رؤية تقريبية لحضور التصوف في المجتمع الإسلامي والياباني

رؤية تقريبية لحضور التصوف في المجتمع الإسلامي والياباني

  إنسانية التصوف: رؤية تقريبية لحضور التصوف في المجتمع الإسلامي والياباني

أ.د سمير عبد الحميد نوح

  لا تناقش الصفحات القليلة التالية مفهوم التصوف أو تاريخه أو حتى فلسفته بقدر ما توضح المفهوم الإنساني للشعور الروحي  لحالة الإنسان ، أي إنسان يحمل بداخله ما يمكن ان نطلق عليه  بالمعنى الإصطلاحي  الوعي أو الإدراك  أو الشعور أو الوجدان، وهو ما ما من شأنه أن يساعده على  التحليق بين العوالم الروحية بعد أن يتمرس بقوانين  العقل والروح او العقل والنقس، وهو ما نلمسه لدى المتصوفة المسلمين وبين بعض مذاهب البوذية اليابانية.

  عرف الإنسان الحالة الصوفية منذ القديم، وصورها بأشكال مختلفة طبقا للزمان والمكان، فالله خلق البشر وأودعهم نعمة الوعي والإدراك والشعور والوجدان، أو ما يمكن أن نعبر عنه بكلمة واحدة هي “الفطرة”، من تم يتبارى الناس فيما بينهم في تنمية الوعي والإدراك، ليكتسبوا الإحساس اللاشعوري الذي يناله كل مجتهد، ممن تقوده حالة الإدراك لاختراق جميع التجارب الحسية لتنقله إلى حالة من الوعي الكوني حيث تندمج نفس الإنسان – طبقا لبعض الفلاسفة والمفكرين المنتمين إلى أديان ومذاهب مختلفة-  في جميع ما في الكون.

    هذه النقلة التي اتخذت أسماء أو مصطلحات تختلف من مكان إلى مكان آخر ومن عقيدة إلى عقيدة أخري خبرها العرب والهنود والصينيون واليابانيون منذ القديم، فقد حاولوا الوصول إليها عن طريق ترويض النفس وترويض الروح لتسمو فوق الماديات  بعد أن تصل إلى مرحلة اللاوعي الشعوري التي لم تظهر بوضوح في كتابات المتصوفة المسلمين، الذين رأوا ان للصوفية أسرارها التي لا يمكن إفشاؤها لمن لا يخبر كنهها.

   إن التصوف  بمعنى التقوي وبمعنى العرفان هو تصوف يجد قبولا لدي شرائح عريضة من المسلمين بينما التصوف بمعني الحلول ووحدة الوجود هو تصوف وإن كان مرفوضا عقديا إلا انه وجد مكانا بين طائفة محدودة وصفت نفسها بحاملة أسرار لا يجب البوح بها إلا لمن لم يصل إلى درجة معينة من مراتب التصوف، وهناك نماذج شبيهة في صوفية البوذية اليابانية في مرحلة اتصفت فيها البوذية  ببوذية الصفوة أو بوذية الأسرار أو بوذية التعاليم الخفية، وسيأتي ذكرها فيما بعد.

 ناقش المفكرون والفلاسفة المسلمون هذه القضية بل دخل الأدب والشعر طرفا فيها، وساعدت بلاغة اللغة العربية على الإبداع في بيان حالات الوجد الصوفي، والتعبير عن قضايا شائكة ببيان شعري يمكن تأويله للهروب من الوقوع في فخ الشرك والإلحاد، وهكذا كان حال اللغة الفارسية والأردية التي قلد شعراؤها ما انتجه الآدب العربي من شعر صوفي بل أضاف شعراء إيران وشبه القارة الهندية مزيدا من البراعة في استخدام اللغة الشعرية المعبرة عن التصوف وفلسفته، وخرج بعضهم عن إطار المعقول والمقبول مما دفع بالبعض إلى معارضة التصوف.

 ومن ناحية أخري عمد كثير من المفكرين المسلمين إلى القول بان مصادر التصوف وأسسه يمكن تلمسها بوضوح في القرآن الكريم والسيرة النبوية المطهرة رغم أن التصوف لم يوجد في عهد الخلفاء الراشدين، إلا أن بعض المسلمين مثل حسن البصري وواصل ابن عطاء انسحبوا من الحياة الاجتماعية ومالوا إلى حياة الزهد،  وفي عصر الدولة العباسية حين اهتمت الفلسفة بالعلوم العقلية ظهر التصوف بهدف حماية روح الإسلام والتحول من الظاهر إلى الباطل كما يعبر المتصوفة الذين يرون  أن التصوف كان صوت احتجاج أو رد فعل ضد المذهب الشكلي او العقلي المحض وضد النفاق أيضا .

