أسطورة أهل الكهف من النص المقدس إلى نماذج من التفسير الشيعي

أسطورة أهل الكهف من النص المقدس إلى نماذج من التفسير الشيعي
أسطورة أهل الكهف من النص المقدس إلى نماذج من التفسير الشيعي
عبد الرزاق الدغري
أعمال الندوة العلمية: الأسطورة في النصوص المقدسة 
كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان
 
لقد احتوت النصوص المقدسة الأساطير لأنها نشأت في سياقات معرفية وتاريخية واجتماعية تحفل بعالم السحر والعجيب والمقدس، ولا ريب في أن الأسطورة كانت إحدى الوسائل التعبيرية المساهمة في تكوين ثقافة الشعوب ومعتقداتهم وللبيئة الاجتماعية التي نشأت فيها النصوص المقدسة والنصوص الهوامش، وقد جسمت الأسطورة رغبة الإنسان في الحفاظ على الذاكرة الجماعية المقدسة التي تمنح وجوده معنى وغاية، ومثلت إنتاجا ثقافيا يجمع بين التاريخ المقدس والتاريخ الدنيوي وخطابا رمزيا متخيلا له دلالات غير متناهية يشمل المكان والزمان والشخصيات المقدسة والأحداث التي يتداخل فيها عالم الآلهة بعالم البشر، لذلك جمعت الكتب المقدسة بين الأسطوري والمقدس رغم أن البعض منها عبر أحيانا عن رفضه للأسطورة ولم يكن النص القرآني بمنأى عن هذه الظاهرة، بل كان مثل غيره من النصوص المقدسة، ذا بنية أسطورية (Structure Mythique)([1]) لأنه ضم الواقع الفكري الجاهلي الذي نشأ فيه والذي يغلب عليه الفكر الأسطوري، واحتوى عناصر أسطورية كان لها صداها الواسع في تلك المرحلة.
 
وقد أعاد المسلمون توظيف الأسطورة وفهمها وفق غاياتهم وثقافتهم ومعتقداتهم، فحضرت في الفكر الشيعي القديم والحديث بشكل مكثف([2])، واستثمر العلماء الشيعة وأهل المذاهب الأساطير المقدسة واعتمدوها في فهم النص القرآني وتأويله وتفسيره والتعبير عن عقائدهم بجعلها تتناسب مع تصوراتهم الدينية والسياسية.
 
وقد آثرنا من خلال هذا العمل دراسة مظاهر حضور الأسطورة ورموزها ودلالاتها في نماذج من النصوص التراثية قرآنا وتفسيرا ونصوصا دينية من أصل كتابي. وسندرس هذه المسألة انطلاقا من قصص قرآنية شكلت مظهرا من مظاهر تجلي الفكر الأسطوري، بيد أننا سنركز على قصة أهل الكهف ونقارنها بعدة قصص وأحداث ورموز أسطورية اشتمل عليها النص المقدس الإسلامي ومثلت أنموذجا للاستدلال على حضور الفكر الأسطوري عند العرب في مرحلة الجاهلية، وبينت مظاهر تفاعل هذا النص مع بيئته ومحيطه الثقافي والتاريخي والكتابي، وكشفت ملامح تأثر مفسريه بأهل الكتاب وغيرهم من الأمم البائدة، فاحتوت كتبهم قصص المجتمع الجاهلي وأفكاره الميثيولوجية.
 
ويهمنا في هذا المقام أن نبحث في طرائق تعامل الفكر الشيعي مع أساطير النصوص المقدسة وأن نستطلع مظاهر إعادة تشكيل الخطاب الأسطوري، وسندرس مساهمة الشيعة في تأسيس خطاب أسطوري نسبوه إلى الكتاب المقدس. ومن الأهمية بمكان أن نستجلي أيضا، علاقة الأسطورة بالمقدس الشيعي، وخصائص تعامل الشيعة مع كل ما هو أسطوري وخرافي وفي علاقة بالمذهب. ونروم أيضا رصد أشكال التوظيف السياسي والإيديولوجي والديني للأسطورة، واستجلاء ملامح التحول في بنية الأسطورة ووظيفتها ومقاربة الأبعاد الرمزية والدلالية التي اكتسبتها.
 
