كنوز الأسرار في الصلاة على النبي المختار (قراءة وصفية)

كنوز الأسرار في الصلاة على النبي المختار (قراءة وصفية)

 

 

 

 كنوز الأسرار في الصلاة على النبي المختار ..قراءة وصفية

                                                                سناء بن سلطن

 

 

يندرج موضوع هذه المقال ضمن التعريف بإسهامات المغاربة في التأليف في الصلوات النبوية والأدب النبوي، وقد خصصناه لتقديم قراءة وصفية لمؤلَّف “كنوز الأسرار في الصلاة والسلام على النبي المختار وعلى آله وأصحابه الأبرار” لصاحبه عبدِ الله بنِ محمدٍ الخياط الهاروشي الشُّرَحبيلي[1]، نسبة إلى الصحابي شُرَحبيل ابن حسنة أحد كتبةِ الوحيِ، المغربي الفاسي منشأ وداراً ثم التونسيِّ رحلة ووفاة، توفى الشيخ الهاروشي سنةَ 1175هـ بتونس. وهو ،كما قال عنه أحد مترجميه، “من العلماء العاملين الأخيار، الملازمين للأوراد والأذكار، والصلاة على النبي المختار، وكان من الفقهاء السّادة مع صلاحٍ وورعٍ وزهادة “.   

ويعد الهاروشي من بين رجالات المغرب الذين أغنوا حركة التأليف الصوفي في الأدب النبوي، بما جمعه من صلوات ضمها في كتابه “كنوز الأسرار” الذي هو موضوع قراءتنا. وبالتذييل الذي وضعه عليه المسمى بـ”الفتحِ المبين والدر الثمين في فضل الصلاة والسلام على سيد المرسلين“.

ويقين، أن عناية المسلمين عامةً، والمغاربة خاصة، بجمع الصلوات النبوية، وكذا نسجها بصيغ وكيفيات مختلفة، راجع إلى محبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وإلى تعلقهم بجنابه الشريف؛ إذ لا مدخل ولا وصول إلا من بابه فهو الواسطة؛ إذ “لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط” على حد قول مولاي عبد السلام بن مشيش في صلاته الأثيرة نصها عند أهل المغرب، وهو أيضا ما عبر عنه الشيخ محمد الحراق شعرا بقوله:

ومَنْ قد أتَى من غيرِ نـورِ محمـدٍ      فأقدامه في مهوة الـغي زلَّتِ

يرومُ دخول الدَارِ من غير بــابِها      ويطلب هديا بالأمور المضلة

فهذه المحبة وذاك التعلق هما ما يفسران وجود تلك الصيغ العديدة للصلوات النبوية، التي ظل إحساس التقصير يصاحب ناسجيها. يقول لسان الدين ابن الخطيب:

مدَحتْكَ آيَاتُ الكِتابِ فما عسى         يُثني على علياك نظم مديحــي

وإذا كتابُ الله أثْنى مُفْصحـاً      كان القُصُورُ قُصَارَى كلِّ فصيحِ

فهذا الإحساس بالعجز عن عدم إيفاء حقه والإحاطة بقدره صلواته وسلامه عليه هو ما جعل ابنَ مشيشٍ يدعو في صلاته بقوله: «صلاة تليق بك منك إليه كما هو أهله».

فإذا كانت المحبة هي الدافعُ إلى استنباط العلماء والأولياء كيفيات في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، فإنها كانت أيضا السبب الرئيس وراء جمع الشيخ الهاروشي لهذه الصلوات كما ينضح بذلك قوله: «هذه الصلوات جيِّدات، عظيمة الأجور والمنوبات، تُمْحَق بها إن شاء الله السيئات، وتنمو بها الحسنات… جمعتها محبة في سيّد السادات، وأفضلِ أهل الأرض والسماوات، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الهداة»[2].

