صورة الصّوفيّ لدى علماء الرّسوم

صورة الصّوفيّ لدى علماء الرّسوم

«صورة الصّوفيّ لدى علماء الرّسوم»

في نظر ابن عربي

  بقلم: د.عبد السّلام الحمدي

عبّر عبد الوهّاب الشّعراني (ت 973 هـ) عن وجهة نظر صوفيّة حيث نبّه على أنّ الخلق قسمان: أحدهما أهل نظر واستدلال، والآخر أهل كشف وعيان(1). ومحاولتُه التّوفيق بين الفريقين(2) لا تحجب تنافرَهما إلى حدّ هدر الدّماء أحيانا، ولا يستر ذلك أيضا حرصُه على أن يبرز إذعان أئمّة الفقه لرجال التّصوّف(3)، فقد شهدت علاقة المتفقّهة بالمتصوّفة أطوارا من المدّ والجزر(4)، وكان من شأنهم التّصادم في بعض الفترات، إذ لئن لم تتخالف الطّائفتان قبل القرن الثّالث(5)، فقد برزت على ألسنة حفظة الشّريعة، خلال ذلك القرن، أولى بوادر الاحتراز على الظّاهرة الصّوفيّة(6)، وسرعان ما آل الأمر إلى إدانة(7) بلغت أوجها بمحاكمة الحسين بن منصور الحلاّج وإعدامه سنة 309 هـ. ورغم ما بذل بعضهم من جهد في التّقريب بين الاتّجاهين، ولاسيّما الغزالي (ت 505 ﻫـ)(8)، لم يسلم المتصوّفة حتّى عصر الشّعراني من معارضة أهل النّظر عامّة والحنابلة خاصّة(9)، وذلك بدفع من ذيوع تصوّف الوحدة على يدي الشّيخ الأكبر محيي الدّين بن عربي (ت 638 ﻫـ)، وهو ما جعل القيّمين على الشّريعة يسعون لكبح جماح المشطّين من الطّرفين(10).

ولم يكن المتصوّفة في منأى عن تراشق بالألسنة ظلّ يسم مختلف الصّراعات النّاشبة بين الفرق الإسلاميّة المتعدّدة، إذ ظهرت في الخطاب الصّوفيّ مصطلحات وتسميات تستهدف شرائح من أهل النّظر، ولاسيّما الفقهاء الّذين كانوا في طليعة المحرّضين على المنفلتين من التّعاليم الرّسميّة. ومن تلك التّسميات صفة “علماء الرّسوم”.

*****

لا يسعنا القطع بأنّ ابن عربي هو مطلق هذه التّسمية، لكن يمكن القول بأنّه كان مروّجها على نطاق واسع، فليس في ما طالعنا من مؤلّفات المتصوّفة كتاب تواتر فيه استعمالها على قدر تواتره بين دفّتيْ الأثر الأكبريّ الضّخم الّذي اختار مؤلّفه عنونته بــ”الفتوحات المكّيّة”(11).

  • دلالات التّسمية:

الشّائع أنّ المعنيّين بهذه التّسمية طائفتان: إحداهما القرّاء أي «أهل التّنسّك والتّعبّد، سواء أكانوا يقرأون القرآن أم لا يقرأون، وهمّتهم مقصورة علـى ظاهر العبادة دون أرواح المعارف وأعمال القلوب»، فهم مع رسوم العبادة. والثّانية الفقهاء أي «المشتغلون بالفتيا وعلوم الشّريعة» ، فهؤلاء مع رسوم العلم(12). لكنّ للشّيخ الأكبر قولا قد يدلّ على أنّ المراد بإطلاقها يشمل المتكلّمين أيضا، هو هذه العبارة الواردة فـي كتابه المذكور: «(…) ولهذا لم يرد ما يقـوله علماء الرّسوم من المتكلّمين (…)»(13). بل ربّما يندرج تحتها حتّى علماء الحديث، فقد ورد في أحد مؤلّفات ابن القيّم الجوزيّة (ت 751 ﻫـ) أنّ المتصوّفة «يسمّون الفقهاء وأهل الأثر ونحوهم علماء الرّسوم»(14). فإذا ثبت كونها جامعةً لهذه الأصناف الأربعة من العلماء، جاز الجزم بأنّ مفهومها يستغرق أيّ عالم من ذوي العلوم الدّينيّة الإسلاميّة لم يدرك أبعاد الإسلام الباطنيّة(15).

يشوب التّسميةَ ضربٌ من النّبز وقدرٌ من الازدراء، ينكشفان في ضوء قول الشّاعر: «أرى ودّكم رسما وودّي حقيقة»، حيث يتّضح أنّ لفظة “الرّسم” قد تُطلق على ما يقابل الحقيقة(16)، ولا عجب، فإنّ أرباب التّصوّف يعدّون أنفسهم أصحاب حقائق ترد عليهم من طريق الوهب الإلهيّ إلهاما وكشفا، بينما يعتبرون غيرهم أهل ظاهر، وهذا الاعتبار ذو خلفيّة معرفيّة وأخلاقيّة على ما يبدو من بعض ما قال ابن عربي في شأن من يسمّيهم “علماء الرّسوم”، إذ هم في نظره لا يدركون الحكمة الباطنة، ولا يتعدّى حظّهم من العلم الحكمةَ الظّاهرة(17)، فهذا وجه. والوجه الثّاني أنّهم يُظهرون خلاف ما يبطنون(18).

وكان الغزالي قد عبّر، في كتابه “إحياء علوم الدّين”، عن هذين الاعتباريْن وذاك المعنى بمشتقّات المادّة (ر س م) حتّى ظنّ بعض الدّارسين أنّ ابن عربي أخذ التّسمية عنه(19). فأمّا الاعتباران فمن عباراته المسفرة عنهما قوله متحدّثا عمّن لا يؤثر أخاه على نفسه في ماله: «فاعلم أنّ عقد الأخوّة لم ينعقد بعد في الباطن، وإنّما الجاري بينكما مخالطة رسميّة»(20). وأمّا المعنى فمن أقواله الموحية به هذه الجملة: «كيف اندرس من الدّين رسمه كما اندرس حقيقته وعلمه»(21)، وتذمّرُه من اندراس مبدأ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر قائلا : «انمحق في الكلّيّة حقيقته ورسمه»(22).

