أنّا ماري شيمل نموذج مشرق للاستشراق

أنّا ماري شيمل نموذج مشرق للاستشراق

 

أنّا ماري شيمل نموذج مشرق للاستشراق

مراجعة: خالد محمد عبده

[لا أستطيع أن أبحث في أيّ موضوع لا أحبّه] شيمل.

ذوات : أبريل 2015

اهتم ثابت عيد بصورة الإسلام في الدراسات الغربية، وتحديدًا المدرسة الألمانية، وأصدر كتابين في هذا السّياق، احتفى بهما الدكتور محمد عمارة، الأول: صورة الإسلام في التراث الغربي (دراسات ألمانية). والثاني: الإسلام في عيون السويسريين. ويأتي كتابه المؤلف بعنوان: أنّا ماري شيمل نموذج مشرق للاستشراق استمرارًا لهذا الاهتمام، ولعل تقديم عمارة للكتاب يشير إلى صلة فكرية قائمة بينهما، فقد أصدر عمارة منذ فترة كتابًا كبيرًا في دار الشروق المصرية، يحمل عنوانًا مماثلاً: الإسلام في عيون غربية: بين افتراء الجهلاء.. وانصاف العلماء. وهو كثير الاحتفاء بهذه الشهادات، وتتكرر الاستشهادات بالأقلام الغربية في مصنفاته الأخرى.

صدر كتاب ثابت عيد عن دار الرشاد المصرية في 135 صفحة من القطع المتوسط، يتكون الكتاب من ثلاثة فصول: الفصل الأول عبارة عن ترجمة لمقالة يوحنا كريستوف بيرجل، والتي كتبها الشاعر الألماني احتفاء بشيمل بمناسبة بلوغها السبعين، ألقاها في بون كمحاضرة، ثم نقّحها فيما بعد لتنشر في كتاب تذكاري عن شيمل صدر فيما بعد عن دار بيتر لانج في سويسرا عام 1994 بعنوان: (إن الله جميل يُحبُّ الجمال).

تحدّث ثابت عيد في مقدّمته للترجمة عن عدم قصور اللغة العربية على نقل المعارف الألمانية، وأن القصور لا يلاحق اللغة بل هو عائد إلى من يدّعي عجزها، في معرض ردّه على أحد المترجمين المصريين، مشيرًا إلى أن هؤلاء المترجمين لم يقرأوا التراث العربي، فمن منهم قرأ الجاحظ والتوحيدي وأبا العلاء المعري وإخوان الصفا والحريري وتراث المعتزلة والغزالي وابن رشد؟! وينقل عيد بعد هذا التساؤل نصًّا عن الدّميري من (حياة الحيوان الكبرى) ليرينا (عبقرية اللغة العربية وفداحة جهلنا بها) [ص 12، 13].

ثم نقل للقارئ العربي شكوى شيمل من عدم اكتراث العرب بآداب الدول الإسلامية غير العربية، وعدم الاكتراث بالطبع عند ثابت عيد يشمل عدم اهتمام العرب بما يحدث في هذه البلاد، وهذه المسألة من المسائل التي تستحق الوقوف أمامها، وإن كان المترجم انتقل منها إلى الحديث عن جلال الدين الرومي.

ربما كانت حركة الترجمة قياسًا للإبداع الأدبي في بلاد الهند والسند وأفغانستان وباكستان وغيرها من البلدان الإسلامية بطيئة وما يقدم من ترجمات قليل، لكن حركة الترجمة بدأت منذ وقت مبكر، فنلاحظ رعاية طه حسين في الجامعة المصرية لترجمات عربية عن الفارسية، حتى أنه قدّم بعض هذه الكتب ولا تزال تُطبع بمقدمته، ولم تقتصر الترجمة على المتون الفارسية فحسب، بل إن الدراسات المبكرة عن الأدب الفارسي اعتنى بها الأساتذة المصريون كما فعل أمين بك الشواربي مع دراسة إدورد براون عن تاريخ الأدب في إيران، ونلاحظ من خلال مطالعة إنتاج عبد الوهاب عزّام وما كُتب عن جهوده أنه رائد من روّاد الدراسات الشرقية في البلاد العربية، نقل عن الفارسية والأوردية وغيرها من اللغات كتابات لولاه ما عرفنا عن كُتّابها شيئًا، فقدّم على صفحات مجلة الرسالة والثقافة المصرية محمد إقبال للمرة الأولى مترجمًا أشعاره عن الأوردية والفارسية، وكذلك فعل مع كتب تاريخية مدوّنة بالفارسية، وكذلك قدّم الرّومي للمرة الأولى عربيًا في العصر الحديث، ونشر مقالات عن شعراء الأمم الإسلامية غير معروفين في الدرس العربي، وتوّلى تلاميذه من بعده المهمة التي اضطلع بها، ومن يطالع دراسات محمد عبد السلام كفافي عن الأدب المقارن يلاحظ ذلك بوضوح، ويكفي أن نقرأ الترجمة الراقية للمثنوي التي تلت (فصول من المثنوي) لأستاذه.

