حضور الرومي في حياتي

حضور الرومي في حياتي

حضور جلال الدين الرومي في حياتي

إيفا دوفيتري ميروفيتش

ترجمة: عائشة موماد[1]

جلال الدين الرومي والذي يطلق عليه الأتراك بكل حب لقب “مولانا – Mevlânâ”، كان رجل وقته،  حيث عاش التجربة الإنسانية بكل ما فيها وعانى من تقلبات عصره، وكذلك كان رجل كلّ الأوقات: حضورٌ حيٌّ وأخويٌّ.. نميل نحو التوجه إليه وقت الضيق كما وقت الفرح ونحن نردد: “يا حضرت مولانا !”. أليست كلمة “حضرت” مشتقة من الحضور؟!

الآن، وفي ظلال هذا العالم المطارد بشبح اللامعقول، والذي فَقَد معنى “المقدّس” إلى حدّ كبير، ويظل في سعيه نحو البحث عن معنى القيم، يستحضر هذا الصوت العظيم.

عندما أريد نقل بعض ما تعلمته، أنا التي كان لقائي بالرّومي نقطة تحوّل حاسمة قلبت حياتي رأسا على عقب، فإني أحاول أن أنقل رسالته، لاعتقادي في تناغمها مع كل تلك التطلعات أكثر من أي رسالة أخرى لتلبية تلك المساعي والتطلعات.

لا يسعني أن أعبر عن سعادتي عندما ترجمت كتاب “فيه ما فيه” لأول مرة إلى اللغة الفرنسية، ثم “الغزليات” و”الرباعيات” و”المعارف” و”ولد نامة” لسلطان ولد، وأنهي الآن ترجمة “المثنوي”.

إن سمحت لنفسي أن أتحدث عن أعمالي الخاصة، فذلك لأن الترجمة إلى لغتي الأم مكنتني من قياس مدى تأثير هذا الفكر الصوفي.

سأحاول جاهدة في هذا العرض أن أوضح ما أعتقده المكوّن الأساسي لرسالة الرومي، وأخص بذلك الشباب الغربي المتعطش للروحانية.

في البداية، يمثّل الرومي كونيّة الإسلام. فقد قيل: إن “المثنوي” كان قرآنًا فارسيًّا[2]. وهذه الصيغة التعبيرية تصدمني كمسلمة، لأن القرآن واحدٌ ولا يمكن مضاهاته. لكن إذا أردنا أن نبيّن من خلال هذا القول أن ما يقوله مولانا ليس سوى تعليقات حول الكتاب المقدس، فذلك إذن صحيح وذو مدلول عميق، وجوهر عمله هو نفس جوهر الإسلام.

عندما نقرأ على واجهة مركزه الروحي والذي أصبح مزارا الآن: “تعال ، تعال، أيا ما كنت، تعال! هاهنا مسكن الأمل”، أليس هذا كلام القرآن الذي يذكرنا أن كل إنسان صانع للخير، لا خوف عليه من ربه مهما كانت مسميات معتقداته؟

 إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [سورة البقرة- آية: 62]. لا مجال للتمييز حسب العرق أو الطائفة أو شكل الممارسة في عالم بهذا المنظور.

في زمننا الحاضر، هناك خطر ثلاثي يحوم حول الروحانية: إما رفضٌ قاطع، وإما هروبٌ بائسٌ نحو دوغمائية جامدة أو طوائف منحرفة، وإما توفيقية Syncrétisme سهلة وآمنة بين المعتقدات، تعد محاولة اختزالية خطيرة، تذكرنا بالنشاز الذي قد يحدثه المزج بين موسيقى الجاز والموسيقى التركية الكلاسيكية.

رغم ذلك، فمن المبهر عند الرومي وكبار الصوفية أن كونية الرسالة التي لا يمكن إلا أن تكون واحدة لكل الناس عبر القرون، يصحبها احترام عميق لخصوصية كل تقليد، ومن المفارقات كونها أكثر شمولية كلما كانت أكثر خصوصية  مثل أشعة الدائرة، رغم اختلاف منحاها فإنها تلتقي في المركز. هناك سُبلٌ عديدة للبحث، وطرق مختلفة، لكنها تفضي لنفس النقطة.