  ورغم أن التصوف في البداية ركز على التقوى والزهد والبعد عن ملذات الحياة الدنيا إلا أنه في مراحل تطوره اتخذ من “الفناء في الله” و”البقاء في الله” مبدأين أساسيين لا غنى عنهما، ثم تطور الأمر إلى مرحلة المفهوم الكوني والميتافيزيقي، وتشكلت الطرق الصوفية، وانتشرت بين المسلمين، وساعد على انتشارها تلك الظروف التي مر بها العالم الإسلامي الذي شهد تخلفا شديدا نتيجة الجمود الفكري الذي ران على أهله فاتجهوا إلى التقليد دون الاجتهاد، وسيطرت عليهم التقاليد البالية والأفكار القديمة فبدلا من الاتجاه إلى العمل والكفاح في الحياة، اتجهوا كما الحال في إيران إلى  مجالس العزاء والضرب على الصدور. ورأي علماء تركيا أن  القرآن الكريم لم ينزل لكي تفهم معانيه ومقاصده، وهكذا كان حال الملالي والشيوخ  في أنحاء العالم الاسلامي.

  وفي ظل حالة الجمود الفكري والخضوع للسيطرة الغربية اقتصر دور العلماء على معالجة المسائل الشرعية وتقديم الفتاوى وقراءة الكتب الدينية القديمة، أما طوائف الصوفية الشعبية فعكف أصحابها على صوامعهم، تاركين الدنيا وما فيها ومن فيها، وانتشر التصوف السلبي في زمن عمّ فيه الشقاء الاجتماعي، وصار الأحياء فيه أمواتا بعد أن رضوا لأنفسهم بالمذلة وخضعوا للهوان، مما دفع بعض المصلحين مثل جمال الدين الأفغاني إلى الدعوة إلى إيقاظ الناس من غفلتهم، وقد حاول تحريك العالم الإسلامي من جموده  إلا أنه كان  يحتاج إلى من يشبه محمد عبده في كل بلد إسلامي. وفي شبه القارة الهندية ظهر عدد من المصلحين مثل شاه ولي الله الدهلوي ومثل الشاعر والمفكّر محمد إقبال الذي كرّس معظم حياته لبيان مساوئ التصوف السلبي.

كان ذلك في فترة انشغلت فيها الشعوب العربية والاسلامية بكتابة التعاويذ والأحجبة والتنجيم بينما انشغلت الأمم الغربية بالعمل والإبداع ومحاولة الوصول إلى أقطار السماوات والآرض، وكما فعل جنود إيران ووضعوا التعاويذ والأحجبة حول رقابهم وهم في طريقهم لقتال الجيش الروسي كان جنود مصر الذين قادهم عرابي لمواجهة الانجليز يقيمون حلقات الذكر ويطالعون كتب بعض الصوفية ، وكان العلماء المسلمون في الهند يعلقون على ذراع كل جندي مسلم حجابا ليحفظه من المخاطر، وتناسى هؤلاء السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي الحربي وفنون الحرب والقتال لدي المسلمين .

  ومع هذا لا يمكن صرف النظر عن طوائف الصوفية التي لعبت دورًا مهما في حماية المسلمين في مناطق مختلفة، فقد دافع بعض كبار الصوفية من قادة المجاهدين البارزين عن بلادهم  ضد المحتلين والغزاة،  ففي الهند ظهر سيد أحمد  شهيد الذي قاد حركة الكفاح ضد الإنجليز والسيخ، وفي السودان ظهر المهدي الذي  حارب الإنجليز، وبرز علماء  مسلمون حباهم الله بالعلم والحكمة والتواضع والورع التقوى، فهموا المعنى الحقيقي للتصوف الإسلامي، فكان لهم تأثير واضح على مجتمعاتهم.

 إلا أن هناك من أثروا تأثيرا سلبيا على جماعة المسلمين بدعوتهم الناس إلى الهروب من الحياة قبل أن يحل أجلهم تحت شعار ” موتوا  قبل أن تموتوا ” فانبرى لهم عدد من علماء الحق فنقدوا هذا التصوف السلبي، وأوضح مثال على ذلك نقد محمد اقبال لحافظ شيرازي: ” ذلك الفقيه! فقيه أمة الأذلاء، ذلك الإمام !  إمام أمة المساكين .. امض من مجلس حافظ دونما عوز أو حاجة .. واحذر من النعاج  احذرها … ” (محمد إقبال الطبعة الآولي ديوان  الأسرار والرموز تحقيق سمير عبد الحميد ط2 دار الأنصار القاهرة 1981م )، فإقبال لا يريد للمسلمين أن يمضوا في المجتمع يساقون كما يساق القطيع.

 وهنا لا بد من التمييز بين التصوف السلبي والتصوف الإيجابي إن صح التعبير، أو كما أوضح محمد إقبال التصوف العجمي والتصوف الإسلامي، وهو يقصد بالتصوف العجمي التصوف الذي استقى أصوله من منابع هندوسية بوذية ـ مقابل التصوف الإسلامي الذي استقى أصوله من القرآن الكريم والسنة النبوية. ويندرج تحت التصوف العجمي  تصوف أولئك المسلمين الذين يحرصون على إداء فريضة الحج كل عام  ويحرصون على زيارة أضرحة الأولياء ومقاماتهم  يتبركون بها  وينثرون عليها الأزهار والورود، ويستمعون كل خميس إلى المواويل والأناشيد الدينية، ويختمون القرآن الكريم كل شهر عربي، ويؤدون كل ما يقربهم إلى الله لكنهم مع هذا ابتعدوا عن ذوق العمل، ورضوا بحياة المهانة ، متطلعين – كما يعتقدون – إلى نيل المراتب الرفيعة في الآخرة مع أن الإسلام  يحثهم على التمتع بالحياة الدنيا ، ويوضح لهم  سر الرفعة والتوفيق في الحياة الدنيا.