 كذلك قدّم محمد غينمي هلال مختارات من الأدب الفارسي في هذا الوقت، وترجمت سعاد قنديل كتاب الولي الهندي الهجويري وهو من المتون الصوفية التاريخية الهامة، وقدّمت لنا من شعراء الصوفية أبو سعيد بن أبي الخير وتلا تقديم فريد الدين العطار لعزّام ترجمة لأغلب أعمال العطّار عن الفارسية كمصيبت نامه وإلهي نامه ومنطق الطير وبعض أشعاره الأخرى. وكما ترجم إبراهيم الدسوقي شتا المثنوي ترجم لسنائي الغزنوي حديقة الحقيقة وإذا كان سمير عبد الحميد أتمّ العمل الذي بدأه عزّام بتقديم إقبال إلى قرّاء العربية فإن إنتاجه في نقل المعارف الأوردية لم يقتصر على ترجمة دواوين إقبال في صورة فاقت النظّم العربي لعزّام وتممت ما فقده القارئ سابقًا مع إعادة النظم وحذف بعض الأشعار فإن جهد سمير عبد الحميد اتسع لينقل كتابات أخرى تتعلق بالسياسة والدين لأعلام من الهند، ونقل بعض الشعر والقصص الحديث كما فعل الدسوقي شتا من قبل وانتقل من ترجمة التصوف لترجمة القصص والروايات وكتب الفكر الأخرى.

وإذا أتينا على ذكر انتقال آداب الأمم الإسلامية لن يسعنا هذا التقديم، لأنها مسألة تحتاج إلى بحث على استقلال، يكفي أن نشير إلى أن أهم مؤسسة عربية تنقل آداب الأمم الإسلامية عن الأوردية والفارسية وغيرها من اللغات لا يزال إنتاجها إلى اليوم يخرج لنا جزءًا كبيرًا من هذا الإبداع، وكذلك تقدم لنا الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر بعض الترجمات عن الأدب الأفغاني .. فأن نذكر في سطر عدم العناية بالآداب ربما يوهم هذا بما هو ليس كائن بالفعل.

وعودة إلى عمل ثابت عيد نلاحظ أنه التفت إلى أن مولانا جلال الدين الرومي من أهم الشخصيات التي أثّرت في أنّا ماري شيمل وشعرت برابطة قوية بينها وبين هذا الصوفي الكبير، ومن باب التعريف بالرّومي ينقل عيد للقارئ العربي، كلمة عنه ومصدره فيها (ضحى الإسلام) لأحمد أمين، ويحيل على كتابه مرتين، في الوقت الذي يشير فيه إلى ترجمة شتا وكفافي في الصفحة السابقة، ويجعل هذا الفعل ثابت عيد محلاً للانتقاد، فكيف ننقد المترجمين أنهم لم يقرأوا التراث ونحن لم نقرأ مثلهم.

ويحاول عيد أن يخدم القارئ العربي فيذكر أنه في نهاية مقال بيرجل ذكر كلمة (السحر الحلال) وحتى لا يلتبس المعنى على القارئ ينقل لنا نصًّا عن رسائل أخوان الصفا ليحتل في الكتاب عدة صفحات (17-21) ويترك للقارئ استنباط المعنى ولا يعلّق على النص، مريدًا بذلك أن ينقل القارئ إلى عصر ازدهار الحضارة الإسلامية.

