غياب الخطاب السياسي العقلاني وتصاعد الخطاب المتطرف

غياب الخطاب السياسي العقلاني وتصاعد الخطاب المتطرف
غياب الخطاب السياسي العقلاني
وتصاعد الخطاب المتطرف
د. رائد جبار كاظم
نعيش اليوم على الساحة العربية والاسلامية والعالمية، حالة من التشظي والعنف والانقسام والكراهية على الصعيد السياسي والاجتماعي، وتنامي واحياء الفكر التكفيري المتطرف بكل صوره واشكاله، ومحاولة استعادة الماضي الكريه بكل تمثلاته في واقعنا المعاصر عن طريق شحن الحركات الاسلامية المتطرفة بالفكر الدموي واستعادة خطاب الخوارج والفرق الاسلامية المتطرفة.
نمتلك تاريخياً كماً هائلاً من التراث الفكري التكفيري المتشنج، ليس على المستوى العربي والاسلامي فحسب، بل وعلى المستوى العالمي ايضاً، فقد كان الواقع العربي والاسلامي على مر التاريخ يعيش حالة من الصدام والصراع والتصدع الداخلي والخارجي، والدليل على ذلك كثرة الحروب التي حدثت بعد وفاة الرسول محمد (ص) سواء بين المسلمين انفسهم داخلياً او بين المسلمين والبلاد الاخرى، او ما قامت به اوربا المسيحية تجاه العرب والمسلمين، هذا خارجياً، وليس المقام هنا لسرد تلك المعارك والاحداث الجسام التي حدثت في الماضي والتي تلقي بظلالها على الواقع المعاصر، ولا نريد ان نصف ونرمي التاريخ العربي والاسلامي لوحده بالتعصب والتطرف واشاعة ثقافة العنف والكراهية، كلا والف كلا، فتاريخ العالم بشرقه وغربه، بجنوبه وشماله، مر بسنين عجاف وبغض وتطرف وعنف وقتل ودموية، فالمتتبع لتاريخ الشعوب والعالم يجده يحمل هذه الصفات بأبشع صورها، ويشهد الواقع العالمي المعاصر عودة جديدة لافكار العنف والتطرف والكراهية وصعود الخطاب المتطرف وهبوط وغياب خطاب العقل والمنطق والانسانية والتسامح، والسبب الرئيس والمباشر هو العامل والدافع السياسي البغيض للحكام والسياسيين والحكومات، والشعوب هي من تدفع الثمن الباهض من جراء التوحش السياسي لهؤلاء الحكام والملوك والسلاطين في كل انحاء العالم.
ان محاولة اذكاء نار الحرب العالمية بين الدول واضح جداً، ويعمل الغرب اليوم على تطبيق نظرية صدام وصراع الحضارات، وخاصة العمل على جعل الصراع بين طرفين وليس اكثر وهما الغرب والاسلام والمسلمين، فبعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1989 والذي كان الخصم الرئيس لامريكا، تعمل هذه الاخيرة على خلق عدو آخر يقف بالضد منها، لأن امريكا لا يمكنها ان تعيش من دون وجود عدو، كما يقول المفكر والسياسي الامريكي صموئيل هنتنغتون في كتابه (من نحن)، وقد تم صناعة ذلك العدو بالفعل منذ احداث 4/ ايلول/ 2001 في نيورك، والصاق تهمة الفاعل والمسبب بالاسلام والمسلمين، ووصفهم بالارهاب والارهابيين، ليكون الاسلام هو العدو الاخطر على الغرب والعالم والخصم الرئيس لامريكا، ولذلك تجب مجابهته ومحاربته للتخلص منه، وهو ما طرحه هنتنغتون ايضاً في نظريته الصدامية في كتابه ( صدام الحضارات)، وقد بدأت امريكا لتصفية الحساب ليس مع الاطراف الفاعلة والمتهمة للحدث وهو القاعدة والوهابية والتكفير السعودي المتطرف، بل اشعلت الحرب في العراق وسوريا والمنطقة، وبقي المجرم الحقيقي يصول ويجول تحت مسمع ومرأى العالم، وحملت امريكا والغرب الاسلام والمسلمين هوية الارهاب، وهي من وجهة نظرها بريئة من تهمة الارهاب وليست طرفاً في محور الشر، ولكنها لا تستطيع حجب تلك الحقيقة عن العالم، فهي الممول والمروج الرئيس للارهاب والتطرف العالمي، وكل ما يعم العالم من ضجيج ودمار وارهاب انما هو بفعل سياسات مخطط لها ومبرمج في مطابخ الغرب السياسية ومراكز البحوث والدراسات الاجنبية، وما على الاغبياء والمجرمين من الحكام العرب والمسلمين الا تطبيقها وتنفيذها على شعوبهم وبلدانهم، فالغربي يخطط، والعربي والمسلم الممسوخ ينفذ، هذه هي بأختصار القضية اليوم، شركاء في الاجرام والارهاب والتدمير واشاعة العنف والتطرف والكراهية في العالم، فالكل مسؤول عن الفوضى والدمار والانقسام والتعصب الموجود في عالمنا اليوم على سطح هذا الكوكب السابح فوق نهر الدم.