فهذه الصلوات النبوية التي جمعها وضمّها في كتابه “كنوز الأسرار…” عبارةٌ عن ورد اشتمل على ثلاثٍ وخمسين صلاة، ضم في الربع الأول تسعَ صلوات وفي الربع الثاني سبعا وثلاثين صلاةً، وفي الربع الثالث خمسَ صلواتٍ، وفي الربع الرابع صلاتين، وهي صلوات جمعت بين صيغ مأثورة مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وصيغٍ أخرى، وهي أكثر هذه الصلوات، مما أنشأها واستنبطها صفوة أولياء الله العارفين الذين غرِقوا في شهود أنواره، ففاضت عليهم أنوار العرفان، وتجلت في صلواتهم بشكل واضح للعيان، كما يتبين من هذه الصلاة التي نسبها الشيخ الهاروشي إلى أحمد البدوي المتوفى سنةَ (675هـ) والتي نصها: (اللهم صل على الشجرة الأصلية النورانية، ولمعة القبضة الرحمانية، وأفضل الخليقة الآدمية، وأشرف الصورة الجثمانية، ومعدنِ الأسرار الربانية، وخزائن العلوم الاصطفائية، صاحب القبضة الأصلية، والبهجة السنية، والرتبة العليّة، من اندرج النبيّون تحت لوائه فهم منه وإليه، اللهم فصل وسلم وبارك عليه وعلى آله عدد ما خلقت ورزقت وأمت وأحييت إلى يوم تَبعثُ من أفنيت”[3].

ويذهب الشيخ الهاروشي إلى القول بأنه قصد تقديم ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما استنبطه أولياء أمته، مستندا إلى قول محتسب الصوفية أحمد زروق الفاسي في شرحه على حزب البحر للإمام الشاذلي «واعلم أن للشارع في كل باب من المطالب إفادة، وللأولياء في ذلك زيادة، فمن جمع من إفادة الشارع وزيادة الأولياء كان على اهتداء واقتداء ومن أفرد أحدهما كان نقص بحسب ذلك، لكن نقص الاهتداء يمنع الفائدة، ونقص الاقتداء قد لا يضرُّ لأنه مقو فقط والوقوف معه بهجران ما ورد شرعا مضر دنيا وآخرة». إلى أن يقول: «إذا أردت العمل بذكر وِرْدِ ولي في باب، فقدِم ما ورد عن الشارع في ذلك»، وهو أيضا في هذا ينحو منحى الإمام الجزولي في كتابه “دلائل الخيرات” بتقديم ما ورد عن الشارع على الكيفيات الأخر لكون صاحب الدلائل هو القدوة والمرجع على حد قول الهاروشي نفسِه حين كتب: «وأنت خبير بأن الجزولي رضي الله عنه إنما ابتدأ كتابه “دلائل الخيرات” بما ورد ثم بعد ذلك أتى بكيفيات أخرى غيرِ واردة، وإنما هي من مقولات الصالحين وهو القدوة فالمَرجِعُ إليه، والمُعَوَّل عليه»[4].

لذا نجد الهاروشي قد نهج منهج الجزولي كذلك في تخليل هذه الصلوات بالأدعية والأذكار، وختمها بكيفية من وجوه ذكر الباقيات الصالحات والاستغفار، كما عبر عن ذلك بقوله في مقدمة كتابه: «وخللتها بدعوات أرجو من الله سبحانه وتعالى أن تكون مستجابات، وختمتها بكفية من وجوه ذكر الباقيات الصالحات، واستغفار يمحو الأوزار والخطيئات… »[5]. ولعل هذا النوع من التصنيف يدخل في باب الأذكار والأدعية والأوراد، هذا الباب الذي عرف إسهامات كبيرةً بعد تشعب الطرق الصوفية وبخاصة مع مؤلَّف إمام الجزولي “دلائل الخيرات”.

أما عن قيمة هذه الصلوات، فإننا نلفي الشيخ الهاروشي في آخر مقدمة كتابه “كنوز الأسرار” يبين أهميةَ هذه الصلوات وقيمتَها الروحيةَ والمعنويةَ وكونَها تغني عن كثير من التآليف التي صنفت في هذا الباب فيقول: «فجاءت أي هذه الصلوات، بحمد الله كاملة الذات والصفات، ونافعة في الحياة وبعد الممات، وآخذة باليد في العرصات، ومنجية من الغمرات، ومبلِّغة إلى أعلا الغُرفات، وفيها إن شاء الله تعالى غُنية عن كثير من التآليف المطوَّلات والمختصرات»[6].

كما نلفي الهاروشي في موضع آخر من مصنفه الثاني الذي وضعه كتذييل لكتاب “كنوز الأسرار” والمسمى بـ”الفتح المبين والدر الثمين في فضل الصلاة والسلام على سيد المرسلين” يتحدث عن قيمة هذه الصلوات التي هي عبارة عن ورد كما سبق وأشرنا والمتمثلة في كونِها تعلما في قالب توجّه، وتوجُّها في قالب تعلم حين قال: وأنت إذا تأملت هذا الورد المبارك وجدته كما قال العارف بالله سيدي أحمد زروق: «تعليم في قالب توجّه، وتوجّه في قالب تعليم، إن جئته من حيث العلمُ وجدته كامنا فيه، وإن جئته من حيث العملُ فهو عينه، وإن نظرت فيه من حيث الحال وجدته لائحا عليه حسبَما شهد بذلك شاهده. فما رأيت أحدا سمع من كلامه شيئا إلا وجد له أثرا في نفسه، ولا يقرأه إلا كان له مثل ذلك»[7].

