل زوجة أحمد بن أبي الحواري[26]. ومن ضمن ما ذكره أبو طالب المكي لرابعة العدوية:
أحبُّك حبين: حب الهوى   وحبُّا لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوى   فشغلي بذكرك عمن سواكا
وأما الذي أنت أهل له   فكشفك للحجب حتى أراكا
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي   ولكن لك الحمد في ذا وذاكا

 

ولم يكتف صاحب القوت بذكر هذه الأبيات فحسب، بل لقد شرح وعلق على هذه الأبيات، كما شرح بوضوح تفرقتها بين الحبين وما يحتاج إليه من تفصيل حتى يقف عليه من لا يعرفه. والغريب في الأمر أن الأبيات السابقة المنسوبة لرابعة العدوية لا نجدها في مصادر القرنين الرابع والخامس الهجريين (حسب ما اطلعنا عليه من مصادر) إلا في كتاب: “قوت القلوب” لأبي طالب المكي فقط. وهذا يجعلنا نتساءل هل هذه الأبيات حقًا لرابعة العدوية؟ وربما نكتشف ذلك في الصفحات القادمة.

  • عبد الملك الخركوشى (ت:406هـ/1015م): في كتابه “تهذيب الأسرار” يذكر تسعة أقوال لرابعة[27]. إلا أن هناك أمرًا في غاية الأهمية، حيث يذكر الخركوشى عن أحمد بن أبي الحواري قال: كان لرابعة أحوال شتى، فمرة غلب عليها حال الأنس فقالت:
لقد جعلت فى الفؤاد محدثي   وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للجليس مؤانس   وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي[28]

وإذا كان الراوي هو أحمد بن أبي الحواري (ت:230هـ/848م) زوج رابعة الشامية[29] (ت:235هـ/852م تقريبا) فربما يعني ذلك أن هذه الأبيات قد نسبت إلى رابعة العدوية (ت:185هـ/801م؟) نتيجة الخلط بينها وبين رابعة الشامية. كما أننا لا نجد هذه الأبيات منسوبة لرابعة العدوية (ت:185هـ/801م) في المصادر الأخرى للقرنين الرابع والخامس الهجريين، بل نجدها في المصادر المتأخرة[30]. ويرفض الذهبي نسبة هذه الأبيات لرابعة العدوية مستندا إلى قول أبى سعيد بن الأعرابي (ت:341هـ/952م أول من صنف في طبقات الصوفية[31]): أما رابعة، فقد حمل الناس عنها حكمة كثيرة، وحكى عنها سفيان وشعبة وغيرهما ما يدل على بطلان ما قيل عنها (أي الأبيات السابقة)[32]. وإذا ذهبنا إلى بعض المصادر المتأخرة سنجد أن كتاب “روض الرياحين في حكايات الصالحين” تأليف محمد بن أسعد اليافي (ت:768هـ/1367م) قد ذكر ما ذكره الخركوشي بالحرف بخصوص هذه الأبيات[33]. (أي نسبها لرابعة الشامية وليس لرابعة العدوية) ولنا أن نتذكر أن الخركوشي وقتها كان من الشخصيات المجهولة[34]، أي أن النص الذي أورده الخركوشي (ت:406هـ/1015م) ربما كان معروفًا في بعض المصادر الأخرى حتى وصل إلى أسعد اليافي (ت:768هـ/1367م).

  • عبد الرحمن السلمي (ت:412هـ/1021م): في كتابه “ذكر النسوة المتعبدات الصوفيات” يذكر ثمانية أقوال لرابعة العدوية، كما فرق بينها وبين (رابعة الأذدية من أهل البصرة) و(رابعة بنت إسماعيل الشامية)[35].
  • أبو نعيم الأصفهاني (ت:430هـ/1038م): في كتابه الشهير “حلية الأولياء“، قد ذكر عبارتين فقط لرابعة العدوية.
  • عبد الكريم القشيري (ت:465هـ/1073م): في كتابه الشهير “الرسالة القشيرية” ذكر ست عبارات فقط لرابعة العدوية، دون أن يفرق بينها وبين رابعة الشامية[36].
  • أبو حامد الغزالي (ت:505هـ/1111م): في كتابه الشهير “إحياء علوم الدين” ذكر ست عبارات فقط لرابعة العدوية[37]، كما أنه فرق بينها وبين رابعة الشامية، حين قال: وكانت رابعة [زوجة أحمد بن أبي الحواري] هذه تُشبه في أهل الشام برابعة العدوية بالبصرة[38].

جدول رقم (1): يوضح مصادر أقوال رابعة العدوية حسب ظهورها التاريخي


 

 

وتكرار الأقوال بين المصادر المختلفة[39]

الشخصية الأقوال على حسب ترتيب ظهورها التاريخي[40]
الجاحظ (ت:256 هـ) (1) + (2)
أبو بكر الكلاباذي (ت:380 هـ) (3) + (4) + (5)
أبو طالب المكي (ت:386 هـ) (6) + (7) + (4) +(8) + (9) + (1) + (10) + (11)
أبو سعيد الخركوشي (ت:406 هـ) (12) + (13) + (14) +(15) + (16) + (17) + (7) + (18) + (19)
عبد الرحمن السلمي (ت:412 هـ) (12) + (15) + (20) + (21) + (22) + (23) + (24) + (25)
أبو نعيم الأصفهاني (ت:430 هـ) (21) + (26)
عبد الكريم القشيري (ت:465 هـ) (8) +(5) + (19) + (24) + (27) + (28)
أبو حامد الغزالي (ت:505 هـ) (7) + (6) + (4) + (8) + (14) + (29) + (30) + (31)
من القرن السادس وما تلاه.. الأقوال من (32) حتى (320)!!!