فكيف تعامل الفكر الشيعي مع الأسطورة؟ هل اعتبرها خطابا رمزيا خياليا يتناقض مع الواقع والحقيقة والمقدس؟ أم أنه عدها حقيقة مقدسة وأحداثا تستدعي اليقين والتقديس؟ وكيف ساهم في إنشائها وبلورتها؟ وهل حاول مقاربتها وتفكيكها لفهم بنيتها ودلالتها؟ وإلى أي حد كان وفيا لما جاء في الكتب المقدسة وللأساطير الأولى؟ وما هي أشكال توظيفها سياسيا ودينيا؟ ألا يوجد تطابق بين المقدس وما هو أسطوري؟ وهل إن الأسطورة دخيلة على النصوص المقدسة أم عنصر مشكل لها. متأصل فيها؟ ألم يميز الفكر الشيعي بين الأسطورة والخرافة؟ أم أن الخرافة جزء من بنية العقل الديني؟ وما هي حدود الدين والخرافة؟ وما العلاقة بينهما؟ أهي علاقة انسجام أم تضاد؟
 
1- أهل الكهف بين النص المقدس والموروث الديني الأسطوري
 
أ- الأصول التاريخية لقصة أصحاب الكهف
 
لا ريب في أن النصوص المقدسة أعادت تشكيل عناصر القصص الأسطورية لتتلاءم مع العقلية السائدة وتناسب معتقدات المؤمنين، ويمكن أن نستدل على هذا الرأي بما ورد في سورة “الكهف”، فقد ضمت آياتها مجموعة من القصص ذات طابع أسطوري مثل أصحاب الكهف والرقيم وذي القرنين والخضر (الكهف 9/18-110)، ونحن نميز في هذا البحث بين الأسطورة (Mythe) والخرافة (Fable)، وتميل إلى القول بأن الأسطورة نص مقدس أو حديث وقصة مدونة أو شفوية، تمزج بين الواقعي والقدس والإيمان بعناصر غيبية، ولا تخلو من عالم العجيب والخارق للعادة الذي يشمل الأحداث والأمكنة والأزمنة والفواعل، وتعبر عن تدخل الآلهة في التاريخ، والأسطورة في نظر إلياد (Eliade) حكاية تفسيرية وتاريخ حقيقي يرسم وقائع قديمة ويعبر عن أنموذج تفكير ووعي بشري، وأما الخرافة فإنها تنبني على الخيال والإمتاع([3]).
 
وقد نسبنا أخبار أصحاب الكهف، على اختلاف مصادرها، إلى فن القصة والحكاية والأسطورة لأنها شهدت نسقا سرديا وآخر عجائبيا تخييليا وانطوت على بناء حكائي أسطوري متخيل، ولأن الأسطورة شكل نصي ونظام سيميائي ورمزي يقوم على بنية حدثية وسرد وفواعل، ونلاحظ أن قصة أهل الكهف احتوت عناصر حكائية عجيبة، وجمعت بين الواقع والمتخيل، فقد ذكر القرآن أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آيات الله العجيبة، فتية آمنوا بالله، ناموا سنوات عديدة ثم بعثهم الله ، خالفوا قومهم ولم يشركوا بالله أبدا، آووا إلى كهف، فسخّر الله لهم الشمس، وهيأ لهم مرفقا، يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم حولهم، كانوا يرسلون أحدهم ليجلب لهم الطعام، وقد اختلف الناس في عددهم وزمن بقائهم في الكهف([4]).
 
وتبين لنا انطلاقا من مقاربة الجذور التاريخية لهذه القصة في مصادر دينية مختلفة أنها كانت معلومة لدى اليهود والنصارى، أراد أهل قريش أن يتيقنوا من نبوة محمد، فأرسلوا إلى نصارى نجران ويهودها وفدا يسألونهم ويتعلمون منهم مسائل، لقد انبنى معيار النبوة على التثبت من مدى علمه بأساطير الأولين وقصصهم، وظل مقياس المعرفة أو سعة العلم السبيل الأكبر لتصديق النبوة وإثبات صدق الرسالة وتأكيد التحدي والتفوق في مجتمع يؤمن بالرؤى ويجنح إلى تفسير الوقائع بالغيب ويستبطن الأحلام، وكان من الضروري أن يعلم الرسول نبأ فتية عاشوا في الزمن الأول ومدة غيابهم ونومهم وعددهم وأخبار قيام الساعة وقصة يأجوج ومأجوج، فقد ورد في التفسير أن اليهود كانوا يعرفون حكاية الفتية السبعة، وأنهم طلبوا من القرشيين اختبار محمد حول تاريخ الأولين([5]). وندرك من خلال هذه الأخبار أن حكاية هؤلاء الفتية عظيمة ومقدسة، وأن ما حدث لهم كان خارقا للعادة، ويمكن أن نتبين، كذلك، أن هذه الحكاية تشبه قصة “النيام السبعة” في التراث الديني السرياني واليهودي والمسيحي القديم، فقد ذكرت الروايات أنها وقعت في مدينة أفسس بآسيا أيام حكم الإمبراطور وشياس([6]). لذلك ألفينا تطابقا بين القصة القرآنية وما جاء في التراث الديني لأهل الكتاب حول “النيام السبعة”، وقد حملنا هذا التماثل القصصي إلى نسبة قصة أهل الكهف إلى الموروث الديني اليوناني أو المسيحي، ولعل ما يدعم هذا الرأي أن أسماء هؤلاء الفتية وردت في الروايات المسيحية وتناقلها المفسرون([7]).
 