  إن التصوف الحق يدعو إلى عبادة الله حق عبادته وايثار الذات وحب الآخر والتخلق بأخلاق الله والتفانى في عمل ما يرضي الخالق، بينما  التصوف الدخيل  غير الإسلامي القائم على  فكرة ّ وحدة الوجود ” سلب المسلمين ذوق العمل” إذ هي فكرة تقوم على نفي وجود أي فرق بين الله والإنسان، وهي الفكرة التي أدت إلى تدهور أحوال المسلمين وابتعادهم عن تعاليم القرآن الكريم، التي توضح أن وجود الإنسان ليس وجودًا وهميًا بل هو وجود حقيقي إذ جعله الله خليفة له على الأرض، ولا مكان هنا لفكرة وحدة الوجود فالفرق بين الله والإنسان كالفرق بين السماء والأرض، الله هو الخالق والمعبود والإنسان مخلوق وعابد، فإن كانا شيئا واحدا فمن إذن يقوم بالعبادة وإلى متى تكون العبادة؟.  ( محمد إقبال الأسرار والرموز )

 وقد أوضح القرآن الكريم حقيقة مهمة وهي أن كل إنسان مسئول عن نجاحه وفلاحه، فقد أعطاه الله العقل وأوضح له طريق الخير وطريق الشر، واعطاه حرية اختيار ما يريد، إذ الإنسان يرى، ويعلم ويقدر، ومن هنا فالتصوف الدخيل على الإسلام مضاد تماما للإسلام وتعاليمه، وقد اختاره المسلمون في فترات من الزمن فاستكانوا للذل، وقد تلجأ إليه حكومات تهدف إلى إبعاد الناس عن المشاركة في الحياة السياسية  بدعوى الابتعاد عن أمور الدنيا ولهوها.

  لقد واجه بعض المفكرين والمصلحين هذا النمط من التصوف السلبي أو العجمي بمفهوم اقبال، واستخدموا في مواجهته نشر الفكر الإسلامي الصحيح  ونشر العقيدة  الصحيحة الثابتة  التي تهدف إلى الحفاظ على ذاتية الإنسان الذي كرمه الله ، فلا يجب على الإنسان أن ينزل إلى هاوية الفناء المتمثلة في  وحدة الوجود ، وعلى الإنسان أن يقوي من ذاتيته بالخصوع للخالق ، فالخضوع لله وحده يغرس القوة والطاقة في قلب المسلم  ليشكل مع أخوته المسلين مجتمعا لا يكون فيه المسلم عبدا لمسلم آخر أو عبدا لإنسان آخر.

 وعلى هذا الأساس فإن التصوف السلبي الذي يتذرع فيه أصحابه بأنهم يحافظون على لب الدين ما هو إلا سفسطة، فالدين بغير القوة إنما هو فلسفة  ليس إلا ، وقد عبر اقبال عن ذلك بقوله: رأيٌ لا تدعمه القوة  ليس إلا فكر وسحر وطلسم. ( ديوان ماذا نفعل يا أمم الشرق ).

 وقوله :  إذا وجد الكليم موسى بلا عصا  فلا أساس لعمله. (بال جبريل).

  ومهما قيل لتبرير فكرة وحدة الوجود لإدخالها في إطار إسلامي فهو أمر غير مقبول عقديا ، إن التصوف بمعني الدروشة ونسيان النفس وإهمال الذات مرفوض في الإسلام، فالنفس البشرية لها مكانة سامية عند الله، أي نفس بشرية لمسلم أو لغير لمسلم، وقد علمنا ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم  ذلك حين وقف لجنازة يهودي قائلا لأصحابه ممن تعجبوا لوقوفه احتراما : أليست نفسا؟! فالنفس البشرية مكرمة عند بارئها، وهي مملوءة بالأسرار لا يمكن  فهم كنهها وحقيقتها، وهي مجمع للفطرة الإنسانية من أحوال وحالات (إقبال الأسرار والرموز) وهي تظهر جلية بالعمل  فأعمالنا  شاهدة على أن شيئا موجودا بداخلنا هو القائم بهذا العمل، ولا يمكن أن نحس بذاتنا عن طريق الحواس الخمس فقط،  فالإنسان يستطيع أن يشاهد بذاته ما في الكون إلا أنه لا يستطيع أن يشاهد ذاته إلا بجهد جهيد، وحين يعرف ذاته ويعرف نقسه يعرف حينها ربه .

  لفد أدي التصوف السلبي بالمسلمين إلى نفي ذواتهم والهروب من السعي في الحياة الدنيا  أملا في كسب الآخرة، وهو ما يتعارض مع الهدف من خلق الإنسان ليعمر الأرض ، تأثر المسلمون في الهند بجيرانهم فقالوا بأن الذات محض زيف ، بينما يؤكد الإسلام على أهميتها وأنه بالعمل يمكن أن نخلق فيها روح العظمة الأبدية لتصبح خالدة غير فانية. 