 

ويمكننا من خلال الجدول السابق أن نلاحظ ما يلي:    

  • يتضح من هذا الجدول أننا يمكن أن نثق في الأقوال رقم (4 + 7 + 8) بنسبة كبيرة جدا، نظرا لتكرر هذه الأقوال في ثلاث مصادر تاريخية مختلفة.
  • الأقوال رقم (1+5+6+12+14+15+19+21+24) يمكن أن نثق بها بنسبة كبيرة، نظرا لتكررها في أكثر من مصدر تاريخي مختلف.
  • أما الأقوال الأخرى، فيمكن أن يختلف مدى ثقتنا فيها على حسب ظهورها التاريخي. فالقول المنسوب لرابعة العدوية والمشار إليه برقم (2) يمكن أن نثق فيه بشكل أكبر من القول المشار إليه برقم (27) و(28). حيث إن القول رقم (2) وصل إلينا عن طريق الجاحظ (ت:256هـ) وهو قريب لزمن رابعة العدوية. أما القول رقم (27) و(28) فقد وصل إلينا عن طريق أبو حامد الغزالي (ت:505ه/1111م)، ونظرا للمسافة التاريخية، وعدم تكرار هذا القول في المصادر التاريخية السابقة على الغزالي، فلا نستطيع أن نثق بمثل هذا القول بالقدر الكافي إلا إذا ثبت من خلال المصادر التاريخية الأقدم، وإن لم يثبت فيبقى هذا القول موضع الشك. وقد يكون هناك طريق آخر للتأكد من هذه الأقوال، وذلك عن طريق رؤية مدى اتساق مفردات ومصطلحات هذه الأقوال مع مفردات ومصطلحات الأقوال الموثوق بنسبتها لرابعة العدوية بشكل أكبر.
  • وجدنا في بعض المصادر التاريخية التي تم كتابتها في القرنين السادس والسابع الهجريين وما تلاهما بعض الأقوال المنسوبة لرابعة العدوية. ويمكننا القول بأن أي قول ورد في هذه المصادر المتأخرة لا يمكن تصديقه إلا إذا تم التأكد منه عن طريق المصادر التاريخية الأقدم، وإلا فلا يمكننا تصديق نسبة هذه الأقوال لرابعة العدوية. فكيف وصلت هذه الأقوال إلى مؤلفي القرن السادس الهجري وما تلاه رغم عدم وجودها في المصادر التاريخية السابقة لذلك؟!.
  • من القرن السادس حتى القرن العاشر الهجري وجدنا العبارات من رقم (32) حتى رقم (320) أي ما يقرب من 300 عبارة، لم تكن مدونة فيما قبل عصر الغزالي- حسب المصادر التي اطلعنا عليها- فكيف انتقلت هذه الأقوال من القرن الثاني الهجري عصر رابعة العدوية إلى القرن السادس الهجري وما تلاه دون أن تكون مدونة في المصادر التاريخية السابقة؟ وكيف وصلت هذه الأقوال إلى مؤلفي القرن السادس الهجري وما تلاه رغم عدم وجودها في المصادر التاريخية السابقة لذلك؟!. هذا هو السؤال الجوهري في هذا البحث، بالرغم من أن الباحث لا يملك إجابة واضحة عليه.
  • بعد حصر أقوال رابعة العدوية- الـ (31) عبارة المدونة من المصادر التاريخية من القرن الثالث الهجري حتى نهاية القرن الخامس الهجري- نعتقد أنه قد يكون من المفيد جمع المصطلحات المركزية الواردة في هذه الأقوال، ونعتقد أن ذلك قد يساعد في تحديد الأبعاد الصوفية لديها.

 

جدول رقم (2): المصطلحات المركزية لدى رابعة العدوية

المصطلح العدد المصطلح العدد المصطلح العدد
الخوف 2 الحزن  6 المعرفة 2
الاستغفار 4 الرضا 3 القلب 5
التوبة 4 القرب 2 الحجاب 2
الزهد 1 السكر 1 الشوق 2
الصدق 1 الأنس 1 المحبة 15

 

ويوضح الجدول السابق أن مصطلح “المحبة” هو المصطلح المركزي في أقوال رابعة العدوية، حيث ورد (15) مرة على وجه التحديد، كما وردت مصطلحات أخرى لها علاقة مباشرة بالمحبة مثل (القلبالقربالسكرالأنسالشوق)، وبناءً عليه سنبدأ في دراسة مفهوم المحبة عند رابعة العدوية، ربما ساعدنا أكثر في موضوع الدراسة.

 

  1. مفهوم المحبة عند رابعة العدوية “رؤية تاريخية تحليلية”:

اختلفت وتضاربت الآراء والاتجاهات حول دور رابعة العدوية في صياغة مفهوم الحب الإلهي. فهناك من قام بتأكيد ذلك، وهناك من اعتبر ذلك مبالغة تؤدي إلى الكثير من الأخطاء التاريخية المرتبطة بحركة الزهد. إذن نحن بصدد اتجاهين:

1ـ الاتجاه الأول: يشير أصحاب هذا الاتجاه إلى أن هناك العديد من المصادر والمراجع العربية التي تقدم رابعة العدوية باعتبارها أول من فتحت بأقوالها المنظومة والمنثورة فتحًا جديدًا في تاريخ الحياة الروحية الإسلامية[41]. وإذا كانت المستشرقة الألمانية مارجريت سميث Margaret Smith قد اجتهدت في جمع المعلومات المتعلقة بحياة بعض المعاصرات لرابعة من الصالحات العابدات الزاهدات اللاتي عشن في أواخر القرن الثاني للهجرة ممن كن يعرفن بـ “بكاءات الدهر[42]. فإن هؤلاء جميعًا لم يبلغن في الشهرة مبلغ رابعة العدوية التي نسب إليها الفضل في إدخال مفهوم الحب الإلهي الخالص في التصوف الإسلامي في مرحلته الزهدية، وفى عهد لم يكن للحديث في أمر المحبة الصوفية طريقًا ممهدًا. هنالك استعملت في غير تهيّب كلمة الحب في العلاقة بينها وبين الله، فكانت من أوائل من تغنى بنغمة الحب الإلهي[43]. ومن أبرز المؤيدين لهذا الرأي الدكتور عبد الرحمن بدوي، والدكتور أبو الوفا التفتازاني، والدكتور محمد مصطفى حلمي، والدكتور محمد الراشد والمستشرق الروسي أرثور سعدييف والمستشرقة الألمانية مارجريت سيمث، والمستشرقة الألمانية آنا ماري شيمل وغيرهم[44].