وهنا نقطة تستحق التنبيه، كانت أنّا ماري شيمل كما يرى أحد الألمان وكما يستشعر القارئ العربي تنظر إلى الشرق من منظور متحمّس بعين المحبّ الهائم، الذي يعيش تاريخًا يفارقه الواقع أحيانًا ويبتعد عنه أحيانًا وينتقي وينتخب منه ما أراد، لكن نظرتها هذه لم تمنعها عن التعاطي مع الأمور بمنهجية علمية، في حين أننا لا نقرأ للمترجم عنها (ثابت عيد) ما يظهر علمية الشرقي، ولا أظن أنه من الصائب أن يقدّم ثابت عيد على أنه تلميذ لشيمل، ويمكن أن نتعرف على الفارق بين خدمة النص المترجم إذا ما طالعنا الترجمات العربية لشيمل بقلم عيسى علي العاكوب فقد ترجم لها ثلاثة من الأعمال الكبرى (وأن محمدًا رسول الله) وهو عمل كبير أنجزته بعد انشغال أربعة عقود، و(أبعاد صوفية للإسلام) وهو مجموعة محاضرات هامة عن التصوف الإسلامي، و(الشمس المنتصرة) وهو من أبرز الأعمال التي قدّمت الرّومي إلى الجمهور الغربي والعربي، نجح العاكوب في تقديمها محبًّا عارفًا مقتدرًا.

وفي الصفحات (21-48) ينقل ثابت عيد المقال المختصر عن سيرة شيمل العلمية، يحوي المقال صنوف الكتابات والترجمات التي قامت بها شيمل على امتداد عطائها المعرفي حتى عام 1995، ويمكن لمن يطالع سيرة حياة شيمل أن يظفر ببيلوغرافيا مختارة تقترب مما ورد في هذا المقال، حرص الناشر الألماني على إلحاقها بالسيرة، وترجمها كملحق للنص عبد السلام حيدر إلى العربية، ونُشرت في المجلس الأعلى للثقافة بمصر عام 2004، ومما تجدر الإشارة إليه أن الأستاذ محمد عوني عبد الرؤوف حاول أن يعرف القارئ العربي بعطاء هذه السيدة الجليلة فكتب مقالاً عنها وعن مؤلفاتها نُشر في مجلة أدب ونقد بمصر، عام 2003 في العدد 213، ليكون عمله خلفًا لحديث الذكريات الذي قصّه الأستاذ مصطفى ماهر في مجلة الهلال المصرية وقت تسليم شيمل جائزة في ألمانيا تقديرًا لجهودها.

ويتلو ترجمة المقال التعريف في كتاب ثابت عيد حوارًا أجراه مع شيمل في زيارتها لمدينة لوزرن بسويسرا عام 1995، ويعنون عيد الحوار بكلمة (محاكمة الغرب) [ص 49-73]ويختار للحوار أوهامًا عشرة كما يسميها يريد من شيمل أن تبدد هذه الأوهام:

  • الإسلام يضطهد المرأة .
  • الإسلام عقيدة منحرفة وتحريف متعمد للحقائق.
  • الإسلام دين النار والحديد.
  • الإسلام دين الشهوات.
  • نبي الإسلام قد ضلّله الشيطان، وهو المسيح الدّجال.
  • الإسلام لا يعرف حقوق الإنسان.
  • المسلمون يعادون الغرب.
  • الجهاد هو الحرب المقدّسة.
  • لا يوجد إلاّ اتجاه فكري واحد في الإسلام. 10- الإسلام يعادي العلم .[ص52-53].

أجابت شيمل عن الأسئلة بالطبع، لكنها لن تبدد وهمًا عند الكثيرين، فمن الوهم أن يتصور مثقف وقارئ أنه أصاب باختيار أسئلة لحوار مع مثقفة بحجم شيمل بناء على مطالعة الصحف لا مطالعة ومدارسة إنتاج من يجري معه الحوار، يقول ثابت عيد ذلك في بداية الحوار الذي اعتبره (تحدّيًا) : (ثم إنني ترددت قليلاً في قبول هذا التحدي نظرًا لضيق الوقت، ولكنني فوجئت بالأستاذ شولتس يرسل لي بطاقة دعوة مطبوع عليها اسم شيمل واسمي، فلم أجد بعد ذلك مجالا للاعتذار، تفرّغتُ حوالي أسبوعين لأدرس بهدوء ما كتبته الصحافة الألمانية والسويسرية عن شيمل بعد الإعلان عن حصولها على جائزة اتحاد الناشرين الألمان، وكانت حقًّا تجربة مريرة لمست من خلالها عداء الغرب الشديد للإسلام وجهل معظم النّقاد الذين علّقوا على حصول شيمل على جائزة السلام).