لقد أثبتت الدراسات القرآنية والمباحث النقدية الجذور التاريخية الكتابية المسيحية واليهودية والوثنية للكثير من العناصر القصصية القرآنية وأخبار الأمم السابقة للإسلام وقصص الأنبياء وسير بعض الشخصيات والكائنات غير الواقعية، فيستعير النص القرآني كلمات دينية من أصل مسيحي أو وثني، ويستمد مادة قصصية ولغوية تهم حياتهم وكراماتهم؛ ومنها ما ذكر في سورة “الكهف” وتعلق بأسطورة “نائمي أفسس السبعة”، لقد اعتقد المتدينون بوجود هذه القبور في أماكن مختلفة من العالم شرقا وغربا، وأضحت قصتهم من التراث الديني الإنساني المشترك وقد كان ماسنيون (Massignon) يظن بوجود قبور السبعة القديسين في قرية “قيو ماشيه” (vieux-Marché) بفرنسا، وساد اعتقاد بأهمية زيارة قبورهم تبركا بهم، لأنهم كانوا بمثابة القديسين المبجلين عند المسيحيين، وفي مرتبة الأولياء الصالحين لدى المسلمين([8]).
 
وتؤكد بعض المراجع انتماء قصة أهل الكهف أو “النوام السبعة” إلى التراث الديني المسيحي القبطي والسرياني، واحتواءها على أصول فكرية وعقدية مأخوذة عن الديانات الثنوية التي تتأسس على النور والظلمة، فتحدثت الأسطورة القبطية عن سبعة شبان من أفسس، فروا من اضطهاد الإمبراطور “ديوكليتان” للمسيحيين سنة 249م، ثم دفنوا في الكهف، إن الإرادة الإلهية شاءت أن تنقذهم، فخصهم الله بمعجزة جعلت حياتهم تعج بالأحداث العجائبية الخارقة، لقد ناموا طويلا، وبعد قرنين عثر عليهم أحياء وقد أصبحت المسيحية الديانة الرسمية للناس([9]). وفي روايات أسطورية أخرى مماثلة من المأثور الشعبي والروائي الإنساني المسيحي تردد أن أميرا وحاشيته ينامون في كهف، ينتظرون البعث وحلول الساعة لنصرة دينهم وخدمة بلدهم، وهم يعبرون عن انتظار نصة الآلهة وحلول خلق جديد([10]).
 
وتذكر النصوص الدينية المعربة عن التراث السرياني([11]) أن الملك “داقيوس” (249-251م) أمر بنحر الذبائح للأصنام في “أفسس”، فقتل عدد كبير من الذين رفضوا أمره، وألقيت جثثه إلى الوحوش والنسور، وقد حرص على إقناع سبعة شبان من النبلاء بنكران دينهم، ولما أنكروا طلبه نزع من أكتافهم شارات الحرير وانتظرهم لأيام حتى يستجيبوا، وإثر ذلك جمعوا مالا كبيرا وتوجهوا إلى جبل إنكليوس، وكان أحد الفتية ويدعى يمليخا يتنكر بأزياء ويدخل المدينة ليجلب لهم الطعام ويأتي بالأخبار، وبعد مدة عاد الملك، فسمع يمليخا وذعر وأخبر رفاقه، فأكلوا بعض ما جاء به، حتى استولى عليهم النعاس وغشاهم سبات، فرقدوا كأنهم قد ماتوا ولم يحسوا بموتهم، ولما علم الملك خبرهم أمر بسد باب الكهف بالحجارة ليكون قبرا لهم، وتقول الرواية إن الله فصل أجسادهم عن أرواحهم لحكمة ومعجزة ربانية، وكان خادما ذلك الملك مسيحيين، أخفيا عقيدتهما، وكتبا اسم الفتية على صحائف من رصاص، ثم وضعاها داخل صندوق نحاسي في الجدار عند مدخل الكهف، ويذهب النص السرياني إلى أن الله ألهم صاحب المرعى، حيث يوجد الكهف، أن يشيد حظيرة للماشية، ولما فتح باب الكهف أحيي الله الفتية وعادت الأرواح إلى الأجساد، وظلوا على نفس هيئتهم ولباسهم، وحين خرج يمليخا كعادته لشراء ما يحتاجونه من طعام فوجئ بأن المسيحية صارت الديانة الرسمية للبلاد. ولما قدم درهما ذهبيا إلى الخباز استغرب أمره وتحلق حوله جمع من الناس وظنوا أنه وجد كنزا من كنوز الأولين، فاعترف بأنه من أهل أفسس وبما حدث له، وحملهم إلى الكهف، فوجدوا لوحين من رصاص داخل صندوق ذهبي عليه ختمان من فضة وقصة هؤلاء الفتية وأسماءهم، ثم حضر الملك ثيودسيوس (408-450م) والأساقفة إلى أفسس ورأى ما أحدثه الله من العجائب في عهده، وأقر مجمع الأساقفة عيدا لهؤلاء القديسين، وشرع الملك والأساقفة يمجدون الله ووزعت لصدقات، وأطلق سراح الأساقفة الأسرى.
 
