السماع الصوفي بين الجمال والجلال

السماع الصوفي بين الجمال والجلال

السماع الصوفي بين الجمال والجلال

 

د.سناء بن سلطن

باحثة في التصوف- المغرب

 

 

1- مفهوم السماع: محاولة تعريف

يعد مصطلح السماع مصطلحا مشتركا بين عدة حقول معرفية؛ إذ نجده عند أصحاب علوم الحديث، والنحاة، وعلماء الكلام، والصوفية[1]، على أن هؤلاء قد أولوه عناية كبيرة سواء من خلال التآليف والكتابات التي حاولت تأصيل هذا المصطلح وبلورته معرفيا في الحقل الصوفي، وتأسيس شرعيته الدينية اعتمادا على الكتاب والسنة وسيَر أحوال الصحابة والصوفية الأوائل[2]، أو من خلال توسيع المادة الإنشادية للسماع، خصوصا مع ظهور أسماء شعرية صوفية كبرى كانت لنصوصها بالغ الأثر في إغناء المادة الإنشادية للسماع، مثل “أبي مدين الغوث”، و”ابن الفارض”، و”الششتري”، و”البوصيري”[3].

ونظرا لكثرة الخلافات و السجالات التي سيقت حول السماع ومشروعيته الدينية بين الفقهاء والصوفية، بل حتى بين الصوفية أنفسهم، رغم أن الأصل فيه عندهم الإباحة[4]، فقد تعددت تعريفاته لديهم، واختلفت باختلاف الأحوال والمقامات التي وصلوا إليها. وإجمالا فإن السماع عندهم سماعان: سماع مطلق، وسماع مقيد. السماع المطلق هو سماع عن الله بحيث يصبح العارف يفهم عن الله ويسمع من كل شيء إشارات ودلالات و تسبيحات صادرة من الحق تعالى، ومن لم يتحقق بهذا السماع فهو فقير مدّع لقول “أبي عثمان سعيد المغربي”: «من ادّعى السماع، ولم يسمع صوت الطيور، وصرير الباب، وتصفيق الرياح فهو فقير مدع»[5]. ولعل هذا ما يفسر قبولهم لنصوص شعرية غزلية وخمرية، وتواجدهم عليها لما تنطوي عليه من دلالات وإشارات توافق أحوالهم ووقتهم، بغض النظر عن مراد الناظم وقصده. ونجد في الحكاية التالية دليلا على أن السماع المطلق يثمر فَهما عن الله يتصل بباطن الصوفي وأحواله فقد «سمع عتبة الغلام رجلا يقول: سبحان رب السماء إن المحب لفي عناء، فقال عتبة: صدقت، وسمع رجل آخر ذلك القول فقال: كذبت، فكل واحد سمع من حيث هو»[6].

 إن هذا التباين في الرد، كما يتبدى من الحكاية، نابع مما كَمُن في سر السامعين؛ لأن الصوفية ينطقون من حيث وجدُهم وحالُهم لا من حيث قصد الشاعر في شعره، ومراد القائل بقوله[7]. فمع أن كلام الرجل واحد، ووقت تلقيه وسماعه، على مستوى الحس، من طرف “عتبة الغلام” والرجل الآخر واحد، فإن جوابهما جاء متباينا على مستوى المعنى؛ أي من حيث الوقت والحضور؛ لقول صاحب اللمع: «إن السماع على حسب ما يقرُّ في القلوب من حيث شغله ووقته وحضوره…»[8]. ثم إن السماع المطلق، بالإضافة إلى كونه سماعا عن الله، هو سماع غير مشروط بنغم.