لقد ترك الشيخ محي الدين بن عربي أثرا كبيرا على عقول المسلمين وقلوبهم وجعلت شخصيته المهيمنة مسألة وحدة الوجود جزءًا لا ينفصل عن الفكر الإسلامي، بينما مضى جميع شعراء ايران والهند في القرنين الرابع عشر والخامس عشر ينشدون أشعارهم في هذا الموضوع، فاشتملت نظرية وحدة الوجود على عناصر غير إسلامية مثل القول بأن الله والكائنات كلاهما متحد أو أن الله هو عين الكائنات، ورأوا أن كل شيء في الكون هو الله.

  وكان إلباس النظرية العلمية لباس الشعر والأدب من أخطر الأمور نظرا لما للشعر من تأثير على الناس، ورغم محاولات علماء مثل ابن تيمية رفع صوت الاحتجاج ضد التعبيرات الدخيلة على الإسلام التي هدفت إلى شرح وحدة الوجود إلا ان المنطق الجاف– كما  قال إقبال –  لا يمكن أن يقف أمام سحر الشعر وخداعه، ومن هنا حرص إقبال على الاستفادة من موهبته الشعرية في شرح نظريته للمسلمين فصاغ أفكاره في قالب الشعر، بل استدعي أشعار بعض المتصوفة، لم ينكر عليهم فكرهم مثل الحلاج  ومثل الشاعر الهندي غالب ومثل قرة العين البابية فهو يعتبرهم ” من الأرواح الجليلة التي رغبت عن الجنة وفضلت التجول، ويراهم ظاهرة صحّية في الإسلام ، وإقبال يعتبر جلال الدين الرومي مرشده وشيخه ومعلمه. وإقبال يشيد أيضا بشيخ النقشبندية المجدد أحد سرهندي.( محمد إقبال نحو سيرة صوفية بقلم: خالد محمد عبده كانون الثاني  يناير 2015م ).

 وهو يري أن الشعر الصوفي العجمي أو السلبي يظهر من الجمال والرقة والحسن ما يجعله يخدر النفوس، ويذل طبائع الناس بينما الشعر الصوفي الإسلامي أو الإيجابي يظهر القوة في القلوب وهذه القوة تترك أثرا إيجابيا  مردودا على الأدب نفسه، فأدب اليأس لا يخلد بينما الأدب الداعي إلى الآمل والرجاء هو الذي يخلد في حياة الأمة.

إن نظرية تحول الذات الإنسانية إلى مرحلة الفناء في ذات الحق موجودة لدى بعض المتصوفة المسلمين ولدي جميع دراويش الهندوس وحتى لدى فلاسفة الصين والبوذيين اليابانيين، والفرق بين هذا الفناء والفناء الإسلامي إن صح التعبير هو أن الفناء الإسلامي لا يكون في ذات الحق بل هو في أحكام الحق ( أي تطبيق شريعة الله  والخضوع لأحكامه بالكلية)، إن الفناء أو نفي الإنسان لذاته في ضوء الحقيقة الإسلامية هو ترك الرغبات والشهوات والأفكار الشخصية الذاتية والتمسك بأحكام الله، هذا هو معني الفناء في التصوف الإسلامي .

 لقد حاول بعض المتصوفين الفلاسفة الدفاع عن أفكارهم التي تميل إلى إدخال نظرية الحلول ووحدة الوجود إلى الفكر الإسلامي فادعي هؤلاء بأنهم نالوا علم الظاهر،ومن ثم وصلوا إلى مرحلة الإشراق، وهم متمسكون بالكتاب والسنة  إلا أنهم اضافوا على فكرهم فكرا أجنبيا استمدوه من الآداب اليونانية والفارسية والهندية.(أحمد شوقي إبراهيم  أنماط  التصوف  السني والسلفي والفلسفي). 

 من المعروف أن فلسفة أوربا في مجملها تنزع إلى فكرة وحدة الوجود بينما تعاليم الإسلام واضحة تماما فهناك ذات واحدة تستحق العبادة وكل ما نراه ” مخلوق”، ومن هنا كان لا بد من إخراج فكرة الرهبانية من أذهان المسلمين فهي تحمل أخطارا على الشريعة الإسلامية حتى لا يستكين المسلمون للذل والخضوع وحتى لا تدخل الآمة الإسلامية في دهاليز الفناء ، فالتصوف السلبي هذا يقود الأمة إلى رهبانية ويجعل من الحياة حلما ويعلم الهروب من حقائق الحياة .

   التصوف الإيجابي سواء أطلق عليه البعص التصوف السني أو التصوف السلفي لا يرفض الحديث عن التجاب الروحية للإنسان المؤمن فأولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، والتجربة الصوفية أو الرحلة الروحية هي بداتها ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح الحكمة أو علم الحكم  الذي يمهد السبيل لمن يطلع عليه إلى معرفة آفاق نقسه  ومعرفة الحق لذاته  ليطاع ومعرفة الخير من أجل العمل به .

 إلا أن بعض المتصوفة قالوا بوجود حكمة منطوقة قصد بها علوم الشريعة والطريقة، وحكمة مسكوت عنها وهي أسرار الحقيقة لا يطلع عليها إلا  من يدرك كنهها  ولا يسمح لعموم الناس بالاطلاع عليها لأنها تضرهم !

