اهْدِنَا: من الوحدة إلى صحبة الأمة

اهْدِنَا: من الوحدة إلى صحبة الأمة

اهْدِنَا: من شهادات المسلمين الجدد

بقلم: د.أمنيّة النجّار

 

كتبت فيما قبل في مقالات وفي دراسات أكاديميّة عمن أطلقتُ عليهم الإسلاميين الجدد في محاولة للتفريق بين الإسلام السياسيّ التقليديّ وبين الأشكال الجديدة التي تدعو لقراءات فقهيّة تتناسب مع المتغيرات الاجتماعيّة، والسياسية دون أن تفقد تماماً القناعة بأنّ الإسلام هو دين ودولة. وفي الفترة الأخيرة، بدأ اهتمامي بمن يطلقون على أنفسهم المسلمين الجدد، أي الذين اعتنقوا الإسلام من الغربيّين. وكان في تجربة كلّ مسلم جديد تتبّعت مساره كمّ رائع من الإخلاص والالتزام والحماسة جعلني أعتبرهم لا يقلّون أهمية عن مجددي الدين من العلماء الكبار الذين يجود بهم الزمان في  كلّ عصر، فيكونون بمثابة منارة للعلم وتثبيت لليقين وإيقاظ للهمم.

المسلم الجديد بحث، وعرف، فذاق، واغترف.

ولمّا أيقن وأسلم وجهه لله، صدق، فأخلص.

وعندما أكبر الهداية، استجمع الهمة للتبليغ وللدعوة.

تساءل البعض منهم: لِم لَم يبلغنا أحد من قبل عن هذا الدين؟

ولأنّهم يعرفون حالهم قبل الإسلام، ويعيشون حالهم بعده، فكانوا أقدر من المسلم الذي أسلمه أبواه على الكشف عن “ميلاد جديد” لأرواحهم، وجدوا من خلاله سكينة طالما كانت ضالتهم المنشودة.

في قصّة كلّ منهم وجدت نفسي أعيد اكتشاف الإسلام، ومعنى الإخلاص.

وفي قصّة كلّ منهم لحظة تكاد تكون مشتركة عندما يروي كيف توجه إلى الله – بين شك ويقين، وتردد وإقبال – متضرعاً: “يا الله اهدني”.

فكانت الهداية، وكانت الأنوار العامرة بالشكر لله على نعمته.

 

المبشر الذي وجد الله

لم يكن يوسف إستس  Yusuf Estes يعرف أنّ القدر الذي ساق إليه رجل مصري مسلم للعمل في تجارة والده سيغيّر مسار حياته ويقلبها رأساً على عقب.

وُلِد يوسف إستس علم 1944 لأسرة بروتستانتية في كليفلاند في ولاية أوهايو. انتقل لولاية تكساس عام 1949. درس إدارة الأعمال واللاهوت، وعمل واعظاً يهتم بما أطلق عليه الموسيقى الكنسية  والتبشير بالمسيحيّة بالإضافة إلى عمله في تجارة والده.

هذه الخلفية جعلته يرفض توظيف والده لمصري مسلم لأنّه كما يقول تعلّم من الإعلام أن المسلم إرهابيّ. وعندما أصر والده، وضع إستس شرطين لأوّل لقاء مع الموظف الجديد: أن يكون يوم أحد بعد القداس في الكنيسة، وأن يلقاه وهو يرتدي قبعة كُتِبَ عليها “المسيح هو الرب”.

وكان اللقاء الذي قال عنه إنّه صدمة لأنّ الموظف كان رجلاً حديث المظهر، ومهذب ومجد في عمله. وتفاجأ كثيراً من صدقه، والتزامه بالصلاة في وقتها وتفريقه بين الحلال والحرام، فقال لنفسه ولصديقه القس الكاثوليكي: “هذا الرجل لو تنصر لجعلنا منه قديساً على الفور”.

وقادته خطته لأن يبدأ حوارات مع المسلم فتحت عليه أبواباً من معرفة جديدة. أولها أن المسلم ربه واحد، ورسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وكتابه واحد هو القرآن، لم يتغير منذ أن نزل به الوحي. وثاني باب للمعرفة كان اكتشاف أن المسلم يؤمن بكل الأنبياء والرسل، وأنه يحب المسيح ويجله. أما الباب الثالث فكان القصص في القرآن الذي لا يختلف عن معظم ما يعرفه في المسيحيّة.

هذه الحوارات جعلته يقرأ القرآن الذي أهداه له الموظف المسلم، فكانت له وقفة روحيّة مع سورة الفاتحة والآية الكريمة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) لتبدأ رحلة البحث وتنتهي بإسلام القس الكاثوليكي وزوجة يوسف إستس، الذي يقول أنه تردد لأنه أراد أن يكون علي يقين، فإذا به يسجد لله كما كان يرى المسلم يفعل ويسأل الله: “اهدني”.

فلما كانت الهداية، يقول يوسف إستس إنّ الإيمان “هو ما يرسخ في باطن الإنسان، وهو الإخلاص”.

اعتنق يوسف الإسلام عام 1991، وبدأ يدرُس اللغة العربية ويتلقّى علوم الدين على أيدي العلماء من المشايخ.