السماع المقيّد، وبخلاف المطلق، مشروط بالنغم، ويرتكز على إنشاد القصائد على اعتبار «أن النغمة الطيّبة رَوْح من الله تعالى، يروِّح بها قلوبا محترقة بنار الله تعالى»[9]. فهذّا السماع، أي المقيّد، يشترك فيه الخاص والعام، وإن كان الخواص ، بما هم أهل تمكين، في مقام عال لا يحتاجون فيه إلى سماع بأنغام؛ لأن الأنغام مخاطبات وإشارات تجتذب حظوظ البشرية في المستمع لتهذب روحه، وتصقل مرآة قلبه لتؤهله للحضور التام الذي يصله أرباب السماع المطلق. وهو ما يجعل حضور الخواص وأهل التمكين في مجالس السماع المقيد، يطلب أحد أمرين:  إما مساعدة إخوانهم من أجل الترقي، أو تلقين أهل البدايات شرائط السماع وآدابه. وقد يحضرون معهم بظواهرهم دون بواطنهم؛ بحيث يكونون باطنيا في بينونة وانفراد عنهم[10]. فحضور المشايخ الكمّل في هذه المجالس يكون بغاية التهذيب والتأهيل، لعلمهم التام بأن السماع المقيّد لا يضيف إلى القلب شيئا بقدر ما يحرك ما فيه، لذلك حُظر السماع على من غلبت عليهم نفوسهم؛ لأنه سيحرك ما إليه يميلون من لهو وشهوات ومجون وهوى، أمَّا من عمرت آنية فؤادهم بمعاني الحب الإلهي والشغف بالقرب من الحضرة الربانية، فإن السماع يهذب باطنهم، ويصقل مرآة قلوبهم، وينمي في سريرتهم حلاوة الإيمان، فتزكوا أسرارهم، وتتغذى روحهم ليرتقوا في أعلى عليّين، وهذا ما عبر عنه “ابن عجيبة” بقوله: «إن للسماع سرعة ظهور الأحوال الزكية أو الدنية؛ فمن كان قلبه مع ربه حركه سريعا إلى حضرة قدسه، ومن كان قلبه مع حظه وهواه حركه إلى حظوظه ومناه، لأجل ذلك يظهر من سقط في أسفل سافلين ومن ارتفع في أعلى عليّين»[11].

لذا ركزت تعاريف الصوفية في أغلبها على السماع المقيّد[12]؛ باعتباره السماع الذي أصبح متداولا وسائدا معناه عند جميع الصوفية، ولكونه الأحوج إلى التوضيح بالنسبة للمريدين المبتدئين؛ذلك أنه يشتمل على النغم الذي هو موضع رفض ونفور من لدن البعض خوفا من الوقوع في الفتنة، ما دام السماع يحرك ما في القلوب ولا يضيف لها شيئا كما عبر معنا.

 

 2- السماع بين الجمال والجلال

 سنحاول هنا إضاءة السماع المقيد انطلاقا من خلال تجربتين صوفيتين تنتميان إلى نفس الطريقة وهي الدرقاوية (نسبة إلى شيخها المؤسس العربي الدرقاوي)، لكنهما تتباينان في أسلوب الدعوة والممارسة، وتتمثل الأولى في تجربة الشيخ “أحمد بن عجيبة” (تـ 1224ه) الذي اتخذ الجلال وخرق العوائد و التقشف و لبس المرقعات بابا للوصول إلى معرفة الله وتجربة الشيخ “محمد الحراق” (تـ1261ه) الذي اتخذ من الجمال والتمتع بالطيبات وشكر الله عليها مذهبه الصوفي في السلوك والتربية والتلقين،  ومن خلال هاتين التجربتين سنحاول التأمل في مفهوم السماع انطلاقا من ثنائية الجمال والجلال.