وكثر ما وصف الرّجل صنفا من العلماء بمشتقّات من تلك المادّة عينها على نحو لا يخرج عن ذلك المعنى وذينك الاعتبارين، فهو القائل متحدّثا عن فتنة الأموال: «وتميّز خيرها من شرّها من المعوصات الّتي لا يقوى عليها إلاّ ذوو البصائر في الدّين من العلماء الرّاسخين دون المترسّمين المغترّين»(23)، والقائل متعجّبا: «ما أقلّ أهل العلم والحكمة ، وما أكثر المتسمّين باسمهم والمترسّمين برسومهم»(24)، والقائل في معرض كلامه عن الخوف موضّحا مراده بلفظ “العلماء”: «لست أعني بالعلماء المترسّمين برسوم العلماء، والمتسمّين بأسمائهم، فإنّهم أبعد النّاس عن الخوف، بل أعني العلماء باللّه وبأيّامه وأفعاله»(25).

ولا تخلو الكتابات الصّوفيّة في زمن الغزالي من إشارات تصبّ في هذا المجرى، فهذا عبد اللّه الأنصاريّ الهرويّ (ت 481 ﻫـ) يصف في كتابه “منازل السّائرين” طبقة ممّن نعتهم بأصحاب السّرّ، قائلا: «لم يُوقَف لهم على رسم، ولم يُنسبوا إلى اسم، ولم تشر إليهم الأصابع، أولئك ذخائر اللّه حيث كانوا»(26). وخلال تعليقه على هذا الوصف ضمن شرْحه للكتاب المذكور، قال ابن القيّم في بيان مقصد الهرويّ: «يريد أنّهم قد انمحت رسومهم فلم يبق منها ما يقف عليه واقف»(27). ولم يكتف مؤلّف كتاب المدارج بهذا التّفسير، بل تكلّف شرح كلمة “رسم”، وخلاصة كلامه في ذلك أنّ الصّوفيّة يستعملونها على وجهين، ففيهم من يقصد بها ما سوى اللّه، ومنهم من يريد بها الظّواهر والعلامات(28). ومع أنّه أقرّ بكون ثاني الوجهين «أقرب إلى وضع اللّغة»(29)، مال الرّجل إلى أخْذ عبارة عبد اللّه الهرويّ على محمل المعنى الأوّل، قائلا: «أحسن ما حمل عليه قول الشّيخ “ولم يقفوا مع رسم”(30) أنّهم لم ينقطعوا بشيء سوى اللّه عنه، فكلّ ما قطع عن اللّه لم يقفوا معه، وما أوصلهم إلى اللّه لم يفارقوه، وكان وقوفهم معه»(31).

  • موقف ابن القيّم من التّسمية وعلاقة العلماء بالمتصوّفة:

لا عجب في شأن ابن القيّم مع عبارة صاحب كتاب المنازل، فإنّه كان على دراية بأنّ مغزى المتصوّفة من إطلاق التّسمية “علماء الرّسوم” مبنيّ على معنى الظّواهر والعلامات، ناهيك أنّه ذكرها أين تكلّم عن هذا المعنى، معلّلا اتّخاذها اسما لعلماء الدّين من أهل النّظر بكونهم لم يصلوا – في رأي المتصوّفة – إلى الحقائق، وإنّما اشتغلوا عن معرفتها بالظّواهر والأدلّة(32). ومن الطّبيعيّ أن يكون لتلك التّسمية وقع سيّئ في نفسه ولدى أهل صنعته، تجلّى بوضوح في هجمته العنيفة على مطلقيها، إذ يقول:

«للملحد ههنا مجال، إذ عنده أنّ العبادات والأوامر والأوراد كلّها رسوم، وأنّ العباد وقفوا على الرّسوم، ووقفوا هم على الحقائق، ولعمر اللّه إنّها لرسوم إلهيّة أتت على أيدي رسله، ورسم لهم ألاّ يتعدّوها ولا يقصروا عنها، فالرّسل قعدوا على هذه الرّسوم، يدعون الخلق إليها، ويمنعونهم من تجاوزها ليصلوا إلى حقائقها ومقاصدها، فعطّلت الملاحدة تلك الرّسوم، وقالوا إنّما المراد الحقائق، ففاتتهم الرّسوم والحقائق معا، ووصلوا ولكن إلى الحقائق الإلحاديّة الكفريّة، وغرّهم في دينهم ما كانوا يفترون، وزيّن لهم الشّيطان ما كانوا يعملون»(33).

يُظهر ما فرط بيانه من أمر ابن القيّم ما تنطوي عليه علاقة العلماء بالمتصوّفة من مفارقات، فعلى قدر ما ينجلي من تشدّده إزاء أصحاب التّسمية إلى حدّ التّكفير، ينكشف حسن ظنّه بالصّوفيّ عبد اللّه الهرويّ، ويبلغ به ذلك إلى أن يدافع عنه ويبرّئه من تهمة رماه بها ابن تيميّة (ت 728 ﻫ)(34)، وثلاثتهم من أعلام الحنابلة، فكما جرّت النّزعة العقائديّة الحنبليّة أحدَهم إلـى الطّعن على المتصوّف منهم، دفعت العصبيّة الحنبليّة – على الأرجح – ثالثَهم إلى نصرة المطعون فيه نفسه.

هكذا حال من يجمعهم مذهب فقهيّ أو اعتقاديّ واحد، لا يختلف عن شأن من فرّقتهم المذاهب من العلماء حيال الحلاّج، مثلا، فقد واجهه الأحناف والمالكيّون بموقف سلبيّ يوافق غرض السّلطة السّياسيّة، بينما كان لمقلّدي الشّافعيّ وأتباع ابن حنبل موقف إيجابيّ تجاهه(35). ويُذكر أنّ الحنابلة كانوا على أيّامه يناصبون الخلافة العداء(36)، ما يفيد أنّ الوضع الاجتماعيّ والإطار السّياسيّ عنصران من محدّدات علاقة العلماء بأرباب التّصوّف. لكن لا يعني ذلك ضعفَ العامل الدّينيّ العقائديّ على هذا الصّعيد، فلا شكّ في أنّه ظلّ يغذّي بقوّةٍ تنافرَ الفريقين، ولا تخفى فعاليّته في ما سلف إيراده من كلام ابن القيّم حول موقف المتصوّفة من “الرّسوم”، إذ يظهر هناك أنّ من دواعي سخط الرّجل كونه رأى في ما ذهبوا إليه انتهاكا للشّريعة، على اعتبار ما يصفونه بــ”الرّسوم” أوامرَ إلهيّةً – من وجهة نظره – يجب الانقياد لها.