وبدأ يعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام، وانخرط في مجال الدعوة، وقدم برامجاً دينية في مصر في قناة الهدى Huda TV، وأنشأ مواقع دعوية بلغ عددها 2,900 موقع يبث على مدار اليوم.

كما أنشأ قناة   Peace TV في الهند، ثم أوّل قناة إسلامية في الولايات المتحدة وهي قناة “اهدنا” “Guide Us TV” إلى أن تحقق حلم الفضائية الإسلاميّة في الولايات المتحدة وكندا لتقدم برامج لأكثر من 300 مليون شخص.

ويلقي إستس المحاضرات في جميع أنحاء العالم عن الإسلام، وفي السجون الأمريكيّة، ويوفر عبر موقع مجاني للقرآن نسخاً من القرآن لمن يريد أن يقرأه ليتعرف على الإسلام، كما وفر تطبيقات على الهاتف المحمول لخدمة الإسلام.

ورغم تقدمه في العمر، يبدي إستس الحماسة والإخلاص في التعريف بالدين وفي احتضان المسلمين الجدد.

وعن رحلته إلى الإسلام يقول: “من يريد الهداية فإنّه لا إله إلا الله، وهو الذي سيهديه”.

 

من الوحدة إلى صحبة الأمة

رحلة إبراهيم هيويت Ibrahim Hewitt إلى الإسلام  بدأت عام 1971 بزيارة قام بها إلى جنوب إفريقيا تلبية لدعوة أصدقاء هنود مسلمين.  هيويت الذي يعمل كرجل مبيعات ويقيم في أحد ضواحي العاصمة الإنجليزيّة لندن لفت نظره نظام التمييز العنصريّ في جنوب إفريقيا وقتها، وكيف كانت هناك قوانين تفصل بين العرق الأبيض  whitesوغيره من العرقيّات non-whites. وجد نفسه لا يتمكن من التواجد مع أصدقائه في معظم الأماكن التي ستلفظهم لأنّهم هنود أو تمنع دخوله لأنّه أبيض. فما كان من أصدقائه إلا أن دعوه للقاء داخل حرم المسجد، وهنا كانت الرسالة الأولى: المسجد مكان للعبادة وللتعدديّة.

تساءل: “كلّ هذا التمييز العنصري الذي رأيته، كل هذه الفُرقة على أساس العرق، إذن ما هو الذي يتميز به الإسلام والمسلمون، ويجمع الناس أجمعين؟”

هذا التساؤل دفع به للقراءة عن الإسلام، وهو الذي كان حتى ذلك الوقت لا تجمعه أي صلات بالمسلمين، وبدأ بقراءة القرآن الكريم في ترجمة إنجليزيّة وكتابين آخرين.

استمر البحث لعامين، تعرف فيهما أكثر على الإسلام واسترجع نشأته التي وصف حاله فيها أنّه لم يكن مسيحياً متديناً، قائلاً: “كنت اؤمن، ولكنّني لم أكن أعرف بماذا أؤمن”.

وكانت بداية تعرفه على التوحيد في صيغة “لا إله إلّا الله”، ووجده امتداداً لما في التوراة وفي الإنجيل، إلّا أنّه لم يجد به الحديث عن ثالوث وصفه بأنه كان دوماً ما يشعره بوجود إشكاليّة.

وازداد ارتباطاً بالإسلام من قصة قرأها في السيرة عن محاولات قريش استمالة الرسول عليه الصلاة والسلام للتخلي عن دعوته، فما كان أن كان الرد القاطع: ” والله لوْ وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يُظهره الله أو أهلك فيه ما تركتُه”. وجد هيويت في هذا الحديث تصديق لأمانة محمد، فتعمق أكثر في قراءاته، وامتنع بالتدريج عن شرب الخمر وعن لحم الخنزير. ويتذكر هيويت أنه في يوم ممطر شعر فيه بالوحدة والكآبة، وجد نفسه يسجد، متضرعاً: “يا الله ساعدني”.

وكانت الهداية عندما ذهب لمهمة عمل في كيلبورن، وبعد انتهاء مهمته وجد مكتبة قرر أن يتزود منها بكتب جديدة، وهناك التقى سوداني مسلم، ودار الحديث عن الإسلام، ودعاه الرجل لزيارة المسجد، وهناك وبدون أي ترتيبات مسبقة نطق الشهادة. ويقول: “لقد استجاب الله لدعائي”.

وبدأ تحول جديد في حياته انتقل فيه من حياة الوحدة للحياة وسط أفراد المجتمع المسلم، وهو ما أهله للخطوة التالية فيما بعد وهي النشاط الدعوي. وترأس مجلس أمناء الصندوق الفلسطينيّ للإغاثة والتنمية، وعمل ككبير محرري مركز الأبحاث ميدل ايست مونيتور، وأحد مؤسسيه. كما أنّه كخبير تعليميّ ومدير مدرسة الأقصى في مدينة ليستر البريطانيّة.

 

هوامش

-موقع يوسف إستس:

https://yusufestes.com /

-موقع قناة “اهدنا” “Guide Us TV”:

https://guideus.tv/

-يوسف إستس يتحدث عن قصته:

https://www.youtube.com/watch?v=Euy1-3MrPrw

-لقاء قناة الحوار مع إبراهيم هيويت:

https://www.youtube.com/watch?v=HeUyp2wiyxk

 

 

 

 

 

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!