2ـ الاتجاه الثاني: يذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى عكس ما ذهب إليه أصحاب الاتجاه الأول. حيث يرون أن معظم ما قدمه فريد الدين العطار عن رابعة العدوية يضع الباحثين في مجال غير دقيق.. خاصة إذا وضعنا الشواهد المهمة التي ذكرها الكلاباذي حول مذهب رابعة في الحب والذي يتضمن أبياتها المشهورة التي تبدأ بقولها (أحبك حبين). فقد ذكر الكلاباذي (ت:380هـ/994م) هذه الأبيات ولكنه لم يذكر أنها لرابعة العدوية، بل قال: (قال بعضهم:..)[45] هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية عدم التفات كل من الطوسي والقشيري والخركوشي إلى هذه الأبيات. ومن ناحية ثالثة: أنه إذا كان أبو طالب المكي (ت:386هـ/996م) قد نسب هذه الأبيات لرابعة العدوية وحاول شرحها، فلا ننسى أن الكلاباذي معاصره صاحب كتاب: التعرف لمذهب أهل التصوف (الذي وصف بالعبارة الشهيرة: لولا كتاب التعرف لما عرف التصوف) والذي أرخ فيه للتصوف ورجاله، مما يدل على معرفته الجيدة بتاريخ التصوف الإسلامي في القرنين الثاني والثالث الهجريين ذكر أبياتها قائلا (قال بعضهم).. وفى الوقت نفسه أورد ثلاث عبارات أخرى لرابعة العدوية.. مما يدل على أنه كان على معرفة بها. ونعتقد أن أبي طالب المكي لا نستطيع أن نعتمد عليه كمؤرخ للصوفية السابقين عليه مثلما نستطيع أن نعتمد ونثق في أبو بكر الكلاباذي الذي يُظهر إلمامه الكبير بتاريخ التصوف السابق عليه. ليس هذا فحسب بل إن الأصبهاني في حلية الأولياء ينسب هذه الأبيات الشعرية لسيدة تتحدث مع ذي النون المصري (ت:245هـ/859م) في الشام[46]، فربما تكون هذه الأبيات لرابعة الشامية.

ومن أبرز المشككين في مدى انتساب العديد من الأقوال (المرتبطة بالمحبة) لرابعة العدوية الشيخ مصطفى عبد الرازق الذي قال: إنه من التعسف أن ينسب إلى رابعة العدوية التصدي لمعالجة دقائق المسائل الصوفية[47]. والدكتور عبد القادر محمود الذي ذهب إلى القول: أرى أن الدكتور بدوي قد أسرف في حكمه (أي وصفه لها: شهيدة العشق الإلهي) وأعطى مكانًا لرابعة ليست له.. فلا شك أنها لم تصل إلى هذا المستوى ولدينا شك في صحة أغلب ما نسب إليها[48]. أما الدكتور كامل الشيبي فينتقد ما نسب إليها قائلا: ويبدو من هذه الأبيات (أحبك حبين) التأخر أولاً، وضعفها باد في التعبير والسبك، وعليها مسحة الشعر التعليمي الذي يقصد به ضغط تفاصيل العلوم في أبيات تحفظ عن ظهر قلب. ونحله- لذلك- بينِّ، وإن يكن الاتصال بين عبارة عامر “لو كشف الغطاء ما ازدت يقينًا”، ويوضح هذا النحل خبر ينسب إلى الكندي الفيلسوف (ت:185-252هـ) حين عرض عليه شعر شبيه بهذا، فقال: والله لقد قسمتها تقسيما فلسفيا، وإذا كان هذا التعداد الجميل يدخل في باب التقسيم الفلسفي فما أخلق أبيات رابعة- والمفروض أنها سابقة عليه، والرأي عندنا أن الذي زور[49] الأبيات الماضية هو ذو النون المصري (ت:245هـ/859م) وإليه نسبت في المخطوط: (رقم 75– تاريخ- بدار الكتب المصرية، ورقة 60 ب)[50]. وكذلك الدكتور حسين مروه عندما قال: ينبغي أولا أن نسقط من حسابنا الكثير مما تنسبه إليهما (يقصد رابعة العدوية ومعروف الكرخي) كتب الصوفية من أخبار مصنوعة في عصر متأخر عن عصرهما لإحاطتهما بهالة أسطورية[51]. ويقول في موضع آخر: وأجروا على لسانها أقوالا هي جميعًا أقرب أن تكون من صور السلوك ومن الأقوال التي عرفها عصر التصوف الحقيقي لا عصر الزهد الذي لا يزال سابقا لمرحلة النضج والتحول[52]. أما العلامة على سامي النشار فيذهب إلى القول: ثم يُنسب إليها رباعيتها المشهورة والتي ترجح نسبتها لذى النون المصري (أحبك حبين).. إن هذه الرباعية من روح ذى النون المصري… ثم إذا كانت الأبيات تنسب له في هذا اللقاء الروحي أو هذه المناجاة مع امرأة على الساحل، فلا شك أن الأبيات له[53].

3ـ تعليق وتقييم على آراء أصحاب الاتجاهين: لم يقدم أصحاب الاتجاه الأول الأدلة التاريخية الكافية لإثبات موقف رابعة العدوية في المحبة، مما جعلهم محل النقد من أصحاب الاتجاه الثاني. وفى نفس الوقت بالغ بعض أصحاب الاتجاه الثاني في إخراج رابعة العدوية من دائرة الحديث عن المحبة. فلا يجب أن يصل شك بعضهم إلى درجة تصورها مجرد خليط جامع من مدرسة الإمام جعفر الصادق (ت:148هـ/765م) شيئًا ومن النص المسيحي شيئًا آخر[54].

وتثبت الأقوال التي قمنا بجمعها من المصادر التاريخية المختلفة أن لرابعة العدوية موقفًا فى “المحبة“، فقد ورد مصطلح “المحبة” لديها خمس عشرة مرة، ومصطلح “القلب” خمس مرات، ومصطلح “الشوق” مرتين، ومصطلح “الأنس” مرة واحده فقط. فكما ذكرنا يبدو أن لرابعة العدوية موقف في المحبة ويبدو أن هذا الموقف أشبه بالجدار الذي ظل يرتفع بمر السنين فتاهت أحجاره وسط بعضها البعض بين رابعة العدوية واللاحقين عليها، ممن وضعوا أحجارًا فوق أحجارها ونسبوا بناء الجدار بالكامل إليها، ونعتقد أن التعامل التاريخي مع أقوالها هو ما قد يساعد على حل هذه الإشكالية.

وفى جميع الأحوال يجب أن نتذكر أن المصادر التاريخية القديمة تقدم لنا أقوالا لرابعة العدوية (يصعب الشك في مدى نسبها إليها- بخلاف العشرات من الأقوال التي يمكن أن نشك فيها أو حتى نرفضها) تعبر بحق عن عمق تجربتها في المحبة في وقت مبكر من نشأة وتطور التصوف، وسنرى ذلك في السطور التالية.