إنّ نعت المتصوّفة لمخالفيهم من الفقهاء والقرّاء والمحدّثين والمتكلّمين بــ”علماء الرّسوم” يندرج في معركة دعائيّة طويلة، يسعى كلّ طرف من طرفيها لتقديم الذّات في أبهى صورة متاحة وتصوير الآخر على أسوأ وجه ممكن، وقد لا يخرج عن هذا الإطار رميُ ابن القيّم منتقدي “الرّسوم” من أهل التّصوّف بالكفر والإلحاد. وبفعل ما يتميّز به من دويّ ذي تردّد عال، ظلّ هذا الضّرب من التّراشق اللّفظيّ يوسّع الهوّة بين هؤلاء وأولئك على قدر ما يعكس من صور نمطيّة سلبيّة.

ليس من أولويّات هذا البحث الاهتمام بتفاصيل ما يتمثّله المخيال الجمعيّ لكلّ فريق من الفريقين في نظرته إلى الفريق الآخر، وإن كنّا تعرّضنا لشيء من ذلك خلال الأسطر السّابقة، وإنّما يهمّنا هنا الخوض في صورة الصّوفيّ كما تتراءى للمتصوّف عينه على ضوء ما يسمع من “علماء الرّسوم” في وصفه. وليكن كتاب “الفتوحات المكّيّة” عمدتنا في ذلك، لكونه فاق سائر المؤلّفات الصّوفيّة من حيث تواتر الإشارة إلى خصوم التّصوّف بالتّسمية الّتي فرغنا من تحليل دلالاتها وأبعادها، ولكن مع الالتفات إلى غيره من آثار صاحبه كلّما اقتضى الأمر.

*****

لم يسلم ابن عربي في حياته من سهام الفقهاء، فإبّان تأليفه كتاب “الفتوحات”(37) سعى جماعة منهم بمصر في إراقة دمه، ولولا نجدة بعض الشّيوخ إيّاه لقُتل(38). إذن، ربّما كان تعرّضهم للرّجل نفسه بالأذى من دواعي تطرّقه غير مرّة، خلال مؤلَّفه ذاك، إلى إثارة ما يراه “علماء الرّسوم” في أهل التّصوّف، والحاصل من جملة كلامه في هذا الأمر أنّ صورة الصّوفيّ لدى ذلك الصّنف من العلماء تشوبها شائبتان، إحداهما الجهل.

– الجهل:

ثِنْيَ الباب الرّابع والخمسين من “الفتوحات”(39)، توسّع ابن عربي في الحديث عن “علماء الرّسوم”، ولا غرو أن يقترن ذلك بخوضه في ما اصطلح الصّوفيّة على تسميته بــ”الإشارات”، فما اتّخذ أولاء هذا المصطلح إلاّ تمويها على أولئك، إذ ليس المراد به في الخطاب الصّوفيّ – على ما يبيّن الشّيخ الأكبر نفسه – سوى تفسير القرآن(40)، وإنّما عدل أهل التّصوّف عن إطلاق لفظ “التّفسير” على ما يذهبون إليه في شرح معاني الآيات القرآنيّة، حتّى يسلموا من سطوة المترسّمين برسوم علم التّفسير وعلم الفقه، مادامت الدّولةُ لهؤلاء في الحياة الدّنيا والتّحكّمُ في الخلق بما يفتون(41).

لا يعترض “علماء الرّسوم” – فيما يرى ابن عربي – على ما يُسمّى إشارات، بل يأنسون به ويحظى بقبولهم إلى أن تتّضح لهم حقيقته يوم القيامة(42). أمّا العبارة عنه باسم “التّفسير” فمبعث إنكار من قِبلهم على أهله، لأنّه «يغمض عن إدراكهم»(43)، إذ تعوّدوا أخذ العلم عمّن هم من جنسهم، ولم ينهلوا من المشرب الصّوفيّ الّذي لا اعتبار له عند المترسّمين برسوم العلماء، وإنّما المعتبَر لدنهم العلم الحاصل «بالقلم المعتاد في العرف»(44).

ذكر صاحب الفتوحات تباين الطّائفتين في مأخذ العلم ضمن سياق انتهى به إلى القول: «إنّ من شأن عالم الرّسوم في الذّبّ عن نفسه أنّه يجهّل من يقول فهّمني ربّي»(45)، معبّرا بهذا عن انطباع سبق أن طفا على سطح السّياق نفسه، حيث قال متحدّثا عن “علماء الرّسوم” إنّهم يعتقدون في من فهّمهم اللّه معاني كتابه أنّهم ليسوا بعلماء(46). ومن اللاّفت للنّظر أنّه استحضر اعتقادهم هذا وذاك الموقفَ مع رميه إيّاهم بجهل «مواقع خطاب الحقّ»(47).

هكذا جرّه الكلام في الإشارات إلى الاهتمام بتنزيه المتصوّفة عن صفة الجهل الّتي تسم صورتهم لدى الخصوم من “علماء الرّسوم”، وذلك بإثبات أنّ التّعلّم الحقيقيّ لا يكون بقراءة الكتب ولا بالاستماع إلى الرّجال، وإنّما يتمّ بإعلام إلهيّ مباشر. وقد وجد ابن عربي في القرآن ما يمكن استثماره على هذا الصّعيد، فركن إليه مستدلاّ بآيات من نوع الآية: «خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ»(48)، ليخلص إلى أنّ اللّه هو «معلّم الإنسان»(49)، ويلمزَ “علماء الرّسوم” قائلا إنّهم حُجبوا «عن أن يعلموا أنّ للّه عبادا تولّى اللّه تعليمهم في سرائرهم بما أنزله في كتبه وعلى ألسنة رسله ، وهو العلم الصّحيح عن العالم المعلّم الّذي لا يشكّ مؤمن في كمال علمه ولا غير مؤمن»(50).