أودُّ أن أحكي هنا ذكرياتي عن أول رحلة إلى مكة أدّيتُ فيها مناسك الحج، وانبهاري الشديد، إذ لاحظت لأول مرة في حياتي أنني لم أكن أرى الحجاج المتواجدين بجانبي أو الذين يتواجدون أمامي، بل كنت ألمح وجه أحد الحجاج وهو ينظر في اتجاهي، كنّا وجها لوجه بينما كنّا نسجد نحو نفس المركز، هناك حيث يتلاشى المكان. فعندما نحطّمُ كلَّ الحواجز لا نجد سوى الآخر، وهنا أتذكّر أيضا مقولة الرومي الرائعة متحدثا عن “الوجه من غير وجه”، فأينما تواجدنا فثمّ “وجه الله”، ولا يشكل الوجه الآدمي سوى ظله. “وَلِلَّـهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ” [سورة البقرة – آية 115].

يتجلى الجانب الثاني لرسالة مولانا، والذي يعتبر نتيجة لرسالته الكونية، في طابعها الإنساني، وحب كل المخلوقات وعامة البشر. كان القديس فرانسوا داسيز )1181-1226( مشهورًا لدى النصارى بعطفه على الحيوانات، ولطالما تأثرت بعطف مولانا كما نقل لنا ذلك الأفلاكي )ت 1356 ([3]. هذه الإنسانية المليئة بالحب والموسومة بلمسة من الدعابة.

يجب أن نذكر كذلك حبَّ الجمالِ الذي يضفي من تلقاء نفسه طابع القداسة على كل الأشياء. كان حبُّ الجمال من مميزات مولانا وطريقته التي منحت للإمبراطورية العثمانية، وعلى مدى قرون عديدة، أكبر الشعراء والموسيقيين والخطاطين.

أخيرًا، هناك جانب ثالث من فِكْر الرّومي، يستدعي أن أتطرق إليه بالتفصيل لاعتقادي بأهميته القصوى في الحوار مع الحضارات الأخرى. أريد الحديث عن تقارب مفاهيمه الميتافيزيقية وحدسه المبهر حول الحقائق العلمية. يقول مولانا: إن الدين في النهاية، ليس سوى حيرة دائمة! يستعمل مولانا كلمة “حيرة” باستمرار في كتاباته[4].  

ويظل مولانا مؤمنًا بتعاليم القرآن التي تركز على ضرورة اللجوء إلى التفكير والتأمل، مؤسسًا بذلك المنهج التجريبي للعصر الحديث. فمن جراء التأمّل تُولد الحيرة.

يشعر مولانا بالحيرة أمام البعد المزدوج للحقيقة: حقيقة جوهر الإنسان من جهة، فالإنسان أكبر من أن يختزل في ظاهره ولا يمكن أن ننظر إليه إلا إذا اعتمدنا الجانب الروحي فيه. ومن جهة أخرى حقيقة الكون.

لقد سبق مولانا عصره بقرون عدة، ألم يتحدث عن الذرة وعن أخطار الإنشطار النووي، فضلا عن الأنظمة الشمسية لعوالم لم تكتشف بعد؟ ألم يتحدث عن التطور مستعملا معجمًا لا يستطيع أكبر علماء العصر أن ينكر الاعتراف به؟ لكن مولانا ذهب أبعد من ذلك حيث تنبأ للإنسان بالصعود إلى مرتبة الملائكة على سلم الوجود.

تأتي تلك المعرفة المسبقة التي يصعب تصوّرها، لدعم تعاليم روحية صرفة، ولأجل ذلك لا يمكن الإستغناء عن قيمتها التربوية. واقعًا فالأمر لا يتعلق بالتساؤل حول بصيرة مولانا، لكن ما يهمنا هو فهم أن ذلك البعد الخارجي “الظاهر” للأشياء لا يعد مهما إلا لكونه إشارة. يتوافق ذلك مع ضرورات عصرنا هذا: إمكانية التوفيق بين الإيمان بمعطيات الوحي، التي يرتكز عليها مجتمع منتسب إلى الزمان والمكان، اللذين يتم تجاوزهما، بتبني العقل البشري لمنهجية متواصلة لاكتساب المزيد من المعرفة.

من الطبيعي أن نصاب بالدهشة عندما يخبرنا الرومي أن أي تحرك بسيط  للإنسان على هذا الكوكب يمكن رؤيته على نجم “الشعرى” Sirius. أصبت بصدمة عندما أخبرني “Olivier Costa de Beauregard (1911-2007) ، وهو من الفيزيائيين البارزين اليوم، بنفس ما قاله الرومي منذ تسعة قرون[5].