4ـ أشعار منسوبة لرابعة في المحبة: أما بخصوص الأشعار التي اختلف الباحثون حول مدى انتسابها لرابعة العدوية من عدمه، فنحن لا نعتقد بانتساب هذه الأبيات لرابعة العدوية للأسباب التي عرضناها من قبل. مثل:

  • ذكر الكلاباذي لهذه الأبيات قائلا: “قال بعضهم”، ولم يقل: قالت رابعة.
  • نسبها صاحب الحلية لسيدة أوردتها في حوار مع ذى النون المصري بالشام.
  • لو قرأنا هذه الأبيات وأدخلناها في مقارنة مع أشعار ذي النون المصري الواردة في المصادر المختلفة لظهر مدى التشابه الكبير في الشكل والأسلوب والمضمون مما يجعلنا نرجح أنها لذي النون المصري.
  • توقف العديد من الصوفية من أمثال: الطوسي والخركوشي والسلمي والقشيري وغيرهم عن تقديم هذه الأبيات.
  • شكوك بعض المؤرخين المسلمين كالذهبي وغيره في نسبة هذه الأبيات لرابعة العدوية.
  • حينما أورد الدكتور عبد الرحمن بدوي هذه الأبيات لم يعتمد إلا على أبو طالب المكي (كمصدر أول لهذه الأبيات) وبعدها اعتمد على المصادر التي كتبت في القرنين السابع والثامن الهجريين.
  • ربما كانت تجربتها الذاتية في حصر المحبة في محبوبها الإلهي شكلاً دافعًا لدى البعض من الاستئناس بهذه الأبيات لتأكيد عمق تجربتها في المحبة.

كل هذه الأسباب تجعلنا نتشكك في نسبة هذه الأبيات لرابعة العدوية، ولا تجعلنا نشك في أنها صاحبة تجربة روحية عميقة قائمة على المحبة لله وحده (حسب ما يظهر في الـ 31 عبارة المتكررة في المصادر التاريخية). وعلى أية حال تبقى هذه النقطة مجالا مفتوحا للبحث والمناقشة، وربما ظهرت بعض الأدلة التاريخية التي ترجح موقفًا دون آخر.

ورغم كل ذلك فإننا نعتقد بأن الهدف النهائي للتجربة الصوفية عند رابعة العدوية هو المحبة. ففي ضوء ما يظهر من أقوالها في: التوبة، والرضا، والزهد، والمعرفة. فإن المحطة الأخيرة للمصطلحات السابقة عند رابعة هي المحبة. وربما يمكن فهم تجربتها في المحبة حسب المراحل التالية:

  • الحب لله وحده: حيث رأت أنه لا يجدر بها إلا أن تتفرغ بقلبها وفكرها لذكر الله وحده ولا شيء سواه.. فكانت لا تملك إلا نسيان الدنيا نسيانا كليًا حتى لا يدخل قلبها إلا ذكر الله وحده. ويمكننا أن نجد العديد من الأقوال التي تعبر عن هذه المرحلة مثل: قال لها سفيان الثوري: ما أقرب ما تقرب به العبد إلى الله عز وجل؟ فبكت وقالت: مثلي يُسأل عن هذا؟ أقرب ما تقرب العبد به إلى الله تعالى أن يعلم أنه لا يحب من الدنيا والآخرة غيره[55]. وأيضا في ردها على أمير البصرة: ما يسرني أنك لي عبد وأنّ كل ما تملكه لي وأنك شغلتني عن اللهّ طرفة عين[56].
  • الحب لله والشوق لمشاهدته: حيث اشتد شوقها إلى لقاء ربها فملأها ذلك الشوق شعورًا عميقًا بالغربة والحزن، ولعل هذا ما يفسر كثرة أقوالها المرتبطة بالحزن. ومن الأقوال التي يمكن أن ندخلها في إطار هذه المرحلة، قولها: من يدلنا على حبيبنا؟ فقالت خادمة لها: حبيبنا معنا، ولكن الدنيا قطعت بيننا وبينه[57]. وأيضا: هل طالت بك الأيام والليالي بالشوق إلى لقاء الله، فقالت: نعم[58].
  • الحب لله وحده المنزه عن أمل الجزاء وخوف العقاب: نجد عند رابعة العدوية لونا أخر من الحب أكثر عمقا وأشد غرابة مما نعرفه عند عامة الناس لم يُفتح بابه لغيرها من قبل- ربما باستثناء إبراهيم بن أدهم في عبارته الشهيرة: “اللهم إنك تعلم إن الجنة لا تزن عندي جناح بعوضة، إذا أنت آنستني بذكرك، ورزقتني حبك، وسهلت علي طاعتك، فأعط الجنة لمن شئت”[59]– من الحب لله وحده دون ما سواه، ومن الحب لله الذي يملأ القلب شوقًا ورغبه في لقائه في الآخرة بصرف النظر عن الثواب والعقاب، والجنة والنار، ولعل عبارتها الشهيرة: ما عبدت الله خوفا من الله، فأكون كالأمة السوء إن خافت عملت، ولا حبا للجنة فأكون كأمة السوء إن أعطيت عملت، ولكن عبدته حبًا له وشوقًا إليه[60]. ليس هذا فحسب بل أصبح الله وحده دون غيره هو الحبيب والمحبوب من أجل ذاته فحسب، ولعل هذا يفسر قولها لرباح بن عمرو القيسي (ت:180هـ/796م)[61] عندما رأته يقبل صبيًا صغيرًا، فقالت: أتحبه؟ قال: نعم، قالت: ما كنت أحسب أن في قلبك موضع لمحبة غير الله عز وجل[62]. ويتطور الأمر أكثر من ذلك إلى أن قالت حين سئلت عن حبها للرسول صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: والله إني لأحبه حبًا شديدًا، ولكن حب الخالق شغلني عن حب المخلوقين[63].

 

 

 

5ـ نتائج الدراسة:

  1. يظهر من المصنفات الصوفية المدونة حتى نهاية القرن الخامس الهجري أن ما هو منسوب تاريخيًا لرابعة العدوية في هذه الفترة يساوي (10%) فقط من كل ما نُسب إليها حتى نهاية القرن العاشر الهجري- حسب المصادر التي اطلعنا عليها- وهذا يستدعى عدة تساؤلات منها: إذا كانت الأقوال المنسوبة لرابعة العدوية (ت185هـ) حتى نهاية القرن الخامس الهجري هي (31) عبارة فقط، فهل باقي العبارات التي دونت من القرن السادس وحتى القرن العاشر الهجري هي فعلا لرابعة العدوية؟وإذا كانت الإجابة بنعم: فكيف وصلت هذه الأقوال إلى كُتاب القرن السادس وما تلاه وصولا للقرن العاشر الهجري دون أن تكون مدونة في القرون السابقة؟ وإلى أي مدى تدخلت الصور الأسطورية في عملية بناء وتشكيل هذه النصوص والأقوال؟ وبالرغم من أن الدراسة الحالية لا تستطيع تقديم إجابات واضحة على هذه التساؤلات- فيكفينا طرح التساؤل- إلا أن مثل هذه التساؤلات تستدعي أهمية إعادة النظر في تراث رابعة العدوية.
  2. نعتقد بأهمية إعادة النظر في مراجعة بعض الأحكام المرتبطة برابعة العدوية- خاصة الأحكام التي اعتمدت على الأقوال والنصوص المدونة في المصادر التاريخية المتأخرة- نظرًا لأن الاعتماد على مثل هذه الأقوال قد يؤدي بدارسي التصوف إلى إسقاط أفكار ونظريات ومعاني لا تتحملها البيئة الروحية أو الصوفية في القرن الثاني الهجري، مما قد يؤدي إلى الكثير من المغالطات التاريخية.
  3. غطى الجانب الأسطوري على الجانب الإبداعي لدى رابعة العدوية نتيجة إلصاق العديد من الأقوال والقصص الخرافية والأسطورية بشخصيتها، وربما كان ذلك سببًا للشك فيما قدمته كافة المصادر التاريخية- خاصة المتأخرة منها- علاوة على أن أغلب العبارات التي نسبت إلى رابعة العدوية في الفترات التاريخية المختلفة يدور معظمها في فلك المحبة، وربما دل ذلك على أن تجربتها في المحبة دفعت البعض إلى الاستئناس بنسب عدة أقوال وعبارات إليها.
  4. بالرغم من كل ما سبق تثبت الأقوال المنسوبة لرابعة العدوية حتى نهاية القرن الخامس الهجري أن لديها تجربة في المحبة الإلهية، وليس هناك دليل أقوى من أن مصطلح “المحبة” هو المصطلح المركزي في أقوال رابعة العدوية، فقد ورد مصطلح “المحبة” لديها خمس عشرة مرة، ومصطلح “القلب” خمس مرات، ومصطلح “الشوق” مرتين، ومصطلح “الأنس” مرة واحده فقط. وبناءً عليه نستطيع القول بأن هذه المصطلحات ظهرت في فترة تاريخية مبكرة- القرن الثاني الهجري- الذي شهد فترة النشأة والتكوين لما سمي بعد ذلك اصطلاحيا بــ (التصوف).
  5. يبدو أن موقف رابعة العدوية في المحبة من المواقف الجديدة في الحياة الروحية في الإسلام، وربما لم يسبق إليها أحد قبل رابعة العدوية. علاوة على أنها وصلت إلى تلك الدرجة الرفيعة من الحب ليس من باب التفلسف أو التعلم من العلماء لكن من باب قلبها المولع بحب الله، المفعم بشعور وعواطف لا يعرفها إلا المحب المخلص وحده. وبذلك يمكن اعتبارها بهذه التجربة الفريدة فتحت بابًا جديدًا في التصوف الإسلامي سوف يتبعها فيه الصوفية اللاحقون لها، وأصبح الصوفية يعتبرونها صاحبة الفضل في فتح باب الحب الإلهي في التصوف الإسلامي، ذلك الباب- المحبة- الذي ستظهر آثاره أكثر لدى صوفية القرن الثالث الهجري مثل: البسطامي (ت: ت:261هـ/874م أو 264هـ/878م)، وأبى الحسين النوري (ت: 295هـ/907م)، وسمنون المحب (ت:298هـ/910م)، ليتطور بعد ذلك لدى صوفية القرنين الرابع والخامس الهجريين من أمثال: الحسين بن منصور الحلاج (ت:309هـ/922م)، وأبى الحسن الديلمي (ت: أوائل الخامس الهجري- مجهول)، والغزالي (ت:505هـ/1111م). وصولا لقمته لدى صوفية القرنين السادس والسابع الهجريين من أمثال: عمر بن الفارض (ت:632هـ/1235م) الذي اشتهر باسم “سلطان العاشقين”، ومحيى الدين بن العربي (ت:638هـ/1240م) الذي سمي بــ “الشيخ الأكبر”.
  6. حدث مع رابعة العدوية نوع من التطور الوجداني، وقد تجلى هذا التطور في الانتقال من “الخوف” باعتباره باعثًا ومحركًا للزهد- لدى الزهاد الأوائل- إلى “الحب الإلهي”. فإذا كانت أقوال الزهاد الأوائل قد عبرت عن أن خوفهم من الله أشد من حبهم إيّاه- مثل أقوال الإمام الحسن البصري (ت:110هـ/728م) في الخوف- فإن هذه النظرة قد تطورت من خلال خبرة رابعة العدوية في المحبة.
  7. من الملاحظ بشكل مبدئي أن ما يظهر مع أقوال رابعة العدوية حسب الجدول السابق رقم (1)، يظهر أيضا مع شخصيات أخرى من شخصيات القرنين الأول والثاني الهجريين، مثل: الحسن البصري (ت:110هـ/728م)، ومالك بن دينار (ت:130هـ/47-748م)، وعبد الواحد بن زيد (ت177هـ/793م)، وإبراهيم بن أدهم (ت:161هـ/ 77- 778م)، وداود الطائي (ت:165هـ/781م)، والفضيل بن عياض (ت:187هـ/803م)، وشقيق البلخي (ت:195هـ/ 810م)، ومعروف الكرخي (ت:200هـ/15- 816م) وغيرهم. حيث نجد نصوص منسوبة لهؤلاء ابتداء من القرن السادس الهجري لم تكن مدونة في المصادر التاريخية عامة والصوفية خاصة حتى نهاية القرن الخامس الهجري. والتساؤلات التي تنطبق على أقوال رابعة العدوية تصلح لأن تنطبق على أقوال أغلب شخصيات حركة الزهد- إن لم يكن كلها- في القرنين الأول والثاني الهجريين: كيف وصلت هذه الأقوال إلى كُتاب القرن السادس وما تلاه وصولا للقرن العاشر الهجري دون أن تكون مدونة في القرون السابقة؟ وإلى أي مدى تدخلت الصور الأسطورية في عملية بناء وتشكيل هذه النصوص والأقوال؟ ومثل هذه التساؤلات- نعتقد بأنها- كفيلة بإعادة النظر في التراث الروحي لشخصيات “حركة الزهد في الإسلام”…

 

قائمة المصادر والمراجع

أولاً- المصادر والمراجع العربية:

  1. إبراهيم بسيونى ، نشأة التصوف الإسلامى، دار المعارف، مصر، 1969.
  2. ابن العماد الحنبلى، شذرات الذهب فى أخبار من ذهب، مكتبة القدسى، القاهرة، بدون تاريخ.
  3. ابن تيمية، الرسائل والمسائل، دار الفكر للطباعة، بيروت، 1996.
  4. ابن خلكان، وفيات الأعيان، دار الكتب العلمية، بيروت، 1993.
  5. أبو الحسن الديلمى، كتاب عطف الألف المألوف على اللام المعطوف، تحقيق ج. ك. فاديه، المعهد الفرنسى، القاهرة، 1962.
  6. أبو الحسن الديلمي، عطف الألف المألوف على اللام المعطوف، تحقيق حسن الشافعي وجوزيف نورمنت، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 2007.
  7. أبو الحسن الهجويرى، كشف المحجوب، ترجمة إسماعيل ماضى أبو العزائم، دار التراث العربى للنشر والتوزيع، القاهرة، بدون تاريخ.
  8. أبو الفداء ابن كثير، البداية والنهاية، المطبعة السلفية، القاهرة، 1351هـ.
  9. أبو الوفا التفتازانى ، مدخل إلى التصوف الإسلامى، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، 1979.
  10. أبو بكر الكلاباذى، كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف، تحقيق أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1993.
  11. أبو حامد الغزالى، إحياء علوم الدين، دار الخير، بيروت، 1990.
  12. أبو طالب المكى، قوت القلوب فى معاملة المحبوب، تحقيق سعيد مكارم، دار صادر، بيروت، 1995.
  13. أبو نصر السراج الطوسى، كتاب اللمع، تحقيق عبد الحليم محمود، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، بدون تاريخ.
  14. أبو نعيم الأصبهانى، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، دار الكتاب العربى، بيروت، 1980.
  15. آرثور سعديف وتوفيق سلوم، الفلسفة العربية الإسلامية “الكلام، المشائية، التصوف”، دار الفارابي، بيروت، 2000.
  16. آنا مارى شيمل، الأبعاد الصوفية فى الإسلام وتاريخ التصوف، ترجمة محمد إسماعيل السيد، دار الجمل، كولونيا، ألمانيا، 2006.
  17. الجاحظ، البيان والتبيين، القاهرة، 1332هـ.
  18. الجاحظ، كتاب الحيوان، القاهرة، 1907.
  19. جوزيبى سكاتولين وأحمد حسن، التجليات الروحية فى الإسلام نصوص صوفية عبر التاريخ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2008.
  20. روبرت كسبار، مدخل تاريخى لدراسة التصوف الإسلامى، المعهد البابوى للدراسات العربية والإسلامية، روما، 1968.
  21. سهام خضر، رابعة العدوية بين الأسطورة والحقيقة، دار الكتب العلمية، بيروت، 2010.
  22. شمس الدين الذهبى، سير أعلام النبلاء، مؤسسة الرسالة للنشر، بيروت، 1981.
  23. صبرى متولى الشرقاوى، الحب الإلهى عند صوفية القرنين الثالث والرابع الهجريين، المكتبة المصرية، الإسكندرية، 2004.
  24. صلاح عزام، الأولياء الثلاثة: رابعة العدوية، مالك بن دينار، ذو النون المصرى، مؤسسة دار الشعب، القاهرة، 2002.
  25. عبد الرءوف المناوى، الكواكب الدرية فى تراجم السادة الصوفية، تحقيق عبد الحميد صالح، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، بدون تاريخ.
  26. عبد الرحمن السلمي، ذكر النسوة المتعبدات الصوفيات، تحقيق محمود محمد الطناحي، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1993.
  27. عبد الرحمن بدوى ، شهيدة العشق الإلهى- رابعة العدوية، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1962.
  28. عبد القادر محمود، الفلسفة الصوفية فى الإسلام: مصادرها ونظرياتها ومكانها من الدين والحياة، دار الفكر العربى، 1966.
  29. عبد الكريم القشيرى، الرسالة القشيرية، تحقيق عبد الحليم محمود ومحمود بن الشريف، دار الكتب الحديثة، القاهرة، بدون تاريخ.
  30. عبد الملك الخركوشى، تهذيب الأسرار، تحقيق بسام بارود، المجمع الثقافى، أبو ظبى، الإمارات، 1999.
  31. عبد المنعم الحفني، رابعة العدوية إمامة العاشقين والمحزونين، دار الرشاد، القاهرة، 1996م.
  32. عبد الوهاب الشعرانى، الطبقات الكبرى، دار الفكر العربى، القاهرة، بدون تاريخ.
  33. على سامى النشار، نشأة الفكر الفلسفى فى الإسلام، دار المعارف، 1980.
  34. فريد الدين العطار، تذكرة الأولياء، ترجمة منال عبد العزيز، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2006.
  35. كامل الشيبى، الصلة بين التصوف والتشيع: العناصر الشيعية فى التصوف، دار الأندلس للطباعة والنشر، بيروت، 1982.
  36. لويس ماسنيون ، مصطفى عبد الرازق، الإسلام والتصوف، لجنة دائرة المعارف الإسلامية مطابع دار الشعب، القاهرة، 1979.
  37. مأمون غريب، رابعة العدوية فى محراب الحب الإلهي، دار غريب، القاهرة، 2000.
  38. محمد الراشد، نظرية الحب والاتحاد فى التصوف الإسلامى، دار الأوائل، دمشق، 2006.
  39. محمد اليافي، روض الرياحين فى حكايات الصالحين، المطبعة الكاستلية، مصر، 1881.

ثانيًا- المراجع الأجنبية:

  1. Caspar, Robert, Cours de mystique musulmane, Roma: PISAI, 1968.
  2. Caspar, Robert, Textes de mystique musulmane, Roma: PISAI, 1973.
  3. C. Aanawati, et Louis Gardet, Mystique Musulmane: Aspects et tendances experiences et techniques, Paris, Librairie Philosiphique, j. Vrin, 1961.
  4. Knysh, Alexander, Islamic Mysticism – A Short History, Leiden: Brill, 2000.
  5. Louis Massignon, Essai sur les origines du lexique téchnique de la mystique musulmane,Paris, Cerf, 1999 (1ed. Geuthner, 1922; Vrin, 1954).
  6. Margaret Smith, Rabiat the Mystic and her fellow- saints in Islam, Cambridge Press, 1984.
  7. Nicholson, Reynold Alleyne, Studies in Islamic Mysticism, Cambridge: University Press. Cambridge, 1989 (1ed. 1921).

 

 

 

[1] د. أحمد حسن أنور حسن: دكتوراه في الفلسفة الإسلامية والتصوف، له عدة كتب وبحوث في التصوف، منها: التجليات الروحية في الإسلام، الأبعاد الصوفية عند عبد الملك الخركوشي، مفهوم المحبة في التصوف من اللغة إلى التجربة، نشأة وتطور المقامات والأحوال الصوفية حتى نهاية القرن الخامس الهجري..