يعرف أحمد بن عجيبة السماع فيقول: «السماع استماع الأشعار بالنغم والموسيقى»[13]، و هو، بهذا التعريف، يقربنا من دلالة السماع المقيّد الذي يرتكز على إنشاد القصائد، والمشروط بالنغم. إلا أن المتأمل في هذا التعريف يجده يتكون من عناصر ثلاثة ذات أبعاد جمالية صرف، وهي عناصر قد ينبري البعض إلى القول، للوهلة الأولى، إنها تتعارض مع تجربة خرق العوائد التي التزم بها “ابن عجيبة”، واتخذها بابا للوصول والمعرفة، وتنسجم بالضرورة مع تجربة الشيخ “الحراق” الذي اعتمد في دعوته إلى الله على التمتع بالطيّبات ظاهرا وباطنا، وشكر الله عليها. ولتفسير هذا التعارض الظاهري نذهب إلى القول إن الجلال والجمال، باعتبارهما مصطلحين صوفيين، متعالقان ومتلازمان تلازما روحيا باطنيا يعبر عن مستوى من مستويات الكمال في التجربة الصوفية، كما أن حضور كل من الجلال والجمال لا يعني التباعد والاختلاف بقدر ما هو تبيان لمسار التجربة السلوكية التي يقطعها السالك الصوفي في ترقيه المعرفي إلى أن يصل في معراجه الروحي إلى حد تتوحّد عنده المتناقضات، وينطوي عنده الإحساس بالضدية.

ففي ضوء هذا التلازم الروحي الذي هو تعبير عن “نفس الكمال” بين ثنائية الجلال والجمال نفهم صدور ذاك التعريف الجمالي لابن عجيبة من داخل تجربة خرق العوائد، هذه التجربة التي لا ينبغي ولا يصح حصرها في ثوبها التجريدي فقط؛ لأن صاحب التجريد يصح له أن يخوض في الجمال ويتحدث عنه، كما يصح للمتسبب أن يتطرق للجلال ويخوض فيه، ولعل هذه المزاوجة والتناوب في الإخفاء والإظهار بين الجلال تارة، والجمال تارة أخرى لدليل على وصول كل من المتجرد والمتسبب إلى مقام الكمال الذي تغيب فيه وتنمحي كل الأضداد والمتناقضات، فعند ذاك يغدو صاحب مقام الكمال، يسرح حيث يشاء بين هذه الثنائية؛ لا الجلال يمنعه عن رؤية الجمال، ولا الجمال يحجبه عن رؤية الجلال، فهو برزخ بينهما أبدا، وفي هذا ما يلغي ويدحض ذاك التعارض الذي قد ينبري البعض إلى تسجيله حول صدور ذاك التعريف الجمالي “لابن عجيبة” للسماع من صميم تجربة خرق العوائد، وهو تعريف يكشف، من جهة، مقام الكمال الذي وصل إليه “ابن عجيبة”، ويفسر من جهة ثانية الخلفية الجمالية للممارسة الجلالية للسماع في النسق الصوفي العجيبي.

 إن هذه الرؤية المزدوجة والمتباينة للسماع بين التعريف والممارسة لدى “ابن عجيبة” تكشف بجلاء بأن السماع في حد ذاته ليس جماليا ولا جلاليا، وإنما تتحدد جلاليته أو جماليته بحسب الوظيفة المُسنَدة إليه، وكذا بحسب الممارسة السماعية له. فهذا الشيخ “ابن عجيبة”، وبالرغم من تعريفه النظري الجمالي السابق للسماع، فإنه لم يستثمر هذا التعريف الجمالي للسماع في ممارسته السماعية الفنية؛ بل إنه ظهر به ظهورا جلاليا، ومارسه من داخل تجربة التخريب و التجرد و خرق العوائد كما يحكي في “فهرسته”، يقول: «فلما قبضت الورد من شيخنا البوزيدي رضي الله عنه، لبست جلابة غليظة من جلاليب أبي نداف، كانت لبعض أصحابنا، فلما رآني الشيخ بها فرح فرحا شديدا، وتحقق أنه سيفتح عليَّ في أسرار الحقائق، وكنت حين لبستها بائتين معه عند الحاج الزكامي في عرصته خارج تطاون، فدخلت المدينة بتلك الجلابة والفقراء معي يذكرون الهيللة والناس ينظرون ويتعجبون»[14]. ويذكر كذلك في موضع آخر من “فهرسته” كيف واجههم أهل بعض المداشر بالحجارة يقول: «ولما وصلنا إلى مدشر واد الزرجون رمونا بالحجارة، وصفروا علينا، فضرب الحجر واحدا من الفقراء على كتفه، ونحن نذكر الجلالة لا نلتفت إليهم حتى وصلنا إلى جامعهم فبتنا عندهم فلم يأت منهم إلا القليل»[15].