إذا كان هذا الحدس المبهر شاهدًا على أن مولانا كان صاحب إلهام ورؤيا، فإنني أؤكد أن تلك الحدسية تدخل في نطاقها الميتافيزيقي. الإنسان عبارة عن عالم صغير “microcosme”، خلاصة للكون، أو بالأحرى فهو العالم الأكبر”Macrocosme” لأنه بالرغم من نشأة الجسم البشري من السماء والأرض، فهذان الأخيران قد نشآ من المعنى العميق للإنسان والمعرفة … السماء والأرض مسكنان للأجساد والأجرام. والجسد الذي يغلف الإنسان يعتبر مسكنا للروح والعقل والإيمان، فيصبح الجسد بالتالي مسكنا للمعنى العميق اللامتناهي، ويصبح الكون مسكنا للأشكال المحدودة بطبيعتها[6].

يمكن تشبيه الإنسان ببرزخ يتواجد بين نسقين واقعيي، وعند وصوله إلى مكانته الروحية المكتملة، حيث يصبح وسيطا بين الله والعالم، يمكن أن يحظى بدورمزدوج: يعمل على تفعيل الشعور الإلهي كصورة شاملة للصفات الإلهية. الإنسان مرآة تستقبل الصورة الإلهية وتعكسها في اتجاه المرايا الأخرى المتجهة نحو تلك الصورة. لقد خُلق على صورته فأصبح دليلا عليه. لذلك يقول مولانا في المثنوي: “لم يخلق الله لا في الأرض ولا في السماوات العظيمة ما هو أشد غموضًا من عقل الإنسان” فمن عرف نفسه عرف ربه كما يقول الأثر.

في إحدى المناسبات، يصف مولانا حصة من التحليل النفسي حيث حاول أحد “الأطباء” الروحيين أن يجعل فتاة مريضة تدرك المشاكل التي تجعل عقلها الباطن “Subconscient” مضطربًا. لكن على عكس أطباء التحليل النفسي “Psychanalistes” وأطباء الأمراض العقلية والنفسية “Psychiatres” في عصرنا الحديث، سوف يتجاوز الحياة أو الروح “La psyché”. في الواقع، إذا كبتت العقد النفسية “”complexes أسفل العقل الواعي “Conscience claire”، فما وراء ذلك يوجد عقل فوق الوعي “supra-conscience” خاص بالروح. يلمح مولانا دائما إلى الهوة الموجودة بين أنا الإنسان “Le Moi” وبين الهو المتسامي “le soi transcendant”: “ما بين الأول والثاني، كما يقول مولانا، توجد مسافة أكبر من بحر عمان. بالتالي وبطريقة تدريجية أيضًا كان الحال على مستوى الجسد، وانتقاله من الحالة المعدنية إلى الحالة البشرية، فاكتشاف الحق “La réalité ultime” سيكون معراجًا روحيًّا عبر سلم يوجد بأعماق الكائن البشري.

هذه الدراسة التي تعتمد على إبراز بُعدٍ جديد للإنسان، معتمدة في ذلك على ما يسمى بعلم النفس ما وراء الشخصي أو علم النفس الروحاني “Psychologie Transcendantale ou interpersonnelle”، تعد من الموضوعات التي يتم دراستها الآن بطريقة حديثة من طرف المفكرين الغربيين. الهدفُ من وراء ذلك هو الوصول إلى درجة من الصحوة الواقعية تتعدى أساليب العلاج النفسي،  لكن ذلك المستوى لا يمكن إدراكه إلا بالاتصال بالشيخ المربي الحيّ والأخذ عنه من تعاليمه الصحيحة المخوّل له بإعطائها[7].

كان مولانا يتحدث عن نفسه قائلا: إن المهمة التي ألقاها الله تعالى على عاتقه كانت الدعوة إلى إيقاظ الأرواح النائمة. عندما تستفيق من سباتها ولا مبالاتها وغفلتها، ما موضوع الاكتشاف وما الهدف من وراء السعي؟ هو الوصول تدريجيا إلى معرفة غير استدلالية ” Connaissance non-discursive” وإلى اليقين بالوحدة المطلقة.

أولى التساؤلات تشكل في حد ذاتها علامة للصحوة: “فالإنسان يتساءل: من ينظر بعيني، من يتكلم بفمي؟ من ذا الذي أدل عليه في آخر المطاف؟ ويأتي بعد ذلك العبور ثم الخلاص. لا يمكن أن نقارن إذن الشيخ الذي يدعو إلى الصحوة بالشخص الذي يفتح الأبواب لك فقط، بل يجعلك تستشعر وجود عتبات عليك تخطيها.

الرؤية الإلهية في كلِّ مكانٍ، لكن إن لم يفتح الباب، من يستطيع القول: هناك باب؟!