يعمل حاليا: مدرس الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب بالوادي الجديد جامعة أسيوط، مدير تحرير سلسلة الفلسفة الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بوزارة الثقافة المصرية- مدير تحرير مجلة وادي النيل الصادرة عن كلية الآداب جامعة القاهرة (فرع الخرطوم)، كما قام بالتدريس بجامعة القاهرة وجامعة المنوفية بمصر، وبجامعة كومنيوس بسلوفاكيا. للتواصل مع الباحث إليكترونيا: ahmed5658103@yahoo.com

[2] لمزيد من التفاصيل راجع: الجاحظ، البيان والتبيين، ج2، ص85… الجاحظ، كتاب الحيوان، ج1، ص78.

[3] أبو عبد الرحمن السلمي، ذكر النسوة المتعبدات الصوفيات، ص27.

[4] أحمد بن محمد بن خلكان، وفيات الأعيان، ج2، ص48.

[5] لمزيد من التفاصيل راجع:

  • ابن العماد، شذرات الذهب ج1، ص193.
  • ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج2، ص48-49.
  • المناوي، الكواكب الدرية ج1، ص108.

[6] لمزيد من التفاصيل راجع:

  • عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الإلهي: رابعة العدوية، ص 7 وما بعدها، وانظر أيضا: ص104.
  • قاسم غني، تاريخ التصوف في الإسلام، ص54-55.
  • على سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ط7، ج3، 176-177.
  • جوزيبي سكاتولين وأحمد حسن، التجليات الروحية في الإسلام، ص78.

– Robert Caspar, Cours de mystique musulmane, PISAI, Rome, 1964, p. 30.

[7] عبد الرحمن بدوى، شهيدة العشق الإلهى، ص7-8 (بتصرف).

[8] راجع: فريد الدين العطار، تذكرة الأولياء، ج1، ص 259-275.

[9]  Margaret Smith, Rabiat the Mystic and her fellow- saints in Islam, Cambridge Press, 1984, p21.

[10] عبد الرحمن بدوى، شهيدة العشق الإلهى، ص43-44.

[11] قد تشير تفرقة عبد الرحمن السلمي بين رابعة العدوية، ورابعة الأزدية، ورابعة الشامية على أن هذا الخلط قد حدث في عهد مبكر جدًا، مما أدي بالسلمي إلى التنبيه عليه تجنبا للخلط،  انظر: عبد الرحمن السلمي، ذكر النسوة المتعبدات الصوفيات، ص27، ص54، ص59. وراجع أيضا: الذهبي، سير أعلام النبلاء، 8/241 و8/243، ابن الجوزي، صفوة الصفوة، 4/300، ابن الأثير، الكامل في التاريخ 5/565، الذهبي، تاريخ الإسلام، 6/22.

[12] من المهم التفرقة بين رابعة العدوية، ورابعة الشامية. وسينتج عن ذلك: أن كل الأخبار التي ثبت سند رواتها وفيهم أحمد بن أبي الحواري يجب أن نسقطها من حساب رابعة العدوية البصرية إذا نسبت إليها غفلا من كل سند، لأن ما حدث به أحمد بن أبي الحواري يرتبط بزوجته رابعة الشامية، كما أن الأدلة التاريخية لا تدل على معرفته برابعة العدوية (ت:185هـ/801م؟) كما أنه شامي ولا نعلم أنه أتى البصرة.. لمزيد من التفاصيل انظر: عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الإلهي، ص46-47.

[13] سهام خضر، رابعة العدوية بين الأسطورة والحقيقة، ص17.

[14] مأمون غريب، رابعة العدوية فى محراب الحب الإلهي، ص6.

[15] راجع هذه الرواية: فريد الدين العطار، تذكرة الأولياء، ج1، ص262-263.

[16] راجع موقف الباحث الكسندر كنيش حول هذا الموضوع:

Knysh, Mysticism, p. 26-32.

[17] ابن تيمية، الرسائل والمسائل، ج1، ص73. راجع أيضا: عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الإلهي، ص39.

[18] شكك العديد من الباحثين في مدى انتساب هذه العبارة لرابعة العدوية، راجع:

  • حسين مروة، النزعات المادية، ج2، ص183.
  • على سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي فى الإسلام، ج3، ص212.
  • عبد القادر محمود، الفلسفة الصوفية، ص167-169.
  • محمد الطيب، وحدة الوجود فى التصوف الإسلامي، ص26.

وأيضا يوجد بعض الباحثين يرون أنه من المحتمل أن تكون هذه العبارة صادرة عن رابعة العدوية داخل إطار الحب المطلق لله وحده ومن منظور أنه لا محبوب إلا الله… انظر: إبراهيم بسيوني، نشأة التصوف الإسلامي، ص195.

[19] نجد ما يشابه ذلك عند البسطامي حين قال: حججت أول حجة فرأيت البيت؛ وحججت الثانية، فرأيت صاحب البيت ولم أر البيت، وحججت ثالثًا فلم أر البيت ولا صاحب البيت. راجع: عبد الرحمن بدوي، شطحات الصوفية، ص102.

[20] حسين مروة، النزعات المادية، ج2، ص181.

[21] في إطار النقد الذاتي: سبق وأن قدم كاتب هذه الدراسة- في دراسة سابقة- صورة لحياة رابعة العدوية تفتقد إلى الأدلة التاريخية، كما تقترب من الصور الأسطورية التي قدمتها المصادر التاريخية المتأخرة، كما تفتقد إلى النقد حين قال: “فقدت أبويها وهى صغيرة، وما إن شبَّت حتى بيعت لخدمة رجل غليظ القلب، وهكذا كان احتكاكها الأول بالحياة مذاقه مُر من قسوة قلوب الناس واستبدادهم بالفقراء والضعفاء، فرأت أن لا ملجأ لها إلا الله، فهو الوحيد الذي يقدر على إنقاذها من هذه الدنيا المليئة ظلمًا وجورًا، فأكثرت في ذكره والدعاء إليه حتى استجاب الله لاشتياقها، وفى ليلة من الليالي رآها سيدها تصلى، فتأثر برؤيتها في تلك الحالة فأعتقها، هكذا انتقلت رابعة من حياة عادية إلى حياة دينية صوفية، فاختارت لنفسها كوخًا فقيرًا في ضواحي البصرة، فأقبلت على الزهد والعبادة لا تريد شيئًا من هذه الدنيا”.. راجع: التجليات الروحية في الإسلام، ص78-79…

[22] ابن تيمية، الرسائل والمسائل، ج1، ص73.  راجع أيضا: عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق، ص39.

[23] سهام خضر، رابعة العدوية، ص18.

[24] الجاحظ، كتاب الحيوان، ج1، ص81.

[25] راجع: أبو بكر الكلاباذي، التعرف لمذهب أهل التصوف، ص108، ص120، ص172.