ربما كان الحوار متعلّقًا بالرّاهن، لكن عيد يخبرنا في مقدمة الكتاب أنه عرض الترجمة على شيمل وبيرجل، ألم يكن من الأولى أن يجري حوارًا أوسع من (تبديد الأوهام، ومحاكمة الغرب) وبخاصة أنه بصدد نشره في كتاب، فمن يقارن بين هذا الحوار المنشور في كتاب، وحوار سابق أجري معاها ونُشر في (مجلة) فكر وفن، يجد حوار الفكر أهم من حوار الصحافة والإعلام، إذ الفكر ينصب على جهودها وأعمالها الحقّة، وشيمل لم تكن تهتم بقضايا الواقع كانشغالها بالتاريخ والفكر الذي ملأ حياتها وانعكس في إنتاجها المعرفي.

ثم اختار ثابت عيد مقالة لشيمل عن التصوف في الإسلام ترجمها عن الكتاب التذكاري الذي أشرف عليه بيرجل صاحب المقالة التعريفية السابقة، بدأ ثابت عيد مقدّمة الترجمة بذكر مثالب المستشرقين العنصريين! في حين أن المقالة تتحدث عن الوجه الجمالي في الإسلام وتنشر محاسن هذا الدين، وحاول عيد أن يدافع عن الإسلام فأخطأ في الاستهلال وبقية الدفاع، فنقل مقولة عن مستشرق -وصفه بالجاهل كما وصف غيره بالسخافة وغيره بالحقد الدفين-  يقول إن شيمل لا تستطيع أن تزور السعودية لأنها تعادي التصوف والمتصوفيين، واعتبر عيد هذا القول من المستشرق جهلاً، فالسعودية لا تعادي التصوف، بل ترحب بالتصوف الذي يخلو من الشطط وليس أدل على ذلك من طبع السعودية لكتاب (مدارج السالكين) لابن تيمية واضع الكتاب وتلميذه ابن القيم  (كذا في ص 78!)  وهو خطأ ربما صدر عن عيد بسبب علو حماسته وعاطفته الدينية التي جعلته يربط بين الدولة والدين، وينسى أن يراجع ما يقول على ضوء التاريخ أو الواقع، فكتاب مدارج السالكين من المعروف أنه لابن القيم وليس لابن تيمية وهو شرح لمنازل السائرين للهروي، وهو من الكتب التي حتى هذه اللحظة محل خلاف في قبولها عند السلفيين بسبب ما ورد فيها من أفكار صوفية، مما حد بالشيخ المصري (الفقي) أن يصنع لهذا الكتاب (تهذيبًا) ليحذف منه ما شاء ويتصرف كيفما شاء في النصّ ليرضي من يتابعون درس ابن القيم، فإذا كان الوضع في التعامل مع الكتاب على هذه الصورة في مصر، فكيف بالسعودية.

إضافة إلى ذلك فإن شيمل في سيرة حياتها حينما زارت السعودية حُرمت من زيارة النبي في المدينة ومن دخولها بالطبع، وهو ما جعلها مستاءة بالفعل من هذه الزيارة، وصف شيمل للزيارة في المرة الأولى والثانية -رغم دعوتها بشكل رسمي- كأنها تصف تجربة خطف أو اعتقال! لم تذكر كلمة (جميلة) في وصفها للرحلة سوى مرتين مرة وهي تصف الجامعة، ومرة وهي تصف حديقة كأنها الأحلام في بيت زارته صحبة أستاذة جامعية كل البيت (مصنوع) صنعًا بتبذير مدهش..لم تتحقق لشيمل في المرتين زيارة النبي وهي ما كانت ترجوه بشدّة حتى آخر حياتها، فقد شاهدت من قبل في أفغانستان والهند وباكستان وبخارى وسمرقند وتركيا تبجيل النبيّ وكتبت عنه كتابًا يفيض بالنور والمحبة . وما حُرمت منه شيمل في السعودية تحقق في جميع البلدان الإسلامية الأخرى التي يكون الموروث الفارسي جزءًا رئيسًا من ثقافتها، لكن أحد الباكستانين أهداها (لحظات من الفرح والسرور) حينما أخبرها بأنه رآها وهو في المدينة المنورة في التلفاز السعودي وهي تحاضر، فسعدت بذلك كونها وإن حُرمت جسدًا من زيارة المدينة فإن صورتها كانت هناك.

تبقى نقطة أخيرة تتعلق بهذا الكتاب، وهي حواشي النص وهوامشه، فالمحاضرة المترجمة في عشر صفحات [ص 84-94]، تلتها هوامش في أكثر من ثلاثين صفحة أقل ما توصف به أنها ليست خادمة للكتاب، وتتعارض مع فكر السيدة التي ترجم لها المحاضرة التي أرادت أن تعرّف فيها الجمهور بقلب الإسلام وروحانيته.

 

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!