تتضح من خلال هذين النصين المفارقة الجلية بين تعريف “ابن عجيبة” للسماع وبين ممارسته له، فالإطار العام الذي يحكم دعوة “ابن عجيبة” المتسمة بخرق العوائد هو ما حكم ممارسته السماعية التي كان الغرض منها «تذكير عباد الله وتلقين الأوراد»[16]، بل إنه كان يعتبر الناس الذين يدخلون معه في دعوته بأنهم «يتوبون إلى الله ويرجعون إليه أفواجا، فانقلب الفحص كله يذكر الله»[17].

بخلاف هذا المسار، وفي انفصال عن هذه الممارسة الجلالية للسماع، سنلفي قرين ابن عجيبة في الفقه والتصوف “محمد الحراق” يطبع ممارسته السماعية بطابع تجربته الصوفية الجمالية، بحيث لم يختر الخروج الجماعي إلى المداشر، ولا نشر دعوته عن طريق الذكر بالجهر في الفضاءات العامة، وإنما بنى زاوية له ولأصحابه بعدما منع من الذكر في المسجد، وذلك من أجل تحصين دعوته وأصحابه من الاضطهادات والانتقادات التي قد تصدر من لدن من لا يفهمون معنى الذكر، ولا يدركون الغايات الروحية والتربوية والجمالية التي يتغيّاها. كما نجد الشيخ الحراق يقوم بتوسيع و إغناء المادة الإنشادية السماعية، فينظم في القصيد والموشح والملحون (شعر بالعامية المغربية) حتى تتمكن جميع الشرائح والأطياف من فهم معانيه العرفانية التي ضمنها في كل هذه الأنماط الشعرية، لكي يتحقق التجاوب معها حين تُرنَّم وتُنغم في حلقات السماع.

هكذا نستطيع أن نتبين جمالية السماع أو جلاليته انطلاقا من الوظيفة الروحية المسندة إليه، وكذا انطلاقا من ممارسته العملية والتطبيقية. وهي الممارسة التي منحت لمفهوم السماع في الطريقة الحراقية بعدا جماليا صرفا، بل عدّ أكبر مجلى من مجالي هذه الجمالية؛ نظرا للعناية الكبرى التي أولاها له مؤسس هذه الطريقة وتلامذته وأحفاده من بعده. وإن كان الشيخ الحراق  لم يتناول في تآليفه وتقاييده “السماع” في جانبه النظري كما فعل “ابن عجيبة” بل إنه أشار إليه وأجازه ضمنيا في أشعاره ومن خلال توظيف مصطلحات جمالية دالة عليه كالرقص والطرب والفرح … اللهم بعض الإشارات المضمرة والخفية التي تشير إليه، كقوله عن الشيخ “أبي العباس المرسي” في المقدمة الدالة التي سبقت شرحه “للحكم العطائية” «لم يتعرض رضي الله عنه للقدح في المرقعة والرقص والطرب كالمخزومي ومن بعده حسبما نقله شيخنا ابن كيران ومال إليه… وذلك لكمال علم الشيخ أبي العباس المرسي بطريق القوم، لأنه لا ينكر ذلك من أحوالهم إلا من لا ذوق عنده. ولو كان عنده ذوق من ذلك ما أنكره، لأن أرباب الأشواق لحضرة التلاق لا يطيقون الصبر عند ذكر كل ما يشير إلى محبوبهم أبدا»[18]. وهو نص يفيد أن الشيخ “الحراق” يجيز الرقص والطرب، ويعتبر المُنكِر لهما بالذي «لم يذق من الطريق شيئا»[19]. وتعتبر إجازته هنا للرقص والطرب إجازة ضمنية للسماع باعتبارهما من العناصر المكونة له. وقد استمر الشيخ على هذا النهج في الدلالة على السماع والتحفيز المضمر عليه أيضا في نظمه الشعري حيث يقول:

– يهز بالرقــص من أعطـــافه فرحــا
– فتراقصـــوا طربــا علــــى لذاتهـــم
– وشربت من خمر الملاحة شربة
– وانشد من اشعارك في الحسن نغايم
– ينشـد فالــحبيب سجـــالو وشعـــارو
– قـــــــم وارقـــص واغنــــم لــــذات
  أيامه أبدا بالــــراح خضـــــراء[20]
وتواجدوا فيه بـذاك وصاحوا
هززت من طربــي بها أعطـافي[21]
نجمك صاح صارفي صعود سماه[22]
والقــــــوم مـــن اهـــواه سكـــارا[23]
فايـدات عـــمرك ذا الســـاعــــات[24]

ويبدو أنه لما كان السماع نوعا من أنواع الذكر، فإن الشيخ “الحراق” في كتاباته ونظمه استغنى عن الجزء بالكل، وصار حديثه عن الذكر فيه إشارة إلى السماع بوصفه امتدادا للذكر، هذا الأخير الذي يعد ركنا من أركان الطريقة الحراقية،  نقرأ في إحدى براوله:    

ذِكْرُو حْقِيقْ للقلبْ دْوَا     v      يْشْفِيهْ مْنْ سْقَامُ اوْهَامُوا[25]

وفي “تائيته”:

  فطهِّر بماءِ الذكر قَلْبك جَاهِدا   v      بِصِدق اللَّجا واغسِله من كلِّ علـةِ[26]

أي  بالذكرِ تتطهر القلوب من جنابة الغفلة وسِقام الأوهام وحجب الأغيار، فتتأهل بذلك لتلقي الأنوار وإشراق الأسرار:

لأنّ ذكره كمْ أثمرتْ نخلاتُه    v       من الخيرِ حتى صار للحجُبِ يَمحقُ[27]

وبذلك تنغشي عن الفؤاد الغشاوة ويزول عنه العمى يقول:

ذكرُ الإلاه به يُنـالُ رضـاهُ    v      ويزولُ عن بصرِ الفؤادِ عماهُ

كم قد سَمَا بدوامِه من مُخلِصٍ    v      فيه فأشرقَ في الوجودِ سنـاه[28]

إن عناية الشيخ الحراق، إذن، بالسماع هي جزء من عنايته بالذكر، بل إنه يقرن بوضوح بين الذكر والأوراد والعِمَارة بوصفها مظهرا لأرقى لحظات الوجد في مجالس السماع؛ أي لحظة الرقص الصوفي يقول:

دِيمَا تْرَاه بَيْنْ اوْرَادُ واذْكَـارُ   v     عَنْدُ فكل وَقْتْ عْمَــارا [29]