لا شك في أن هذه المقاطع القصصية تضفي على القصة طابعا عجائبيا، مما يجعلها تنتمي إلى مجال المقدس والأسطوري، ولا يخفى على القارئ شدة التماثل والمطابقة في الأحداث العجيبة والشخصيات مع ما ورد في النص القرآني، ويمكن أن نستخلص من خلال هذه المقارنة أنهما تشكلا من مادة أصلية واحدة تكررت عند المسلمين سنة وشيعة وعند اليهود والنصارى رغم أنهم جددوا توظيف البنية القصصية، فخضعت لأغراض المفسرين والرواة ومذاهبهم، فلئن وظف الموروث الديني المسيحي القصة لإبراز منزلة النصرانية وتأكيد إذعان الملوك لآيات الله التي أحدثها على أيدي القديسين، فإن القرآن ذكرها ليؤكد عقيدة التوحيد، وقد عبرت قصة أهل الكهف عن المرجعية الكتابية والشعبية التي نهل منها النص المؤسس في الإسلام وعلى التفاعل بين هذا النص وغيره من النصوص الكتابية والشفوية المنتشرة في البيئة التي نزل فيها ودوّن.
 
وتفيدنا المقاربة التاريخية للنص القرآني التي تميز القصص الأسطورية من الحقائق التاريخية أن قصة أهل الكهف هي نفسها الحكاية المعروفة بـ”النائمين السبعة”، ولئن لم يذكر الكتاب المقدس هذه القصة لأن الأحداث وقعت بعد انتشار المسيحية فإن الروايات التاريخية في كتب التفسير تشير إلى الأصل الكتابي لقصة أهل الكهف، فهم النائمون في أفسس بآسيا/ تركيا في القرن الثالث الميلادي، ثم جاء القرآن وضم هذه القصة ومنحها روحا إسلامية، مما جعلها من التراث الديني الإنساني لأنها تربط بين الإسلام والمسيحية وتبطن أفكارا قديمة ومعتقدات تتعلق بالنوم والبعث، ويجمعها مع قصص أخرى مثل حياة عيسى ويحيى ومريم العذراء ويوحنا ومريم المجدلية عدة معان، مما يعني أن القرآن احتوى القصص التي نشأت بعد المسيحية والذاكرة الجماعية الدينية الثقافية للشرق القديم وضم التراث الديني اليهودي والمسيحي واحتفى بالعجيب المدهش أو الساحر الخلاب([12]).
 
ومن البين أن قصة أهل الكهف ماثلت عدة قصص قرآنية، إذ احتوت مادة أسطورية عبرت عن تداخل النص المقدس الإسلامي مع نصوص أخرى وعن المخيال الديني والثقافي الإنساني المشترك الذي يجمع شعوب هذه المناطق، فتحدث القرآن بإيجاز عن بعض القصص التوراتية والإنجليزية مثل الخلق والمعاد وعن بعض الأقوام مثل عاد وثمود وأهل الفيل والشخصيات المعروفة في الثقافة الشعبية تاريخيا مثل يأجوج ومأجوج وذي القرنين والمعجزات والكرامات مثل المسخ والغيبة والمعراج، وتثبت بنية هذه القصص أنها تولدت من ذهنية الشعوب السابقة للإسلام وأن المخيال الديني طورها في أزمنة مختلفة، وقد احتوتها الكتب المقدسة لأنها نصوص ثقافية مرتبطة بواقع المجتمعات التي نشأت فيها، ولذلك نرى أن عدة قصص مثلت تكرارا أو تجميعا للحكايات القديمة التي احتفظت بها الذاكرة التوحيدية والكتابية والوثنية في شبه الجزيرة، وعبرت عن التراث الفكري الديني والثقافي المشترك بين الكتابات المقدسة والتصورات الدينية والمعتقدات الشعبية التي توارثتها شعوب وأقوام تلك المنطقة، وتدعم هذه المقارنة فكرة أن القرآن نص جامع ذو بنية أسطورية تتداخل فيه النصوص (intertextualité). لقد احتوى القرآن المادة القصصية والأسطورية واستوعبها ودمجها في نسيجه النصي وأصبحت جزءا من بنيته النصية والأنتروبولوجية والفكرة وأعاد توظيفها لأنه كان للنبي، ولأهل الجزيرة العربية وبلاد فارس أيضا، علم بالكثير من هذه الأساطير والقصص بسبب رحلاتهم التجارية واتصالهم بعلماء الدين والأحبار من اليهود والنصارى ([13]).
 