لن تحيا الفكرة في داخله إلا إذا فتح الحارس ذلك الباب.

تتجلى الرؤية في كل مكان، كما يختزل الحاضر كل شيء في نقطة. فالزمن وهمٌ كبير لكنه يمنح إمكانية تتبع مراحل مسار أو تقدم ما. صور ة الجمرة التي نسحبها في الهواء لتشكل خطًّا طويلا من النار، لا نجدها فقط عند الرومي بل تتواجد في “الأوبانيشاد” وعند مجموعة من الصوفية المسلمين مثل الشبستري (1288-1340) والإصفهاني )ت 1783(. اللحظة المفضلة هي تلك التي تتجاوز أحداث الحياة اليومية لتخضع للمقارنة مع ما هو وراء التجربة أو الفكر البشري ” Transcendanc. هنا يظهر مجددًا التلاقي بين مستويين من الواقع، ذلك المفهوم الذري “notion atomistique” للزمن يبقى واحدًا بالنسبة للصوفي كما للفيزيائي.

اقتداء بالقرآن الذي يضرب الأمثال للناس – أي باستعمال الرمز- يلجأ مولانا إلى منهج تربوي استدعاء للتفكر Maïeutique مستعملا الرمز، حيث يحض العقل على تكملة ما يعرض عليه. نعلم أن علم الاشتقاق Etymologie اليوناني للرمزية هو تلك القطعة الطينية التي كان يحملها بطريقة أو بأخرى مسافرو العصور القديمة Traveller’s check، والتي تقسم إلى نصفين. على الدائن أن يقدم جزءًا من تلك القطعة كي يسترجع ما له. لذلك، فالقصة الرمزية أو الحكاية التي تتردد كثيرًا عند الرومي، تسمح بقراءة متعددة المستويات، حسب درجة فهم وإدراك المتلقي.

قبل إنهاء حديثي، أود أن أذكر هنا جزءا لرسالة من رسائل مولانا، حيث يوضح على نحو ممتاز لافت للانتباه، مختلف مستويات المعرفة المتوفرة للعقل البشري واستحالة تصوّر ما وراء سجن الجسد.

تأمّل في معجزة تصوير الجنين داخل الرحم، حيث لا أيد ولا أدوات ! خلق الله فتحات الفم والعينين والأذنين، اللسان والحنجرة، ثم خلق الصدر ووضع فيه قلبا، هو القطرة والعالم والجوهرة والمحيط والعبد والملك في آن واحد. ثم قال: “أرأيت من أين أتيت بك وإلى أين؟ والآن أيضا، أخبرك أني لن أتركك هنا أيضا. سأحملك ماوراء هذه السماء وهذه الأرض، نحو أرض مبهجة وسماء لا تدركها المخيلة: حيث تتمدد الروح في عالم الفرح.

في تلك السماء، لا يصير الشاب شيخًا، ولا الحديث قديمًا، لا يفسد أي شيء ولا يتضرر، لا شيء يموت. إن لم تصدق ذلك ففكر للحظة: كيف لقطرة المني أن تصدق كلامك لوأخبرتها أن الله قد خلق عالمًا آخر خارج هذا العالم المظلم. عالم به سماء، شمس، أقاليم، مدن، قرى، حدائق، حيث تتواجد مخلوقات من ملوك وأغنياء، أناس بصحة جيدة وآخرون مرضى، عميان؟

 لا يمكن لأي مخيلة أو عقل أن يصدق هذه القصة. وبالرغم من ذلك، يعيش خارج تلك الظلمات وذلك الطعام الدموي، عالم آخر وطعام مختلف. والحالة هذه، مهما جهلت تلك القطرة هذه الإمكانية أو أنكرتها، لم تتمكن من اجتناب الخروج، لأنها أجبرت عليه بقوة.

سوف تجد نفسك خارج هذا العالم الشبيه بالرحم، سوف تترك هذه الأرض لتلج مساحة أوسع. مع العلم أن الآية القرآنية “وأرض الله واسعة” الزمر-10 تشير إلى المنطقة الفسيحة التي احتضنت الأولياء.

لا يوجد أفضل من هذه الأمثال كي نعبرَ من الرّمز إلى المرموز إليه. تغيْرُ المنظور يفترض توجيهًا جديدا ملائما يمكن من تجاوز رؤية تجسيمية أو تشبيهية Anthropomorphiste وتبسيطية للكون. إلى هذا تدعونا كل الأبحاث العلمية الحديثة التي تشبه في خطابها في كثيرٍ من الأحيان خطاب المتصوفة، لأنه يتجاوز كل أصناف المنطق.