على أن استعاضة الشيخ “الحراق” بالذكر في شعره ورسائله* عن استعمال لفظ السماع يرجع، من جهة، إلى كون السماع نوعا من أنواع الذكر، كما يعود إلى كون الذكر له شرعية قرآنية تجعل تداوله مقبولا لدى الجميع. وهذا مظهر جمالي في تجربة الشيخ “الحراق” الذي كان يحترز من كل ما قد يساء فيه فهمه، خصوصا وأن  السماع، كما يقول تلميذه الحاج “العربي الدلائي”، «وقع للأئمة فيه كلام كثير»[30]، مما قد يجعل من الخوض فيه سببا لقطع دعوته عن المقاصد الروحية والجمالية والتربوية التي أنيطت بها. أضف إلى ذلك أن عدم اهتمامه بالجانب النظري للسماع من حيث شروطه وآدابه وحكمه يشي بتكامل الطريقة الدرقاوية في وجهيها العجيبي الجلالي والحراقي الجمالي؛ حيث ركز الشيخ “ابن عجيبة” على الجانب النظري للسماع، فيما أفاض الشيخ “الحراق” في الجانب التطبيقي منه، وهو تكامل ينفي من جهة ذاك التضاد والتنافر الذي قد يبدو في الظاهر بين التجربتين، ويعضد من جهة أخرى ذاك التلازم الروحي بين ما هو جمالي وماهو جلالي، ومدى تلازمهما في التربية الروحية للوصول إلى الكمال الذي لا يتحقق إلاّ بالجمع بين وصفي الجلال والجمال، حتى يكون صاحبه على اعتدال في ظاهره وباطنه.

 

 

 

الهوامش 

__________________________

[1] – انظر: الدلالة الاصطلاحية للسماع في هذه الحقول المعرفية، في كتاب فتح الأنوار فتح الأنوار في بيان ما يعين على مدح النبي المختار، محمد التهامي الحراق، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية،2011م…، ج.1، ص.99.

[2] – انظر: اللمع، أبو نصر سراج الطوسي، تحقيق عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور، مصر1960م،ص.342-344.

 

[3]موسيقى المواجيد، مقاربات في فن السماع الصوفي المغربي، محمد التهامي الحراق، منشورات الزمن، كتاب الجيب، العدد 54، 2010م، ص.28.

[4] اللمع، ص.347-348، و الفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية“، ابن عجيبة، تحقيق وتقديم: محمد عبد الرحمن الأوسي، اليمامة للطباعة والنشر، دمشق، الطبعة الأولى 1998م. ص.246-274.

[5]الرسالة القشيرية في علم التصوف، تحقيق معروف زريق، وعلي عبد الحميد بلطجي، دار الخبر، الطبعة الأولى 1993م.ص.341.

[6]الرسالة القشيرية، ص.346.

[7] اللمع، ص.370.

[8] – نفس المصدر، ص.362.

[9] – نفس المصدر، ص.339.

[10] – نفس المصدر، ص.367.

[11]الفتوحات الأصلية شرح المباحث الأصلية، ص.276.

[12] – انظر الرسالة القشيرية، ص.340-348؛ واللمع، ص.342-343.

[13]شرح المباحث الأصلية، ص.273.

[14]الفهرسة، ابن عجيبة، تحقيق عبد الحميد صالح حمدان، دار الغد العربي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1990م. ص.53.

[15] – نفس المصدر، ص.50.

[16] – نفس المصدر، ص.49.

[17] – نفس المصدر والصفحة.

[18]النور اللامع البراق،محمد العربي الدلائي: تحقيق، محمد نور الدين الحراق، رسالة مرقونة بكلية الآداب بتطوان، ج.2، ص.621.

[19] – نفس المصدر والصفحة.

[20]شعر محمد الحراق الصوفي، تحقيق ودراسة وصفية تحليلية، نعيمة بويغرومني، رسالة جامعية مرقونة بكلية الآداب بالرباط، ص.195. (وهو ما سأنعته فيما سيأتي باسم الديوان).

[21]الديوان، ص.238.

[22] الديوان، ص.292.

[23] الديوان، ص.288.

[24]الديوان، ص.284.

[25]الديوان، ص.287.

[26] الديوان، ص.213.

[27]الديوان، ص.240.

[28]الديوان، ص.262.

[29] الديوان، ص.289.

* – نسجل بأن الشيخ الحراق في ختام معظم رسائله يحض مريديه على الذكر، ويحثهم عليه، ويدعوهم إلى الاجتماع في الزاوية مع الإخوان.

[30]فتح الأنوار فيما يعين على مدح النبي المختار، ج.2، ص.54.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!