إذن، يتّضح من مجرى كلام الشّيخ الأكبر في الباب الرّابع والخمسين اعتقاده أنّ دعوى التّعلّم عن طريق الاتّصال المباشر باللّه هي مكمن أصل الخلاف بين “أهل الرّسوم” وأهل التّصوّف، وسبب رمي أصحابه بالجهل. وقد رسخ في ذهنه – على ما يبدو – أنّ تجهيل الخصوم لأهل تلك الدّعوى راجع إلى توهّمهم كون اللّه لا يعلّم غير الأنبياء والرّسل(51)، لذلك لم يملك نفسه عن التوسّع في بيان خطأ معتقدهم هذا، فانبرى يستخرج من آيات القرآن ما يخدم غرضه ويستحضر من الأقوال المأثورة ما يؤيّد موقفه.

كان على ابن عربي أن يثبت أنّ اللّه يختصّ بعنايته عبادا، من غير الأنبياء والرّسل، يتولّى هو نفسه تعليمهم إلهاما وإفهاما(52)، وإذ لجأ إلى القرآن انساق إلى تأويل بعض الآيات وفق مسعاه، فشرح “الحكمة” في الآية: «يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ»(53) على أنّها العلم، ولفت الانتباه إلى أنّ الموصول الاسميّ “مَنْ” ورد ضمنها نكرة(54)، وهو ما يعني – من وجهة نظره – أنّ تنزّل العلم الإلهيّ ليس محصورا في دائرة النّبوّة والرّسالة. ثمّ استند الرّجل إلى الآية: «فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا»(55) في استدلاله على ثبوت الإلهام(56).

وعلى محمل الآيتين أخذ بعض التّصريحات المنسوبة إلى صحابيّ من آل بيت النّبيّ، متوسّلا في ذلك بالتّقرير تارة وبالاستفهام أخرى، فأمّا التّقرير فقوله: «وكذا قال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه في هذا الباب: «ما هو إلاّ فهم يؤتيه اللّه من شاء من عباده في هذا القرآن»، فجعل ذلك عطاء من اللّه يعبّر عن ذلك العطاء بالفهم عن اللّه»(57)، وأمّا الاستفهام فتساؤله: «أين عالم الرّسوم من قول عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه حين أخبر عن نفسه أنّه لو تكلّم في الفاتحة من القرآن لحمل منها سبعين وقرا؟ هل هذا إلاّ من الفهم الّذي أعطاه اللّه في القرآن؟»(58).

والحاصل من جملة كلام الشّيخ الأكبر أنّ اللّه ينزّل فهم كتبه على بعض المؤمنين به كما نزّل كتبه ذاتها على أنبيائه(59)، فعلى هذا الأساس زعم أنّ العناية الإلهيّة أقامت سالكي الطّريق الصّوفيّ مقام الرّسول في تفقّه الدّين، وخلُص إلى أنّهم على بصيرة في دعوتهم إلى اللّه وما يفتون به، كشأن المبعوث بالرّسالة، لا على غلبة الظّنّ كحال “علماء الرّسوم”(60). ومن الجليّ أنّ مغزى هذه المقارنة مفاضلة لصالح أهل التّصوّف، وقد جرؤ مؤلّف الفتوحات على إظهارها صريحة غير مرّة، إذ قال تارة إنّ هؤلاء أحقّ بشرح القرآن من أصحاب “علم الرّسوم”(61)، وذهب في كرّة إلى القول إنّ اسم الفقيه أولى بالصّوفيّ من “عالم الرّسوم”(62).

تعكس هذه المفاضلة النّزعة الجدليّة الّتي اتّسم بها كلام ابن عربي في الباب الرّابع والخمسين، ومن مظاهرها إنكاره على أصحاب “علم الرّسوم” نكرانهم لعلوّ كعب المتصوّف في مجال التّفسير، مع إقرارهم بتفاضلهم هم أنفسهم في شرح معنى الآية الواحدة رغم وقوفهم جميعا عند ظاهرها لا يتطلّعون إلى ما وراءه(63). ويبدو أنّ ما ذهب إليه في المفاضلة هو رجعٌ لصدَى تصوّرٍ من جهته متعلّقٍ بنظرة “عالم الرّسوم” إلى الصّوفيّ الملهَم، فإنّ الباب المذكور ذاته من كتاب الفتوحات تضمّن إشارة إلى موقف استعلاء يقفه الأوّل، إذ وصفه الشّيخ الأكبر هناك قائلا إنّ من شأنه أن يرى نفسه صاحبَ العلم وأفضلَ ممّن يقول: “فهّمني ربّي”(64).

إذن، تكلّف صاحب الفتوحات إثبات أحقّية المتصوّفة بأن يكونوا جهة العلم، على اعتبارهم أهل يقين في تفسير النّصّ المرجعيّ، واضعا نصب عينيه الرّدّ على من جهّلهم، مستثمرا في ذلك عبارة للصّوفيّ أبي يزيد البسطاميّ (ت 261 ﻫـ) يحلو لأهل التّصوّف ترديدها، ألا وهي قوله مخاطبا المترسّمين بالعلوم النّظريّة: «أخذتم علمكم ميّتا عن ميّت، وأخذنا علمنا عن الحيّ الّذي لا يموت»(65). لكنّ التّجهيل أهون على الصّوفيّة من تكفيرهم، والكفر شائبة من الثّنتين اللّتين تشوبان صورة الصّوفيّ كما تتراءى لابن عربي من مواقف “علماء الرّسوم”.

  • الكفر:

يُستخلص من كتاب الفتوحات أنّ مزاحمة الصّوفيّة لــ”علماء الرّسوم” لا تنحصر في ميدان التّفسير، وإنّما تتعدّاه إلى سائر حقول المعرفة الدّينيّة، فليس المتصوّف مضطرّا، مثلا، إلى النّظر في ما يتناقله المترسّمون برسوم العلماء حتّى يعرف أحكام الشّريعة المحمّديّة، لأنّه يتلقّاها من مصدرها الأصليّ عن طريق الكشف، كما يبدو من كلام ابن عربي حيث يقول: «إنّا أخذنا كثيرا من أحكام محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم المقرّرة في شرعه عند علماء الرّسوم، وما كان عندنا منها علم، فأخذناها من هذا الطّريق ووجدناها عند علماء الرّسوم كما هي عندنا»(66). ويوحي قوله هذا بوجود توافق بين الفريقين على الأحكام الشّرعيّة لا يظهر ضمن حديثه، خلال الكتاب ذاته لاحقا، عن نوع من النّبوّة البشريّة قوامه على إخبارات إلهيّة يجدها العبد في نفسه، إذ ذكر هناك أنّ الإخبار الإلهيّ قد يكون مداره على «تعريف بفساد حكم قد ثبت بالنّقل صحّته عند علماء الرّسوم»(67).