وتدل عدة مؤشرات لغوية قرآنية على أن قصة أصحاب الكهف تعرضت إلى التحوير والتأويل بفعل التداول الشفوي، وقد شمل هذا الجانب الحديث عن عدد أيام نومهم وأسماء الفتية، فهناك توسع رمزي للموضوعات الروحية والنموذجية المثالية للمادة القصصية في سورة أهل الكهف عامة وبما أن الخطاب القرآني رمزي يعتمد لغة إيحائية فإنه لا يمكن اعتبار الرواية القرآنية التي تنطوي على عناصر أسطورية تقدم معطيات تاريخية أو جغرافية دقيقة وأن الأحداث والشخصيات والأطر المكانية والزمانية فيها واقعية وتاريخية حقيقية، لأن لغة القرآن مجازية وبنيته الأسلوبية تقوم على الاستعارة والخيال، بل أن القرآن يميل إلى الإشارة والتلميح بواقعية الأحداث ليبلغ العبرة، وتحاول الروافد الفكرية والثقافية لأسطورة أهل الكهف التي غدت مخيال المسلمين وطرائق تفكيرهم وتصوراتهم خلال فترة زمنية طويلة تأكيد وقوع قصة أهل الكهف بالفعل([14])، ويمكن أن نستنتج من هذه المقارنة الآتي:
 
أن القصة القرآنية تستعيد جزءا من الحكاية الأسطورية القديمة، فتغير بعض شخصياتها ووظائفها، ولكنها تحتفظ ببعض دلالاتها مثل التوحيد وحماية النفس من الظلم وكيد الملوك الجبابرة، وفي هذه المعاني تشترك الرموز والإشارات والدلالات القرآنية مع ما ورد من قصص توراتية ومسيحية تعلقت بموسى وعيسى وأنبياء بني إسرائيل الذين عاشوا التنكيل والتشنيع، فتدخلت القدرة الإلهية وحل العجيب ونجا الأنبياء بعقيدتهم ودينهم، فنلاحظ أن القرآن يعيد نفس العناصر الحكائية والمكونات الأسطورية للقصة المقدسة، فلا تعارض في القرآن بين الأسطورة والمقدس، وقد بين إلياد (Eliade) أن للأسطورة أبعادا رمزية مقدسة تتعلق بعناصرها الحكائية وبالصور التي تنقلها عن المكان والزمان والكون، فتحمل الكثير من المعاني والوظائف المقدسة([15]).
تكشف قصص أصحاب الكهف أن النبي تدخل في الوحي لأنه كان يحمل هذا الموروث الثقافي، وتثبت أخبارهم أن تأثير البيئة الجاهلية في النص الديني كبيرا، فجاء القرآن مشحونا برموز أسطورية وبقصص مألوفة في محيط الوحي، وكان الرسول على دراية واسعة بهذا الموروث الحضاري والأسطوري.
اشترك القرآن والنصوص التوراتية في بعض مقاصد القصة مثل الصبر والتحدي ونشر التوحيد، وكان التحول في البنية النصية والمضامين القرآنية الجديدة التي تؤكد إرادة الله وقدرته وعظمته بدل التركيز على عظمة الفتية في التراث الديني السابق للإسلام، إن القرآن غيب ذكر أسماء الأشخاص والأماكن واكتفى ببعض الطاقات الإيحائية الرمزية لأن القصة الأسطورية هي من المشترك الديني والفكري الإنساني، فقد نزل الوحي في بيئة يعيش فيها المتدينون الكتابيون والمشركون والعرب وجلهم يعلم الموروث الشفوي، وقد دعا النص القرآني الكتابيين وغيرهم إلى الإيمان بالله وتوحيده وتصديق نبوة محمد، فاستخدم ذلك الموروث لتقريب الصورة وتأكيد المعجزة وتوضيح الدلالة، وتؤكد هذه الفكرة أن القرآن قام على الاقتباس من الثقافات الشفوية والكتابية، وأنه هدف إلى التمثيل والغموض والإعجاز ليظهر صدق محمد وعلمه بأخبار الأولين والآخرين التي ترويها الذاكرة الدينية، في حين أن الروايات الحكائية الأسطورية المختلفة تنوع فيها أسماء الأشخاص وتغايرت الأماكن والتقمصات والرموز الدينية وتجددت الاستخدامات الدلالية والإيحائية السيميائية والمنطقية الدلالية.
أن النص المقدس والإسلامي منه خصوصا يعتمد علامات لغوية وإشارات رمزية وأفكارا سائدة في المجتمع، مثل الغيبة والرجعة وتدخل الآلهة، ولا ينكر تميز عدة شخصيات بكرامات ومعجزات، وتداخل الأزمنة التاريخية والمقدسة الأزلية، وقد حرصت البحوث اللغوية والسيميائية والدلالية على إبراز هذه الجوانب المضمونية والفنية والأسطورية([16]). فما هي العناصر الأسطورية التي اختصت بها قصة أهل الكهف؟ وهل نفى القرآن هذه الأفكار الأسطورية أم عدها مقدسة؟ أليست الأسطورة قصة مقدسة تتناقض مع الخرافة؟
ب- تجليات الأسطورة في قصة أهل الكهف.
 