أظن أن أعمال مولانا، التي تؤسس للعودة إلى جوهر الوحي القرآني، تفتح الأبواب في نفس الوقت على مصير لم يتم استكشافه بعد. جمال خطابه ووضوحه، إضافة إلى تناغم كون مقدس Sacralisé يحيى بعالمية العشق، ويعزز الوصول إلى حقائق ميتافيزيقية عليا.

 

الهوامش

 

[1] : نُشر هذا المقال لأول مرة عام  1987، بعنوان: (La présence de Mevlana). ثم أُعيد نشره في عام 2014 ضمن مختارات من مقالاتها جمعها وقدمها وعلق عليها(Jean-Louis Girotto) في كتاب حمل عنوان (Universalité de l’Islam) منشورات Albin Michel.

 

[2] : کتاب المثنوی لمولانا جلال الدین الرومی، من أشهر كتبه، قال عنه العلاّمة فروزانفر (المثنوي کتابُ حکمة وفلسفة وأخلاق وذوق وحال وتربیة ومعارف‌ اجتماعیة) وشاعت تسمیة المثنوي «القرآن فی اللغة الفارسیة» أو (القرآن بالبهلوي) وهي تسمية لا تدل على أن أهل فارس اتخذوا من المثنوي قرانًا وتخلوا عن (القرآن الكريم) بل يظهر منها اهتمامهم بهذا الكتاب الذي يُعد من أهم الكتب الصوفية والعرفانية التي كُتبت باللغة الفارسية، وإن علّق البعض على هذه التسمية بشكل سلبيّ خاصة أهل التيار السلفي والمخاصمين للتصوف، فإن تعليقهم صادر عن خلطهم بين ما يصدر عن إيران من كتابات واهتمام ببعض علماء الإسلام وبين ما يعتقدونه ويدينون به. على أن تقديس الكتب وإن عرفه أهل إيران وهو منقبة لا مسلبة، فإن التيار السلفي يقدّس من الكتب ما لا يُحصى ومن الشخصيات ما يراه على صواب دومًا، فالفعل مشترك إن صح أن يُدان أحدٌ لاهتمامه بكتاب أو شخص، فالإدانة واقعة عليهم أيضًا.(المحرر).

 

  • [3] : الأفلاكي في (مناقب العارفين) Les saints des derviches tourneurs ترجمة Clément Huart دار نشر سندباد 1983.

 

[4] : الفكر الصوفي وبخاصة في تجليه عند الرومي هو فكر سيادة الإنسان الذي لا بد وأن يرتفع عن التناقض الشديد الذي يعذبه ويبسط ظلاً من الحيرة والصراع عليه طوال حياته، ذلك التناقض الذي عبر عنه سنائي بقوله: ماذا أفعل بالروح وأنا من الطين؟ وماذا أفعل بالجسد وأنا من عليين؟! وعبّر عنه حافظ بقوله: لا أدري من يوجد بداخلي أنا المعذب فأنا صامت وهو في صراخ و عويل. وعبّر عنه قبلهما الصوفي أبو سعيد بن أبي الخير بقوله: «أحيانا أكون كالملاك ملازما للعبودية وأحيانا كالحيوان أحيا على الطعام والنوم وأحيانا كالوحوش أمزق… سبحان الله ما هذا التفرق وهذه الحيرة» وعبر عنه نجم الدين كبرى بقوله «في داخلي شيطان، لا يخفى عليّ وقطعُ رأسه ليس أمرًا سهلا .. لقنته الإيمان ألف مرة.. ولم يدخل في الإسلام». هذه الحيرة التي يعبر عنها مولانا جلال الدين الرومي أجمل تعبير وأروعه في «ديوان شمس تبريزي»: أنا الشيخ أنا الشاب أنا السهم أنا القوس أنا الدولة الخالدة: ألست أنا أنا؟! بل أنا أنا.(المحرر).

 

  • [5] : Olivier Costa de Beauregard, la notion de temps, équivalence avec l’espace, Hermann, Librairie philosophique Vrin; 1983

[6] : سلطان ولد “الشيخ والمريد” Maitre et Disciple.

[7] : خصص السيد جمال الهاشمي كتابه رسالة الإلهام بين مدرسة جلال الدين الرومي وعلم النفس الحديث لمناقشة ما تعلق بهذه المسائل، نُشر الكتاب في دار الهادي بيروت عام 2005. (المحرر).

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!