وفي مجال علم الحديث النّبويّ، يزعم الشّيخ الأكبر أنّ المكاشَفين يقفون أثناء مكاشفاتهم على الصّحيح والموضوع من الأحاديث المعزوّة إلى النّبيّ، وينبّه إلى أنّهم قد يصحّحون حديثا مضعّفا متروكا لانعدام الثّقة في بعض رواته، بل يذهب إلى القول إنّ من شأن المتصوّف أن يترك العمل بحديث أثبت صحّته المحدّثُون، إذا اتّضح له بمعاينة كشفيّة أنّه من وضع الرّواة(68).

ولا يكتفي مؤلّف الفتوحات بذلك، بل يُدرج الذّات الإلهيّة أيضا فيما تحصل معرفته كشفا وذوقا، مع أنّه يقرّ بانتهاء الصّوفيّ المكاشَف إلى الحيرة فيها بحكم اختلاف التّجلّيات الإلهيّة، ولا غرو، فإنّه يرى تلك الحيرة أعظم من تحيّر النّظّار، على اعتبار ما فيها من لذّة(69)، وهي – من وجهة نظره – زيادة علم باللّه، وكلّ زيادة من هذا الوجه يوازيها ترقّ على سبيل القرب إلى المعبود(70). لكنّ ذاك الّذي يعتبره سببا لمزيد القرب، يبدو له في اعتبار “علماء الرّسوم” كفرا، علـى ما يتبيّن من قوله متحدّثا عمّن ينصحون الأمّة حسبما أوتوا عبر المواهب الرّبّانيّة من العلم باللّه: «لا تعرف العامّة قدر ذلك [=ما لدى النّاصحين من العلم باللّه]، لأنّها اعتادت من علماء الرّسوم مثل هذا إذا تكلّموا في العلم باللّه عزّ وجلّ من طريق الدّليل، ولم تفرّق بين علم الدّليل وبين علم الذّوق. وأمّا علماء الرّسوم فيكفّرونهم غالبا مع كونهم يسلّمونه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعينه إذا نُقل عنه في قرآن أو خبر إلهيّ وغير إلهيّ، فانظر ما أشدّ هذا العمى»(71).

إنّ هذا الحنق البادي في كلام ابن عربي لَهُوَ تعبير عن خطورة الموقف، إذ يدرك الرّجل أنّ التّكفير لا يجرّد المكفَّر من صفة العلم وحسب، بل ينسف شرعيّة وجوده أصلا، وهو ما يحمل المكاشَفين على السّكوت، مضطرّين إلى الإمساك عن التّصريح بالحقائق الكشفيّة المتعلّقة بالصّفات الإلهيّة حذر إفرادهم عن الملّة وإحلال دمائهم، فيغشاهم في صمتهم الإحساس بالضّيم والشّعور بالألم. ولئن أبدى الشّيخ الأكبر، في بعض أبواب فتوحاته، تفهّمه لحيلولة الفقهاء دون إفصاح المتصوّفة عمّا ينكشف لهؤلاء من كنه الذّات الإلهيّة، فإنّه لم يتمالك، في الآن نفسه، عن الانسياق إلى الشّكوى من هذا الوضع، مسلّطا الضّوء على ما يعانيه – حسب رأيه – المنضوون تحت لواء التّصوّف، متّهما “علماء الرّسوم” بالحسد(72).

وقد يكون هذا الّذي تحدّث عنه ابن عربي في كتابه الفتوحات أهون عليه ممّا تطرّق إلى إبرازه ثِنْيَ إحدى رسائله، حيث تكلّف الاستدلال على وجوب أن يكتم أهل التّصوّف عن غيرهم ما ينكشف لهم عيانا من أسرار “الحقيقة الإلهيّة”، إذ يتّضح هناك كون الرّجل يرى في نظرة “علماء الرّسوم” إلى الطّائفة الصّوفيّة أكثر من مجرّد التّكفير، فقد ذهب إلى احتمال أن يسيء فيها الظّنَّ أهلُ الظّاهر لأنّها تستر علومها الكشفيّة، ويقولوا متى عاينوا أبناءها يتكلّمون بمواجيدهم فيما بينهم: إنّها تعتقد دينا تكتمه(73). وبأسلوب قوامه إثبات في معرض نفي ونفي في معرض إثبات، تصدّى لهذه التّهمة، قائلا: «وهؤلاء [=أهل الطّريقة الصّوفيّة] ما تكتّموا بالدّين فقط، وإنّما تكتّموا بنتائجه، وما وهبهم الحقّ تعالى في طاعته حين أطاعوه، وبما صحّ عندهم من أحاديث الأحكام ما اتُّفق على ضعفه وتجريح نقلته، وهم أخذوه من الكشف عن قائله صحيحا، فتعبّد به أنفسهم على غير ما تقرّر عند علماء الرّسوم، فينسبونهم إلى الخروج عن الدّين، وما أنصفوا، فإنّ للحقّ وجوها يوصل إليه منها، هذا أحدها»(74).

من وجهة نظر الشّيخ الأكبر، ليس على قدر ما يوهم قوله هذا من الاتّساق رأيُ “علماء الرّسوم” في الصّوفيّة، ذلك أنّ الحكم بخروج هؤلاء من الدّين يبدو، مع الاسترسال الأكبريّ في الكلام بعد إقراره الّذي سقناه، مشوبا بموقف منطو على مفارقة، إذ ربّما يعتبر أصحابُ “علم الرّسوم” المتصوّفَ كاذبا وصادقا في آن واحد، فبينما يكذّبونه فيما لا يوافق أدلّتهم من علمه الوهبيّ، يصدّقون بما لا يخالف مذهبهم من مشاهداته(75). وقد راق لمؤلّف الفتوحات أن يشبّه حالهم هذا بشأن الكافر من أهل الكتاب في إيمانه ببعض وكفره ببعض(76)، بيد أنّه نبّه على أنّ المطلوب منهم ليس التّصديق، وإنّما مجرّد التّسليم حتّى لا ينزع اللّه نور الإيمان من قلوبهم(77).