  إلا أن السعي في طلب الحكمة مستمر لا يتوقف لأنه السبيل إلى امتلاك العلم  وامتلاك ناصية الحياة ، وعلم الأنفس والآفاق هبة من الله عز وجل للإنسان الساعي إليها  فالله يؤتى الحكمة من يشاء من عباده . والتوقف عن السعي لآي سبب يعني  الدخول في دهاليز الرهبنة والدخول في مرحلة الجمود الفكري، والتوجه إلى الخانقاوات والزوايا والتكايا وهو ما لا يتوافق مع تعاليم الإسلام التي تأمر المسلم بامتلاك اسباب تقوية الذات بتحمل المسئوليات الفردية ليصبح إنسانا كاملا بحق يمكنه أن يتحمل بالتالي المسئوليات الإجتماعية لوطنه ثم لأمته التي يرى نفسه جزءا مكونا لآجزائها.

   البوذية اليابانية – فكرة الحلول وحدة الوجود

    دخلت البوذية إلى اليابان عن طريق كوريا (552م) ثم أسهمت الصين فيما بعد في تثقيف الرهبان اليابانيين وتدريسهم البوذية والكونفوشية (623م ) واتبعت اليابان عقديا ستة مذاهب أو مدارس فكرية بوذية وصلتها من الصين، وتأسست معابد محلية جعلت من البوذية ديانة الدولة، ومن الجدير بالذكر أن تعاليم بعض المدارس البوذية الهندية وصلت اليابان أيضا عن طريق الصين، وكانت تلك المدارس تقدم فلسفة للحياة بشكل أو بآخر إلا أنها جميعها تقوم على فكرة ” الكل موجود” والكل الموجود منشطر إلى عناصر منفصلة في أجزاء متشكلة مكونة وحدة أساسية، ووحدة العناصر لا تشكل حقيقة جديدة بل تشكل وحدة مؤقتة بصورة او بأخرى، ومن النظرية السابقة ظهرت نظرية الذرة ونظرية الزمان والمكان، فرأت البوذية أن العناصر يمكن أن تكون حقيقة في كل فترة زمنية، وهذه الفترات ليست بالضرورة ممتدة ومتداخلة. (بوذية مدرسة كوشو)

 وترى البوذية أيضا أن الأشياء موجودة أمامنا من خلال انعكاس صورتها في عقولنا،  ويشكل هذا ” ذخيرة التخيل”  وهي التي تشكل العالم الظاهرى عن طريق الخيال وهذا ليس هو التخيل المجرد الذي ينبثق من التنوير البوذي الذي يعني أنه لا تمييز بين الموضوع والمحمول، وهذا يدل على وجود الوحدة المطلقة، وهذه هي “النيرفانا” حيث يوجد العالم الظاهري من خلال التخيل المجرد.

 مع حماية الدولة للدين ابتداء من عام 807م  تأسست طائفة التنداي التي وردت من الصين واحتضن البلاط الطائفة الجديدة، وظهرت تعاليم بوذية أطلق عليها  “بوذية الصفوة”  أو “بوذية الأسرار” أو البوذية بتعاليمها الخفية القاصرة على فئة قليلة، وتمثل العقيدة الخفية التي لا يطلع عليها عامة الناس، أسسسها الراهب” كوكاي ” وقد ركزت على الشعائر الدينية من جهة وعلى التعاليم الفقهية وعلى الفن من جهة أخرى ، وأهم من كل هذا كان ضم عقيدة الشنتو الوطنية إلى العقيدة البوذية الوافدة فيما عرف باسم  “ريوبو شينتو” التي قدمتها طائفة  الشينغون البوذية بينما قدمتها التنداي باسم ” جيتسو شينتو” (سمير عبد الحميد: الإسلام والأديان في اليابان، مكتبة الملك عبد العزيز الرياض 2001م) وكان الاتجاه إلى الخصوصية أو قصور مراسم معينة على فئة معينة في التنداي يختلف بالضرورة عن نموذج الشينغون التقليدي .

   مع انتشارة فكرة بوذية الصفوة أو بوذية التعاليم الخفية  ظهر صراع بين رجال الدين مما أوجد جماعة لها مهمة قتالية تذكرنا بجماعة الحشاشين المعروفة التي انفصلت عن الفاطميين أواخر القرن 11م لنشر المذهب الإسماعيلي، ووظفت بتعاليمها السرية جماعة الفدائيين،  ومنذ ذلك التاريخ  891م شاع في اليابان مصطلح ” إكوزو ” بمعنى  الرهبان الأشرار الذين كونوا فيما بعد  مليشيات مسلحة، وفي سنة 1100م كانت جميع أديرة التنداي قد أقامت لنفسها قوة حربية، وحذا حذوها بعض مزارات الشنتو، وظهرت صراعات بسبب اختلاف العقائد وأيضا الحصول على النفوذ والسلطة، وهو ما تحول بالتالي إلى نوع من الطمع الدنيوي إلا أن طائفة الشينغون التي أسسها الراهب كوكاي  ظلت بمنأى عن تلك الصراعات. وقد صاغ نظامها من خلال دراسته واستيعابه لطقوس سرية لها أصول هندية تعلمها في الصين، يتم بموجبها نقل الشعائر والطقوس السرية عن طريق المعلمين الذين ينشرون العقيدة ويتم ذلك بطريقة سرية ضمن تقليد معين.