وقد جمعت هذه الصلوات  بين «إفادة العلم وأدب التوجه، وتعريف الطريقة وتلويح الحقيقة، وذكر جلال الله وعظمته وكبريائه، والثناء على أعزّ خلقه عليه صلى الله عليه وسلم، وذكر حقارة النفس وخستها والتنبيه على خدعها وغوائلها والاشارة لوصف الدنيا وحقارتها والخلق وطريق الفرار من ذلك والتذكير بالذنوب والعيوب ووجه التنصل منها، مع الدلالة على خاص التوحيد وخالصه واتباع الشرع ومطالبه»[8].  الفتح المبين ص 241.

هذا وإن ما يطبع خصوصية كتاب ” كنوزالأسرار” بالإضافة إلى ما ذكره مؤلِّفه هو ذاك التذييل الذي وضعه عليه الهاروشي والمسمى كما سبق معنا” بالفتح المبين والدُّرِ الثمين في فضل الصلاة والسلام على سيد المرسلين” الذي كان الغرض منه التأسيسَ لمباني صلوات “كنوز الأسرار” وتفسيرَ بعض معانيها وإلحاقها بأصحابها كما نقرأ ذلك في قوله : …” وسنتبعها ،أي هذه الصلوات، إن شاء الله بتذييل يكون كالتأسيسِ لمبانيها، وكالتفسيرِ لبعض معانيها ننبّه فيه على مأخذ كل واحدةٍ منها وما قيل فيها، ويشتمل على مقدمة وثمانيةِ أبوابٍ وخاتمة وتتمة.”

 فهذا التذيِّيل ساهم بشكل كبير في إضاءة ما اشتملت عليه صلوات كتاب “كنوز الأسرار” من إفاداتٍ وخوّاصٍ وفضائلَ وكذا مصادرِ تلك الصلوات ومآخذِها، كما كشف هذا التذييل تعدد روافد مادته العلمية وتنوعها بين فقه وتفسير وأدب وتصوف مما أغنى مادةَ هذا الكتاب وطبعَها بنوع من الخصوصية.

كما أن المتصفح لهذا الكتاب يلمس تنوع المواضيع التي تناولها الشيخ الهاروشي في تذييله لكتاب “كنوز الأسرار” مما أغنى هذا الأخير وأضفى عليه نوعا من الخصوصية العلمية ككلامه على زيارة الأولياء والصالحين وكذا المنافحةِ فيه على صنيع الأولياء باستنباطهم كيفيات في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وكذلك تناولِه لمسألة التسييد، إلى غير ذلك من المواضيع والقضايا المختلفة التي تحيط بموضوع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

هكذا يكون كل من كتاب “كنوز الأسرار” وتذييله “الفتح المبين” جامعا لنفائس كلام القوم من دُرَرِ الفوائد التي لا غنى عن قراءتها والإفادة من مضامينها وتلمس رقائقها.

وصفوة القول، أن الهاروشي في كتابيه سار على منهج واضحِ المعالمِ فصَّله في مقدمتي الكتابين، مما يدل على وضوح في المقصد وتمكُّنٍ من الطرائق الموصلة إليه.

 كنوز الأسرار في الصلاة على النبي المختار ..قراءة وصفية

 

 

[1] – تقديم و تحقيق د. محمد بوخنيفي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط1، 2010م.

[2] – “كنوز الأسرار”، ص.26.

[3] – “كنوز الأسرار”، ص.73.

[4] – “كنوز الأسرار”، ص.230.

[5] – “كنوز الأسرار”، ص.63.

[6] – “كنوز الأسرار”، ص.63.

[7] – “الفتح المبين”،  تذييل على “كنوز الأسرار”، ص.240.

[8] – “الفتح المبين”،  تذييل على “كنوز الأسرار” ، ص.241.

مقالات ذات صله

  1. أزهري سلطان السوداني

    اللهم صلي على الذات المحمديه اللطيفه الاحديه شمس سماء الأسرار ومدير فلك الجمال

    الرد

الرد على أزهري سلطان السوداني اغلق الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!