ولا يخلو “علماء الرّسوم” ممّن يُظهر القبول بما يقوله الصّوفيّة، لكنّهم غير صادقين في ذلك على ما يرى ابن عربي الّذي تطرّق – في باب الوصايا من فتوحاته(78) ضمن سياق تخلّله حثّ على اجتناب تكفير المسلم(79) – إلى التّحذير من السّخرية بأهل التّصوّف واتّخاذهم أضحوكة، متّهما الفقهاء بفعل ذلك، إذ قال ابتداء: «وقد رأينا على ذلك جماعة من المدرّسين الفقهاء، يسخرون بأهل اللّه المنتمين إلى اللّه المخبرين عن اللّه بقلوبهم ما يرد عليهم من اللّه فيها»(80)، ثمّ استأنف اتّهامهم في كرّة قائلا: «وكذلك بعض المؤمنين يضحكون من أهل اللّه في الدّنيا، ولاسيّما الفقهاء إذا رأوا العامّة على الاستقامة يتحدّثون بما أنعم اللّه عليهم في بواطنهم يضحكون منهم ويظهرون لهم القبول عليهم، وهم في بواطنهم على خلاف ذلك»(81)، وعاد إلى إثبات التّهمة بقوله: «هكذا واللّه رأيت فقهاء الزّمان مع أهل اللّه يتغامزون عليهم، ويضحكون منهم، ويظهرون القبول عليهم وهم على غير ذلك»(82).

ومن الطّريف أن وصف صاحب الفتوحات ما يلقى المستهزئ ُ بالصّوفيّة من الهزء الإلهيّ يوم الحساب، كالمعرّض في ذلك بالفقهاء خاصّة يتوعّدهم، قائلا: «يأمر [اللّه] من هذه صفته إلى الجنّة حتّى ينظر إلى ما فيها من الخير، فيسرّون كما يُسرّ أهل اللّه في حال استهزائهم بهم ويتخيّلون أنّهم صادقون فيما يظهرون به إليهم. فإذا وفي اللّه جزاء عملهم وانفهقت لهم الجنّة بخيرها، أمر اللّه بهم أن يُصرفوا عنها إلى النّار، فتصرفهم الملائكة إلى النّار، فذلك استهزاء اللّه بهم، كما أنّ هؤلاء المنافقين لمّا رجعوا إلى أهليهم قالوا: «إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ»(83)، وقال: «سَخِرُوا مِنْهُ»(84) «فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ»(85) كما كانوا في الدّنيا يضحكون من المؤمنين لإيمانهم»(86).

*****

هكذا تجلّت لابن عربي ذاتُه – ببعدها الصّوفيّ حصرا – من خلال مواقف من يسمّيهم علماء الرّسوم، فعكست تجلّياتُها انطباعاتٍ كامنة في نفسه. وإذا بات من المحتمل كونُ تلك الانطباعات لم تتشكّل بمنأى عن تأثير ما لحق صاحبَها عينه من أذى الفقهاء، فلا شكّ في فعاليّة الذّاكرة الجماعيّة الصّوفيّة على هذا الصّعيد، بما تختزنه من تصوّرات راسخة، ويكفي النّظر في بعض المأثور عن أسلاف الشّيخ الأكبر للوقوف على أثر تلك الذّاكرة في تمثّله لنظرة “علماء الرّسوم” إلى الصّوفيّ، فهذا السّرّاج الطّوسيّ المتوفّى عام 378 هـ أفرد بابا ضمن كتابه اللّمع للرّدّ على من زعم أنّ الصّوفيّة قوم جهلة، متوسّلا في ذلك بتأويل آيات من القرآن وأحاديث معزوّة إلى النّبيّ(87)، وقال إنّ من النّاس «من يسرف في الطّعن وقبح المقال فيهم حتّى ينسبهم إلى الزّندقة والضّلالة»(88). وهذا متصوّف من معاصري الحلاّج نُقل عنه وصفه أحدَ المنكرين على الحسين بن منصور، قائلا إنّه «كان فقيها، والفقيه من شأنه الإنكار على التّصوّف إلاّ ما شاء اللّه»(89).

وقد يكون من فائض الكلام القول إنّ الذّاكرة الصّوفيّة ما انفكّت تستحضر الأحداث الجسام الّتي لعب فيها علماء الدّين الرّسميّون دورا سلبيّا راح ضحيّته غيرُ امرئ من أرباب التّصوّف، ولهذا ما فتئ الصّوفيّ يستشعر خطرَ تجريده من أحقّيّة الانتساب إلى الملّة تشريعا لقتله، فلا عجب أن يذهب صاحب الفتوحات إلى القول: «ما خلق اللّه أشقّ ولا أشدّ من علماء الرّسوم على أهل اللّه المختصّين بخدمته العارفين به من طريق الوهب الإلهـيّ الّذين منحهم أسراره في خلقه وفهّمهم معاني كتابه وإشارات خطابه، فهم لهذه الطّائفة مثل الفراعنة للرّسل عليهم السّلام»(90).

وربّما كان استشعار ذلك الخطر من دواعي ما تكلّف ابن عربي في مقدّمة كتابه الفتوحات من إشهاد النّاس على عقيدته الّتي عرضها وفق ما يعتقد «العوامّ من أهل الإسلام أهل التّقليد وأهل النّظر ملخّصة مختصرة»، «من غير نظر إلى دليل ولا إلى برهان»(91)، على سبيل تحصين نفسه ممّا قد يجرّ عليه من الإنكار كلامُه في متن مؤلَّفه ذاك، حيث أظهر ما لا يروق لمن يسمّيهم “علماء الرّسوم”.

 

الهوامش 

(1)  اليواقيت والجواهر، دار إحياء التّراث العربيّ/مؤسّسة التّاريخ العربيّ، بيروت، 1997، ج1، ص15.

(2)  يقول الشّعراني في مقدّمة كتابه اليواقيت والجواهر: «وقد ألّف كلّ من الطّائفتين كتبا لأهل دائرته، فربّما ظنّ من لا غوص له في الشّريعة أنّ كلام إحدى الدّائرتين مخالف للأخرى، فقصدت في هذا الكتاب بيان وجه الجمع بينهما ليتأيّد كلام أهل كلّ دائرة بالأخرى، وهذا أمر لم أر أحدا سبقني إليه» (م.ن، ج1، ص15).