  وحاول الراهب كوكاي إقناع البلاط بإجراء مراسم دينية لفئة خاصة من أجل حماية الوطن. وقام بإجراء مراسم تعميد لآكثر من 145 شخصا  من بينهم الراهب سايتشو مؤسس طائفة التنداي .

  ومع تغلغل الشئون السياسية في شئون الدين طلب كوكاي قطعة أرض لاقامة معبد حتى يفصل بين نشاط الدين وسياسة البلاط ، واختار لمعبده قمة جبل كويا (816م ) وكان هدفه إيجاد فرصة لممارسة التأمل الفكري أو بوذية الزن، واقتصر معبد توؤجي في كيوتو على كونه مركزا رسميا للعبادة القاصرة على الفئات الخاصة أي على الصفوة أي بوذية التعاليم الخفية، وحين مات سنة 835م عن 61 سنة ظن اتباعه أنه لم يمت بل راح في تأمل خاص، وهو موجود في “سماء الرضا”  مثله مثل الإمام  محمد بن حسن بن على المعدي الإمام الثاني عشرالغائب الذي سيأتي ليملأ الأرض قسطا وعدلا طبقا للعقيدة الشيعية.

 وسوف يعود  كيوكاي إلى الأرض مرة أخرىمع وصول بوذا المستقبل  ( ماتريا)  وسيظل جسده الموجود على جبل كويا كما هو في قبره لا تصيبه عفونة ويحتفل الآن بمرور 1200 سنة على تأسيس كوكاي لمقره المقدس على جبل كويا جنوب شرق كيوتو على بعد نحو 250 كيلو مترا تقريبا.

  وتفترض تعاليم الشينغون نوعًا من وحدة الوجود حيث يكون الكون كله متجليا ومنبثقا من”إله الشمس المركزي”  فايروتشانا الذي يطلق عليه باليابانبة “داي إتشي “، وتكمن بوذية الأسرار أو بوذية الفئة الخاصة في مفاهيمها الجمالية  أذ يعتقد أن الفن مثل الموسيقى والأدب والرسم والنحت ومنجزات الحضارة  هو فقط الذي يستطيع أن يكشف عن معنى السوترا، والإبداع في كل هذا يكتسب عن طريق السيطرة على الأسرار الموحية من خلال الدين، وكل ما هو جميل إنما هو شريك لبوذا أو له صفات بوذا ، وهنا نشير إلى ما دخل التصوف الإسلامي من فنون تتجلي في الموسيقى والإنشاد بل والرقص الصوفي وحلقات الذكر، التي انتشرت بين المسلمين في مناطق كثيرة من العالم الإسلامي بل والعالم الغربي أيضا.

   يهدف التأمل في الأشياء المقدسة إلى استلهام ما فيها من قوي، ونقل صفات المتأمل فيه إلى المتأمل ذاته وبينما يتطور التأمل في الإله المركزي فايروتشا فإن المتأمل  ينال التنوير ويكتسب الإدراك ويستمر هذا حتى يصل إلى مرحلة التأمل في الإله الكوني فيصبح متحدا مع الإله الأكبر .

  ومثلما يمتلك الصوفية المسلمون عبارات خاصة ورموزا خاصة تساعدهم على السمو والإدراك الصوفي  فإن تقديم المفاهيم السرية في البوذية يكون عن طريق التأمل ومن أجل مساعدة المتأمل تستخدم صيغة سحرية ( دهارتي) تتكون عادة من مقاطع لها طبيعة سحرية خالصة  مثل مقاطع الشعر الصوفي أو نداءات الصوفية،  ذات نهايات فجائية  يهدف تكرارها إلى إيجاد ذبذبات داخل الجسم البشري، وهو ما يمكن أن نجد له شبيها في تكرار عبارات أو نداءات صوفية في حلقات الذكر  كتكرار عبارة : “الله – هو  الله -هو” أو   “الله- حي  الله- حي”

  ورغم اختفاء بوذية الصفوة بانتهاء الطبقة الارستقراطية في عصر كاماكورا ( عام 1185م )  تحولت البوذية إلى دين شعبي  وظهرت مدارس تؤكد على أن خلاص الإنسان يعتمد على قوة الفرد ذاته ثم على قوة الآخرين، ويقصد قوة أميدا ومساعدته للفرد ذاته ، وتطورت المدارس البوذية لتؤكد على دور الفرد في المجتمع، وارتباط إيمان الفرد ببوذا بآدائه لواجبه في المجتمع مع التركيز على الحق العام او الأخلاق.

   ومع هذا استمرت بوذية الزن تنتشر في اليابان وتؤثر على المجتمع الياباني والثقافة اليابانية وقد شمل ذلك جميع جوانب الحياة الأدبية والفنية والمعمارية وغيرها، وقد صارت الزن عقيدة للدولة في القرن 16 م،  وحين قررت اليابان اختيار العزلة الطوعية  لعبت البوذية دورا مهما في حياة المجتمع والحكومة، وارتبطت المؤسسات البوذية بالسلطة الحاكمة إلى أن تم القضاء على سيطرة البوذية وتم التخلي عن النصوص المقدسة لأسباب سياسية لا مكان لبيانها هنا، إلا أنه في ظل الدستور الجديد الذي  صدر 1889م  تم الاعتراف بالبوذية التي كانت مضطرة الى التوافق مع التغير الواسع الذي كان يسود عموم اليابان.