[26] راجع الأقوال: أبو طالب المكي، قوت القلوب جـ1 ص320، جـ1 ص381، جـ2 ص80، جـ2 ص112، جـ2 ص113، جـ2 ص472.

[27] راجع الأقوال: الخركوشي، تهذيب الأسرار، ص32، ص35، ص40، ص42، ص61، ص62، ص77.

[28] الخركوشي، تهذيب الأسرار، ص62.

[29] من المفيد الإشارة إلى أن كل رواية ذكرت رابعة وذي النون المصري هي عن رابعة الشامية، التي ربما التقى بها ذو النون المصري أثناء أسفاره بالشام.. راجع: سهام خضر، رابعة العدوية، ص19.

[30] ربما لم تنسب هذه الأبيات لرابعة العدوية إلا في المصادر المتأخرة مثل: عبد الرءوف المناوي (ت:1031هـ/1621م)، طبقات الأولياء، ص202.

[31] أبو سعيد الأعرابي (ت:341هـ/952م) أول من صنف فى طبقات الصوفية، وله كتاب مفقود اسمه طبقات النساك، ورد ذكره فى العديد من المصادر التاريخية، وقد نقل عنه أبو الحسن الديلمي بعض العبارات، انظر: أبو الحسن الديلمي، عطف الألف المألوف على اللام المعطوف، ص56.

[32] الذهبي، سير أعلام النبلاء، 8/242.

[33] محمد اليافي، روض الرياحين فى حكايات الصالحين، ص102.

[34] لمزيد من التفاصيل عن عبد الملك الخركوشي انظر: جوزيبى سكاتولين وأحمد حسن أنور، الأبعاد الصوفية عند عبد الملك الخركوشي “دراسة ونصوص”، ص33 وما بعدها.

[35] راجع الأقوال: عبد الرحمن السلمي، ذكر النسوة المتعبدات، ص27-31، ص54، ص59-60.

[36] راجع الأقوال: عبد الكريم القشيري، الرسالة القشيرية، ص322، ص366، ص424، ص516، ص624.

[37] راجع الأقوال: أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، 1/415، 2/240، 3/241، 3/373، 5/244، 5/261.

[38] الغزالى، إحياء علوم الدين، 2/119.

[39] تشير الألوان إلى مدى تكرار بعض الأقوال.

[40] تم ترقيم وترتيب أقوال رابعة العدوية الواردة في المصادر المتعددة حسب الترتيب التاريخي للمصادر حيث تم ترقيم الأقوال الواردة في المصادر من الأقدم إلى الأحدث.  فمثلا سنرمز للعبارات الواردة لدى الجاحظ برقم (1) + (2) .. والكلاباذي رقم (3) وما يليه وهكذا.. حسب الظهور التاريخي لهذه الأقوال.. أما الأقوال المكررة في هذه المصادر فسنذكر رقمها حسب المصدر الأقدم، وستلون الأرقام التي تعبر عن الأقوال المتكررة.

[41] محمد مصطفى حلمى، الحياة الروحية فى الإسلام، ص20.

[42] آنا ماري شيمل، المرأة فى التصوف، ص21.

[43] محمد بن الطيب، وحدة الوجود فى التصوف الإسلامي، ص21.

[44] لمزيد من التفاصيل راجع:

– عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الإلهي، ص64-75.

– أبو الوفا التفتازاني، مدخل إلى التصوف الإسلامي، ص84-89.

– محمد مصطفى حلمي، الحياة الروحية فى الإسلام، ص20.

– محمد الراشد، نظرية الحب والاتحاد، ص81-86.

–  Margaret Smith, Rabiat the Mystic, p25.

– آنا ماري شيمل، الأبعاد الصوفية، ص47-50.

– ارثور سعديف وتوفيق سلوم، الفلسفة العربية الإسلامية، ص280.

[45] الكلاباذي، التعرف لمذهب أهل التصوف، ص129.

[46] الأصبهاني، حلية الأولياء، جـ9، ص348.

[47] مصطفى عبد الرازق، مجلة المعرفة، ص15.

[48] لمزيد من التفاصيل، راجع: عبد القادر محمود، الفلسفة الصوفية فى الإسلام، ص 162-170.

[49] كلمة (زور) هي من استخدام الدكتور كامل الشيبي، لا نتفق تمام الاتفاق مع هذا المصطلح وربما كان من الأجدر استخدام مصطلح أخر، أو عبارة أخرى لشرح نفس المعنى.

[50] للمرة الثانية نلاحظ ربط الأبيات المنسوبة لرابعة (أحبك حبين) بذى النون المصري، انظر: كامل الشيبي، الصلة بين التصوف، جـ2، ص322- 323.

[51] حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية، جـ2، ص179.

[52] المرجع السابق، جـ2، ص180.

[53] للمرة الثالثة نلاحظ الربط بين هذه الأبيات وذى النون المصري، انظر: على سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، جـ3، ص208-209.

[54] راجع: محمد بن الطيب، وحدة الوجود في التصوف، ص21.. عبد القادر محمود، الفلسفة الصوفية في الإسلام، ص163-165.

[55] نرمز لهذه العبارة برقم (23) انظر: عبد الرحمن السلمى، ذكر النسوة المتعبدات، ص30.

[56] نرمز لهذه العبارة برقم (10) انظر: أبو طالب المكي، قوت القلوب، جـ2، ص112.

[57] نرمز لهذه العبارة برقم (14) انظر: الخركوشى، تهذيب الأسرار، ص40.. الغزالي، إحياء علوم الدين، جـ5، ص261.

[58] نرمز لهذه العبارة برقم (26) انظر: أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء، جـ6، ص193.

[59] أبو نعيم الأصفهاني، حلية الأولياء، ج8، ص35.

[60] نرمز لهذه العبارة برقم (9) انظر: المكي، قوت القلوب، جـ2، ص112.

[61]  ينسب إليه أنه تحدث عن مقام “الخلة” أو “الصحبة الإلهية”، وتشير بعض الدراسات أن نظريته فى الخلة قد أثرت على رابعة العدوية، لمزيد من التفاصيل انظر:

G.C. Aanawati et Louis Gardet, Mystique Musulmane: Aspects et tendances experiences et techniques, Paris, Librairie Philosiphique, j. Vrin, 1961, p.26.

[62] نرمز لهذه العبارة برقم (21) انظر: السلمي، ذكر النسوة، ص29-30. الأصبهاني، حلية الأولياء،ج6، 193.

[63] نرمز لهذه العبارة برقم (15) انظر: الخركوشي، تهذيب الأسرار، ص42.. السلمى، ذكر النسوة، ص29.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!