(3)  الطّبقات الكبرى، دار الرّشاد الحديثة، الدّار البيضاء، 1999، ج1، ص10.

(4)  يُنظَر مقال الأستاذ توفيق بن عامر: «مواقف الفقهاء من الصّوفيّة في الفكر الإسلاميّ»، حوليّات الجامعة التّونسيّة، ع39، 1995، صص7-63.

(5)  م.ن، ص7.

(6)  م.ن، ص11.

(7)  يُنظَر: م.ن، صص23-29.

(8)  يُنظَر: م.ن، صص30-37.

(9)  يُنظَر: م.ن، صص37-52.

(10)  يُنظَر: م.ن، صص56-61.

(11)  تواتر إطلاق “علماء الرّسوم” في ذلك الكتاب قرابة تسعين مرّة، ووردت كلّ من صيغتيْ “أهل الرّسوم” و”عالم الرّسوم” أربع مرّات، واستُعمِلت كلّ من عبارتيْ “أصحاب علم الرّسوم” و”صاحب علم الرّسوم” مرّة واحدة.

(12)  موجز دائرة المعارف الإسلاميّة، مركز الشّارقة للإبداع الفكريّ، ط1، 1998، ج7، ص 2234. توفيق بن عامر، م.س، ص13.

(13)  الفتوحات المكّيّة، دار الفكر، بيروت، 1994، ج3، ص99.

(14)  ابن القيّم، مدارج السّالكين بين منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، تح. محمّد حامد الفقي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1973، ج3، ص173.

(15) يُنظَر :William Chittick, Ibn al-‘Arabi ‘ s  Metaphysics of Imagination, The sufi path of Knowledge, State university of  NewYork press, 1989, p171.                                                                          

(16)  المنجد في اللّغة، دار المشرق (المطبعة الكاثوليكيّة)، بيروت، ط20، 1986، مادّة (رسم). ومن الجدير بالتّنويه في هذا السّياق وجاهة رأي تشيتك Chittick حيث استدرك – بعد أن ذكر كون ابن عربي يستعمل صفة “علماء الرّسوم” على وجه التّعيير غالبا – قائلا: ولكن ليس ذلك دائما، لأنّ أمثال الفقه والكلام من العلوم علوم صالحة في حدّ ذاتها (op.cit, p388).

(17)  ابن عربي، م.س، ج7، ص185. ويُنظَر:pp170 – 171  William Chittick, op.cit,

(18)  م.ن، ج6، ص78.

(19)  اجنتس جولدتسهر، مذاهب التّفسير الإسلاميّ، تع. عبد الحليم النّجّار، دار اقرأ، بيروت، ط2، 1983، ص 247.

(20)  إحياء علوم الدّين، دار صادر، بيروت، 2000، مج2، ص217.

(21)  م.ن، مج1، ص175.

(22)  م.ن، مج2، ص377.

(23)  م.ن، مج3، ص285.

(24)  م.ن، مج4، ص124.

(25)  م.ن، مج4، ص193.

(26)  منازل السّائرين، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1988، ص105.

(27)  ابن القيّم، م.س، ج3، ص173.

(28)  م.ن.                                        

(29)  م.ن.

(30)  هكذا !!! وقد ذكره غير مرّة على الصّيغة: «لم يوقف لهم على رسم» ( يُنظَر: م.ن، ج3، ص172، 173).

(31)  م.ن، ج3، ص173. وأضاف: «وقد يريد بقوله “لم يوقف لهم على رسم” أنّهم لعلوّ هممهم سبقوا النّاس في السّير فلم يقفوا معهم، فهم المفردون السّابقون، فلسبقهم لم يوقف لهم على أثر في الطّريق (…)» (م.ن، ج3، صص173-174).

(32)  م.ن، ج3، ص173.

(33)  م.ن.

(34)  توفيق بن عامر، م.س، ص52.

(35)  يُنظَر: عبد السّلام نور الدّين، الحقيقة والشّريعة في الفكر الصّوفيّ قراءة في نصوص الحلاّج والغزالي، دار كنعان، دمشق، ط2، 2004، صص31-47.

(36)  م.ن، ص47.

(37)  رأى بعض الباحثين أنّ ابن عربي شرع في تصنيف كتابه الفتوحات عام 599 ﻫـ وفرغ من تأليفه سنة 636 ﻫـ ( محسن جهانكيري، محيي الدّين بن عربي الشّخصيّة البارزة في العرفان الإسلاميّ، تع. عبد الرّحمان العلوي، دار الهادي، بيروت، 2003، ص 73، 79)، وثمّة من ذهب إلى القول إنّه انتهى من كتابة نسخته الأولى في مكّة عام 598 ﻫـ، وما انفكّ ينقّحها ويضيف إليها حتّى سنة 636 ﻫـ (يُنظَر: م.ن، ص79، حاشية1).

(38)  أحمد بن محمّد المقري التّلمساني، نفح الطّيب من غصن الأندلس الرّطيب، تح. إحسان عبّاس، دار صادر، بيروت، 1388 ﻫـ، ج2، ص180. نزل ابن عربي بمصر مرّتين: سنة 598 ﻫـ في طريقه إلى الحجّ (محمّد رياض المالح، الشّيخ الأكبر محيي الدّين بن عربي سلطان العارفين وإمام المحقّقين وبقيّة المجتهدين، هيئة أبوظبي للثّقافة والتّراث – المجمع الثّقافي، أبوظبي، 2007، ص63)، وعام 603 ﻫـ ( م.ن، ص73). وفي المرّة الثّانية، على الأرجح، عاداه الفقهاء  (يُنظَر: محسن جهانكيري، م.س، ص85).

(39)  ابن عربي، م.س، ج1، صص629-634.

(40)  م.ن، ج1، صص629-631.

(41)  م.ن، ج1، ص631.

(42)  م.ن، ج1، ص630، 631.

(43)  م.ن، ج1، ص630.

(44)  م.ن.

(45)  م.ن، ج1، ص632.

(46)  م.ن، ج1، ص630.

(47)  م.ن.

(48)  الرّحمان: 55/3-4.

(49)  ابن عربي، م.س، ج1، ص630.

(50)  م.ن، ج1، صص630-631.

(51)  م.ن، ج1، ص630.

(52)  م.ن، ج1، ص631.

(53)  البقرة: 2/269.

(54)  ابن عربي، م.س، ج1، ص630.