 خلاصـــــة

من الملاحظ أن التصوف الذي انتشر في العالم العربي والإسلامي مر بمراحل صعود وهبوط أو انتشار وانحسار، انتسبت إليه أحيانا طوائف فرّغته من محتواه وأخرجته عن هدفه وعن مغزاه، كما أن أهل الطريقة حاولوا ألا يكشفوا أسرارهم لمن لا يفهم كنه معانيها، ومن لا يدرك مغزى اصطلاحاتها ورموزها وإشاراتها  حتى قال أحدهم: “نحن قوم يحرم النظر في كتبنا على من لم يكن من أهل طريقنا”.

  ومع هذا انتشر التصوف بين الناس وساعد على ذلك إقامة موالد أولياء الله الصالحين وحلقات الذكر ورعاية مشيخة الطرق الصوفية لطوائفها وتجميع المنتمين لها في مناسبات معينة، فضلا عن الظروف الاجتماعية والسياسية ومحاولة السلطات أحيانا الاستفادة من الجماعات الصوفية لتحقيق  مكاسب خاصة أو تحقيق توازن سياسي في ظروف تستلزم ذلك، وكان هذا تقريبا هو الحال في شبه القارة الهندية مع اختلاف الظروف بالطبع.

  في اليابان – كما أشرنا – لعبت طوائف البوذية دورا في المجتمع وفي توجيه السلطة أحيانا ، وكان لبوذية الزن دور مهم لا يزال حتى اليوم ينال اهتمام اليابانيين وغيرهم، فالتجربة الصوفية للزن التي يطلق عليها  “ساتوري” هي فن الحياة بل الحياة نفسها وهي رؤيا طبيعة الذات وبها – حسب قولهم – نكتشف الصلة السرية التي تربطنا بكلية الكون، وتتطلب هذه الفكرة دراسة اليقظة الداخلية التي تعلمها بوذية الزن، وقد تشكلت طوائف زن عديدة بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر، كما اختفي العديد منها إلا أن النصف الثاني من القرن العشرين شهد نهضة غير متوقعة لفكر الزن ليس فقط في الشرق لكن في الغرب أيضا وبخاصة لدي من يعتقدون بأن  بوذية الزن هي عقيدة ” النظر الصحيج ” أو رؤية ” طبيعة الذات” وطبيعة كل منا هي “طبيعة ذات” الكون، والحاضر  ليس إلا ممرا واقعا على مفترق الماضي والمستقبل.

  ومن الملاحظ أن مدارس بوذية الزن الخفية أو  بوذية الصفوة  لا تزال موجودة حتى اليوم، ويطلق عليها لدى الباحثين الغربيين اسم ” Esoteric School of Buddhist faith ” أي مدرسة العقيدة البوذية الخفية، ويرى هؤلاء أن بقاء هذا النمط من البوذية اليابانية كان للدلالة على تفردها، أو هو نوع من الثقة بين المنتمين إليها، وهذا الاتجاه يمكن ملاحظته في عدد من الطوائف البوذية اليابانية مثل الشينغون والتينداي، كما أن طائفة النيتشرين تحتفظ بكثير من التعاليم السرية المتمثلة في بوذية الزن. فقد فضلت طائفة النيتشرين الإبقاء على التعاليم الدقيقة العميقة طي الكتمان، ومن المعروف أن الزن قادرة على ذلك من خلال التأمل الذي يعتمد على ذاتية كل إنسان يتدرب على ذلك.

  وهنا نشير إلى أن الهدف لم يكن نشر المذهب، وتوسيع دائرة المنتمين إليه، بقدر ما كان الحرص على الحفاظ على عدد منتظم من أتباعها من خلال ممارسة الشعائر التي تبقى خفية قاصرة على مجموعة مختارة من الأتباع، وكان هذا يعد في حد ذاته تمكينا أو تقوية للطائفة ذاتها.

  واستقراء التاريخ الديني لليابان يوضح أن “السرية” لها حدود ففي عصر إيدو ( 1603م – 1868م ). تم الكشف عن التعاليم السرية مع انتشار البوذية فلم تعد التعاليم ( الخفية) حكرا على كهنة البوذية ، ومع هذا يمكن الإطلاع على أنشطة لأصحاب الطوائف البوذية التي  فضلت الحفاظ على السرية رغم ادعاء أصحابها بأنهم يدعون إلى تعاليم واحدة ثابتة، فالتاريخ  يشهد على عكس ذاك، فرهبان جبل هيئي كان لهم دور قتالي، كما قدم رهبان بوذية الزن دعما قتاليا للجيش في الحرب العالمية الثانية، وربما يرجع السبب إلى انشقاقات داخلية أو تحولات إيدلوجية بين الطوائف المخنلفة التي يستلزم استكشاف تعاليمها الخفية دراسة أعمق، ويمكن أن نجد نماذج لما كان يدور بين هذه الطوائف لدي جماعات الصوفية المسلمين وتنافسهم لكسب أتباع، وأيضا في ممارسات جماعة التشفير اليهودية  أو من يتبعون  الغنوصية أو أتباع القابلاه.