وحين يسأل احدنا من المسؤول عن هذه الفوضى العارمة في هذا العالم، وهل جميع الحكومات والشعوب تخضع لسياسة قوى الشر والارهاب، الا يوجد هناك من يصحح الامر ومن لديه موقف من تلك السياسة الخرقاء الرعناء التي تسود العالم، الا يوجد هناك خطاب عقلاني معتدل يحاول انقاذ العالم من تلك الاحداث والتحديات الخاطئة والخطيرة التي تهدد وجودنا ومستقبلنا البشري، لماذا نرفض تلك الاعمال والاحداث والافكار البغيضة بقلوبنا ونخضع لها ونقتفي اثرها ونكون ادواتها او وقودها، وفي الحالين نحن الخاسرون. وهل نعتقد بأن نهاية العالم ستكون سعيدة تبعاً لتلك الافكار والممارسات الخاطئة؟ الكثير والكثير من الاسئلة تطرح ولكن اجوبتها مختلفة الالوان، بسبب الاختلافات الايدولوجية، دينية او سياسية، وتبعاً لأهواء ومواقف الحكومات من بعضها البعض، ومما يؤسف له غياب المعاني والاصول والمشاعر الانسانية بالكامل من قبل الحكومات والدول التي تتبنى الارهاب والقتل والتطرف والكراهية، وكيف يرجى من تكون سياسته بهذه الصورة ان يكون رحيماً عطوفاً رؤوفاً مع الآخرين وأنيابه تسيل دماً، وفكره يقطر دماً، وسيفه مسلط على شعبه وأبناء قومه ودينه، فكيف بنا نستقطر العفو والرحمة والتسامح من أناس اجانب وأباعد من غرب وشرق، وأبناء جلدتنا يصبون علينا غضبهم وأنتقامهم وكراهيتهم وتطرفهم دون قيد او حد. ولماذا هذا الصمت على ظلمهم وطغيانهم ودمويتهم، رغم ان افعالهم هذه لا تؤثر على بلداننا العربية والاسلامية فحسب، بل غزت العالم بأجمعه، ووقع الجميع فريسة مخالب قوى الشر والارهاب والطغيان، ولكن العالم يقف متفرج امام تلك الافكار السوداء، ففريق يخطط وفريق ينفذ، وفريق ينفذ وآخر يغطي ويتستر، وفريق يقتل وآخر مقتول، وفريق ظالم وآخر مظلوم،ووووألخ من السياسات البغيضة التي تسود عالمنا اليوم.
بماذا يفُسر اقامة التحالفات العسكرية والسياسية الاجرامية والعنفية البغيضة من قبل اطراف حكومية ودولية عربية واسلامية وعالمية على الشعوب المستضعفة والمظلومة، كما يحدث في العراق وسوريا واليمن وليبيا والبحرين وغيرها من البلدان، تحت ذريعة القضاء على الارهاب ومحاربته، وهذا من مهازل الدهر ان يتم محاربة الارهاب من قبل الارهابيين انفسهم، وهل يصدق احد تلك المهزلة، مرة يعقد تحالف عربي ضد دول عربية، ومرة ثانية لتوسيع دائرة الشر يعقد تحالف اسلامي لقتل دول عربية واسلامية، ومرة ثالثة يعقد تحالف دولي عالمي كبير لقتل العرب والمسلمين وابادتهم، تحت ذرائع وحجج شتى، وكل ذلك على مسمع ومرأى العالم اجمع، الارهابيون يوسعون دائرة الارهاب، والمجرمون لا تطالهم يد القانون ولا القضاء ولا المواثيق الدولية والاعراف الانسانية، بل تكون سنداً لهم وستاراً يتخفون تحته لتمرير افعالهم الهوجاء.   
فالخطاب السياسي المتطرف الذي يسود عالمنا اليوم ترك اثره الكبير على كافة مفاصل حياتنا اليومية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية والتربوية والفكرية والعلاقاتية والانسانية وغيرها، لان هذا الخطاب الكريه يسعى لزراعة قيم جديدة وبديلة عن قيم الحب والخير والسلام، قيم لا يقبل بها أي انسان حر ونبيل وسليم في هذا العالم، قيم هي من شريعة الغاب والتوحش والافتراس، لا تمت لقيم السماء ولا لقانون الحب والخير والسلام بشيء، ولكننا نرفض تلك الافكار والاقوال والاعمال بكل ما نمتلك من حب وخير وسلام، ونقف موقف الرافض والمتمرد والثائر على تلك الافكار لانها تمسخنا وتقتلنا وتلغي هويتنا وتهدد وجودنا ومستقبلنا في هذا العالم الكبير المُهدد بزوال قيم الخير والحب والحق والجمال. ونسعى بكل ما اوتينا من قوة لرفض تلك الممارسات والسياسات الخاطئة التي تصاعدت وتيرتها هذه الايام لغرض زعزعة القيم النبيلة وغرس قيم الشر والظلام، ولكن ذلك يبقى رهين حركة الشعوب وتفاعلها وفاعليتها الجادة في التحرك السلمي والشعبي لاشاعة قيم الخير والسلام في العالم.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!