(55)  الشّمس: 91/8.

(56)  ابن عربي، م.س، ج1، ص631.

(57)  م.ن.

(58)  م.ن، ج1، ص632.

(59)  م.ن، ج1، ص631.

(60)  م.ن، ج1، ص632.

(61)  م.ن، ج1، ص631.

(62)  م.ن، ج1، ص632.

(63)  م.ن، ج1، ص630.

(64)  م.ن، ج1، ص632.

(65)  م.ن.

(66)  م.ن، ج1، ص524. ويُنظَر أيضا: م.ن، ج1، صص380-381. ج7، ص50.

(67)  م.ن، ج3، ص459.

(68)  م.ن ،ج1، ص381، 524. ج7، ص50. كتاب الفناء في المشاهدة، ضمن: رسائل ابن عربي، دار الكتب العلميّة، بيروت، 2001، ص19.

(69)  فتوحات، ج1، ص613.

(70)  يقول في الباب الثّامن والثّلاثين وأربعمائة متحدّثا عن وارث النّبيّ محمّد: «هو في كلّ نفس يزداد علما بربّه علم حال وذوق لا يزال كذلك (…) وكلّما ازداد المحمّديّ [=وارث محمّد] علما بربّه ازداد قربا» (م.ن، ج7، ص91). وللوقوف على مفهوم وراثة محمّد خاصّة ووراثة الأنبياء عامّة عند ابن عربي، يُنظَر: عليّ شودكيفيتش، الولاية والنّبوّة عند الشّيخ الأكبر محيي الدّين بن العربي، تع. أحمد الطّيّب، دار القبّة الزّرقاء، مرّاكش، 1999، صص65-90.

(71)  فتوحات، ج7، ص91.

(72)  هذا نصّ شكواه في الباب الخمسين من الفتوحات: «(…) غير أنّ أصحابنا اليوم يجدون غاية الألم حيث لا يقدرون يرسلون ما ينبغي أن يرسل عليه سبحانه كما أرسلت الأنبياء عليهم السّلام، فما أعظم تلك التّجلّيات، وإنّما منعهم أن يطلقوا عليه ما أطلقت الكتب المنزّلة والرّسل عليهم السّلام عدمُ إنصاف السّامعين من الفقهاء وأولي الأمر لما يسارعون إليه في تكفير من يأتي بمثل ما جاءت به الأنبياء عليهم السّلام في جنب اللّه، وتركوا معنى قوله تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أسْوَةٌ حَسَنَةٌ» [الأحزاب: 33/21]، كما قال له صلّى اللّه عليه وسلّم ربّه عزّ وجلّ عند ذكره الأنبياء والرّسل عليهم السّلام: «أولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ» [الأنعام: 6/90]، فأغلق الفقهاء هذا الباب من أجل المدّعين الكاذبين في دعواهم، ونعم ما فعلوا، وما على الصّادقين في هذا من ضرر، لأنّ الكلام والعبارة عن مثل هذا ما هو ضربة لازب، وفي ما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ذلك كفاية لهم، فيوردونها يستريحون إليها من تعجّب وفرح وضحك وتبشّش ونزول ومعيّة ومحبّة وشوق، وما أشبه ذلك ممّا لو انفرد بالعبارة عنه الوليّ كُفّر وربّما قُتل، وأكثر علماء الرّسوم عدموا علم ذلك ذوقا وشربا، فأنكروا مثل هذا من العارفين حسدا من عند أنفسهم، إذ لو استحال إطلاق مثل هذا على اللّه تعالى ما أطلقه على نفسه، ولا أطلقته رسله عليهم السّلام عليه، ومنعهم الحسد أن يعلموا أنّ ذلك ردّ على كتاب اللّه وتحجير على رحمة اللّه أن تنال بعض عباد اللّه، وأكثر العامّة تابعون للفقهاء في هذا الإنكار تقليدا لهم لا بل بحمد اللّه أقلّ العامّة. وأمّا الملوك فالغالب عليهم عدم الوصول إلى مشاهدة هذه الحقائق لشغلهم بما دفعوا إليه، فساعدوا علماء الرّسوم فيما ذهبوا إليه إلاّ القليل منهم، فإنّهم اتّهموا علماء الرّسوم في ذلك، لما رأوه من انكبابهم على حطام الدّنيا ، وهم في غنى عنه، وحبّ الجاه والرّياسة وتمشية أغراض الملوك فيما لا يجوز. وبقي العلماء باللّه [=الصّوفيّة] تحت ذلّ العجز والحصر معهم كرسول كذّبه قومه وما آمن به واحد منهم، ولم يزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يُحرس حتّى نزل: «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» [المائدة: 5/67]، فانظر ما يقاسيه في نفسه العالم باللّه، فسبحانه من أعمى بصائرهم حيث أسلموا وسلّموا وآمنوا بما به كفروا، فاللّه يجعلنا ممّن عرف الرّجال بالحقّ لا ممّن عرف الحقّ بالرّجال» (ج1، صص614-615).

(73)  يقول: «وربّما قالوا [=أهل الظّاهر] إذا عاينوهم [=أهل الطّريقة الصّوفيّة] يتكلّمون بمواجيدهم مع أصحابهم: «دين مكتوم، دين مشوم».» (كتاب الفناء في المشاهدة، ص19).

(74)  م.ن.

(75)  م.ن، ص21.

(76)  م.ن.

(77)  م.ن، ص22.

(78)  الباب السّتّون وخمسمائة، وهو آخر أبواب الكتاب.

(79)  فتوحات، ج8، ص355.

(80)  م.ن، ج8، ص356.

(81)  م.ن، ج8، ص357.

(82)  م.ن.

(83)  البقرة: 2/14.

(84)  هود: 11/38.

(85)  المطفّفين: 83/34.

(86)  فتوحات، ج8، صص356-357.

(87)  اللّمع في تاريخ التّصوّف الإسلاميّ، تصحيح كامل مصطفى الهنداوي، دار الكتب العلميّة، بيروت، 2001، صص20-21.

(88)  م.ن، ص11.

(89)  كتاب أخبار الحلاّج أو مناجيات الحلاّج، تح. لويس ماسينيون وبول كراوس، دار التّكوين، دمشق، 2006، ص43.

(90)  م.ن، ج1، ص629.

(91)  فتوحات، ج1، صص172-176.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!