   من المهم الإشارة إلى ان الجماعة ” الصوفية” البوذية في اليابان ما زالت تعتمد ضرورة القسم بعدم الإباحة بأسرار العقيدة شرطا للانتماء الى الجماعة، وتهتم كثيرا بإيجاد توازن بين الممارسات الخفية والممارسات الظاهرة من أجل الحفاظ على شخصية متفردة لتلك الجماعات الدينية” السرية” التي تتبع مبدأ ” المؤاخاة” بين المنتمين إليها  أو المنتمين إلى المبدأ نفسه تماما كما كان يحدث بين أتباع طوائف التصوف الإسلامي من اقامة رابطة الأخوة التي تستلزم واجبات اجتماعية لإدامة الصلة بين أفرادها من جهة  والمجتمع من جهة أخرى. إلا أن الأساس  في البوذية يقوم على الإغراق في الاهتمام بالذات أو الاهتمام بالنفس بدلا من الاهتمام بالمشاكل الاجتماعية أو حتى إثارة شغب اجتماعي.

    هناك ضرورة لفهم المصطلحات الدينية والتسميات الخاصة بها  لأنها تمثل علامة فارقة في دراسة الطوائف أو الطرق الصوفية بما تخفيه من أسرار لا تباح لعموم الناس سواء كان ذلك في العالم العربي الإسلامي أو في اليابان، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف تتعامل هذه الطوائف أو الطرق مع  المجتمع الجديد وكيف تحرص بعض الحكومات على التعامل معها لأسباب لا مجال لذكرها هنا.

 الكاتب :  أ. د سمير عبد الحميد إبراهيم نوح ، أستاذ زائر بكلية الإلهيات ونائب مدير مركز دراسات الأديان التوحيدية  جامعة دوشيشا  كيوتو  اليابان

  http://homepage2.nifty.com/samirnouh/

 http://samirnouh.islam.ne.jp/

Prof.Dr.Samir Abdel Hamid Nouh,
Visiting Professor,
Faculty of Theology, Doshisha University,
ImadegawaKarasuma,
Kamigyo-ku,
Kyoto 602-8580, JAPAN
TEL/FAX : 0081 75 251 3474 

مقالات ذات صله

1 تعليقات

  1. علاء ربيع

    التحية لدكتور نوح الكريم، وألتمس منه سعة الصدر أن أعلق بشكل مجرد بعيدًا عن كريم شخصه الموقر.

    مبدئيًا هناك علامة استغهام كبيرة هنا؛ فافتراض وجود تشابه بين المنظومات العقائدية اليابانية والتصوف الإسلامي سواءً كان في الهند أو في بلاد العرب هو افتراض بالغ الشجاعة يكاد يقارب الاستهواء.

    ثاني الأمور أن المقال لا يبحث عن عمق أو شفاء الغليل المعرفي للقارئ بقدر ما هو استعراض تاريخي سوسيوبوليتيكي للتصوف في الهند والشرق الأوسط وأصناف معينة من البوذية في اليابان من جهة أخرى، وهو في ذلك أيضًا شديد الاختزال وبعيد عن التوضيح، بالذات فيما يتعلق باليابان. ندرة مصادر المقال عائدة إلى الحاجة لا محض المصادفة.

    وثالثًا فيما يتعلق بمحور الفرضية نفسه؛ فالباحث يقيم مقارنة بين عنصرين في الحضارتين الإسلامية واليابانية على أربع نقاط:
    1. أن كلاً من التصوف وتيارات البوذية المعروضة في المقال إيسوتيري الطابع
    2. وأن كليهما منظومات أخوية fraternities
    3. وأن كليهما يملك نكهتين فيما يخص الانشغال بالمجتمع: اعتزالية واندماجية
    4. وأن تيارات معينة في كليهما تنادي بوحدة الوجود

    أما فيما يخص 1 و2، فجميع العقائد القديمة قائم على هذين المبدئين (خصوصية التنظيم ومكانة مقصورة على الصفوة ومصطلحات وأدعية خاصة + طبيعة أخوية)، بما في ذلك المثرائية والماسونية والمسيحية والإسلام.

    وفيما يخص 3، فكل حراك إنساني في التاريخ المعروف اشتمل على النكهتين، بما في ذلك الـnerds الذين اندمجوا أكثر في المجتمع فأصبحوا geeks.

    بيد أن النقطة التي يمكن أن تكون محل بحث هي 4؛ فوحدة الوحود التي يدعو إليها التصوف تختلف عن وحدة الوجود في العقائد الشرقية، وبينما تكرز العقائد الشرقية في العموم بعالم بدون إله شخصي تكون الطبيعة فيه هي الكل، يسير التصوف على الأعراف بين الله الشخصي المستمد من الإسلام والله الكوني المستمد من الفلسفة الهيللينستية، بشكل أساسي لأن فكرة إقامة علاقة مع الإله الشخصي هي المحور الذي يدور في فلكه التصوف، ولو أنه حاد عنها قيد أنملة فسيخرج عن الملة. المقال لا يحاول التعرض لهذا التوجه، ويكتفي بمحاولة إلصاق هذا بذاك بناء على شواهد ظرفية وطرائف تاريخية anecdotes، وكل ذلك غير حاكم.

    من الموحش أن تنتهي قراءة المرء مقالاً بهذا الحجم والجهد بانطباع أنها ليست بالمادة التي يشعر المرء بالإشباع وعائد استثمار الوقت بعد قراءتها.

    الرد

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!