نلاحظ أن القرآن احتوى قصة أهل الكهف ولم يفند ما جاء فيها من عناصر عجيبة مثلت نقطة اشتراك مع الموروث الحكائي الأول أي مع مصدر القصة، وقد ميزت هذه البنية الأسطورية النص المقدس الإسلامي في عديد سوره، فلا شك في أنه اشتمل على عالم غريب مليء بالخوارق والمعجزات والأحداث الموروثة، مما يثبت أن الأسطورة خطاب لغوي رمزي يمزج بين الواقع والمتخيل، ولها مدلول ثقافي وحضاري، وهي نظام تواصلي تفسيري وخطاب وجودي([17]).
 
وتظهر قصة أهل الكهف عدة عناصر أسطورية عجيبة في مستوى الأحداث والفواعل والأزمنة والأمكنة، فقد عاش الفتية قرونا داخل الكهف، وبات نومهم أمرا عجبا. كانت الشمس تدخل إليهم، لتمدهم بالحياة والدفء، فيتواصل العالم الدنيوي/ الكهف مع العالم السماوي/ المقدس، وكانت أجفانهم مفتوحة حماية لهم من مخاطر محدقة أو لتأكيد أنهم أحياء، ولتضيف إلى شكلهم الرعب والعجب، فتمنع من الاقتراب منهم، فألحقتهم الرواية بالعظماء وجعلتهم من الأصفياء الذين منّ الله عليهم بالكرامات، وتضاعفت العناصر العجيبة في الحكاية لأن الله صار يقلبهم ذات الشمال وذات اليمين حماية لأجسامهم بسبب السنين الطويلة التي مكثوا فيها نياما في الكهف.
 
لكن هل يمكن اعتبار ما نسب إليهم من خوارق من المعجزات؟ وكيف لله أن يمنح المعجزة لغير الأنبياء والمتنبئين؟ أم هي كرامة وهبها الله لحمايتهم من أذية السلطان؟ ألم تكن الأحداث الخارقة المتعلقة بهم من إنتاج مخيلة الرواة وما ترسخ من اعتقادات في الثقافة الدينية الكتابية وما يتميز به الفكر المسيحي من تعظيم للقديسين، فأعاد القرآن أحداث الحكاية، وعدها من آيات الله التي تثبت قدرته على البعث وثواب الصالحين التائبين المحافظين على الإيمان؟
 
لقد أكد النص القرآني أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آيات الله العجيبة وأن الله ضرب على آذانهم عدة سنين، وسخر لهم الشمس لتنفذ إليهم وهم يتقلبون على جنبهم، ثم بعثهم، وجعلت الإرادة الإلهية عدد أيام نومهم مجهولا وسرا من أسرار الغيب وكذلك عددهم، ليعلم الناس أن وعد الساعة حق وليؤمنوا بربهم، ولعل هذا التردد في ذكر عددهم وسنوات اختفائهم يرجع إلى القصة الشفوية التي نهل منها القرآن بسب اختلاف الناس في أمرهم وفي إحصاء مدة بقائهم في الكهف وتعدد مصادر نبئهم وتباين تأويل قصتهم، فركز النص الإسلامي على الإعجاز الإلهي وتأكيد عظمة الخالق وقدرته، ولذلك فإننا نرى أن الله نسب الفعل إليه وذكر أنه جعلهم آية ولم يكن ما حدث لهم من الكرامات ولا المعجزات لأن الاية (Verset) إنجاز رباني وأما الكرامة (Dignité) فأمر خارق يظهره الله على أيدي الإنسان، في حين أن المعجزة (Miracle) تمكين إلهي للأنبياء وتأييد لهم.
 
لقد حافظ القرآن على هذه الرموز والدوال الأسطورية المقدسة التي تعلقت بالأشخاص والأمكنة والأزمنة والأحداث العجيبة، ولكنه غير وظائفها ونوع مدلولات القصة ورموزها، ويمكن أن نفسر هذه البنية الحكائية القرآنية بأن الأسطورة كما تعرفها المباحث البنيوية والمتخصصة في دراسة المتخيل (L’imaginaire) الديني هي نظام رمزي يقوم على دال ومدلول وعلى عناصر قصصية تاريخية مقدسة ومتخيلة ورمزية([18]). وسنعمل على تحليل الرموز الأسطورية التي شكلت هذه الأسطورة.
 
* الأحداث: لقد مثل حدث خروج الصالحين واختفائهم ثم ظهورهم فعلا خارقا ولكنه كان منتشرا ومألوفا في الفكر الوثني والجاهلي والإسلامي، فقد رفع الله إدريس وإلياس وعيسى وبعض المجادلين في البعث، وتذكر بعض الروايات أن يسوع ولد في مغارة، ثم اتخذ طريقه إلى الغاية بحثا عن فضاء مقدس آمن لنشر تعاليمه ومساعدة الآخرين، وأن إلياس ترك قومه وخرج وخلف اليسع، وغاب موسى وخلف هارون، وسخّر يحيى حياته للنسك والزهد وعبادة الله في البرية، وانسلخ بوذا عن كل مظاهر الثرى والترف واتجه إلى الغابات الموحشة، واجتنب الشهوات الجسمانية والملذات المادية، وقد تواترت في النص القرآني ظاهرة الاختفاء والنوم والموت ثم العودة إلى الحياة، لتعبر عن قدرة الله على البعث وحمايته لأنبيائه ومبعوثيه، ومخالفتهم لعقيدة أقوامهم ([19]).
 
* الأشياء: الرقيم: هو من العناصر الرمزية والأسطورية في القصة، فقد ذهبت الروايات إلى تأويله باللوح الذي كتبت عليه أسماؤهم إن اللوح هو إحدى الوسائل التعبيرية عن العلم والاتصال بعالم السماء، فكان للمتنبئين والأنبياء والصديقين ألواحهم وكتبهم، وقد جاء في التفسير أن الرقيم هو الكتاب المسطور، مرقوم بحب محمد وآله، فكانت العناصر التأويلية ذات قيمة وقداسة، جعلت الفتية مثل الأنبياء والمبعوثين ومن الصالحين، ومنحهم صفة الخلود فقد كانت أسماؤهم معلقة على قوائم الكهف ([20]).
 
* الحيوان: كثيرا ما ارتبطت الأسطورة العربية بالحيوان، فتحدثت قصة أصحاب الكهف عن الكلب، ولئن غيبت الرواية المسيحية التي أطلعنا عليها الكلب بسبب ما قد يحمله من صفات النجاسة، فإن الرواية القرآنية تذكره لتثبت قيمة الوفاء ولتؤكد حمايته لأجسام الفتية وحراستهم، فكان وجوده برهانا على صحة الواقعة، وقد ساهمت الرواية التفسيرية في إغناء هذه الشخصية بصفات خارقة، لقد رفض أن يعود إلى الراعي ونطق بلسان ذلق، فكان يوحد الله ويرغب في حماية الفتية من عدوهم ([21]).
 
* الزمان: لا شك في أن الزمن الأسطوري غير محدد بدقة وينضوي ضمن المفارق والعجيب المقدس ([22]). وقد اشتملت الأسطورة الإسلامية على مثل هذا الزمان القدسي، وتمثل في طول المدة التي بقي فيها الفتية أحياء وزمن غيبتهم ثم عودة الحياة إليهم، وقد اختلفت الروايات فيها بسبب طولها لتعدد التأويلات والمصادر الروائية، ولا نستبعد أن تكون المادة الأسطورية مقتبسة من تراث ديني قديم نهلت منه الثقافة الكتابية، كان للناس فيه أعمار مديدة، وكان مقدار نومهم كبيرا ويومهم طويلا. فمنحتهم الأخبار خصالا عظيمة مثل الخلود والتقوى وإجتراح الكرامات، وصيرتهم أبطالا خارقة ورموزا حضارية وإنسانية، ولعل الغاية من إثبات هذه المدة الطويلة كان لترك مجال واسع حتي ينقضي عصر الحاكم الظالم دقيوس، ويحل وقت مناسب ليسهل على الفتية إحداث التغيير الفكري والديني.
 
* الشخصيات: الفتية مكون أسطوري أساسي ورمز دال غني بالإيحاءات، يحيل صغر السن علي القوة والشجاعة والفتوة والقدرة على التحمل وفي هذا الخصلة يشتركون مع الحسين الذي وصفه بأنه من شباب الجنة وعيسى ويحيى ومع صفات الإمام الغائب الذي اختفى في سن مبكر، ويتناسب هذا العصر أيضا مع مفهوم القديس في النصرانية الذي ينزع إلى الزهد والتبتل منذ نعومة أظافره، وقد تعلقت بهذه الشخصيات الدينية آيات وكرامات إلهية ذكرتها النصوص المقدسة والتاريخية وصاغتها المخيلة الدينية لتضفي عليهم هالة من القداسة وقد جعلتهم الروايات التفسيرية آية من آيات الله وعبادا صالحين لا يكلمون إلا الأنبياء أو أوصياء الأنبياء، وشرعت لبناء مسجد في مكان نومهم، فأطنبت في تعظيمهم.
 
والفتية هم من الأشخاص المقدسين في المسيحية والإسلام، لأنهم كانوا من المختارين والصالحين الذين اختارهم الرب لإثبات عقيدة الإيمان بالله، ومنحهم كرامات وطاقة روحية وجسمية جعلتهم ينامون طويلا ويعودون إلى الحياة، وكثيرا ما تحدث الفكر الأسطوري عن شخصيات مبجلة تسكنهم الروح الإلهي، قادرين على الإتيان بالعجائب والخوارق، ومن هؤلاء الأولياء الصالحون وأئمة آل البيت أو هم الذين يعيشون الألق الصوفي ويتحدون مع الله ([23]).
 
وقد دعاهم القرآن بأصحاب الكهف، وذكر اختلاف الناس في عددهم، وأسمتهم الروايات التفسيرية بأهل الكهف، أما المصادر المسيحية فوسمتهم بـ “النوام السبعة”، فهم المجموعة الواحدة التي تشترك في الدفاع عن معتقداتها وعن قضايا الجماعة، وقد تواتر حضور عبارة الأهل والآل في النص القرآني، وهي عبارة تحيل على القداسة، وارتبطت بالتقوى والكتاب والذكر والبيت، وكان أهل البيت أيضا رمزا للوحدة ولمجوعة مصطفاة تحمل مبادئ دينية وتمثل رمزا للاستقامة ومثالا للقيادة، فكان أهل الكهف مثل أهل البيت، دليل صدق وصبر وتحمل للرسالة وتحاول الرواية الشيعية ضبط الأسماء لتأكيد علي واقعية الأحداث والخروج من الطابع الأسطوري لإثبات صدق معاناة آل محمد([24]).
 
* المكان: الكهف، كثيرا ما ارتبط هذا المكان بمعاني القداسة والزهد والترقي والإيمان، ودل على الجهاد لنصرة الحق والحرمان والصبر لتحمل المخاطر، وهو من الأمكنة الضيقة والمغلقة ينعدم فيها الضوء ويحل بها الظلام والبرد، والكهف مكان نزول الوحي المقدس والاتصال بالآلهة، وقد يصبح مقرا لها، ويمثل موضعا لتجلي القوى الغيبية الخارقة، وفضاء مناسبا للعبادة والرقي الروحي والنسك، والكهف والجبل أو الغار في علاقة بالوحي المقدس وبالأنبياء موسى وعيسى ومحمد، وكذلك بالصالحين والمتنبئين مثل بوذا، إن الكهف رمز لكل مكان مهجور وخال ومخيف ومظلم حيث تحل الكائنات السماوية، فقد سقط يوسف في البئر وعاش محمد في الغار وفيه تلقى رسالته، ومثل رمزا للعلم ولقاء الرب، وفضاء للوحي والإلهام والقداسة والطهر والاصطفاء لكل صاحب رسالة ومشروع، وقد أول المفسرون الرقيم، بأنه اسم الجبل الذي يوجد فيه الكهف، وللجبل دلالات مختلفة ترمز إلى مكان الوحي ومقر لقاء الآلهة وإلى صفات العظمة والقوة والقداسة([25]).
 
ونستخلص من دراسة هذه العناصر الأسطورية المشتركة بين القصة القرآنية وما جاء في الأسطورة المسيحية عن “النوام السبعة” أن النص القرآني احتوى الحكاية وأعاد توظيفها واعتبرها آية عجيبة من آيات الله لإثبات عقيدة التوحيد والصبر والإيمان بالله، ومخالفة المشركين، ووصف الفتية بالمؤمنين والمهتدين وبأن الله بعثهم من جديد، ولم يتحدث عن موتهم وإعادة إحيائهم.
 
إن المادة القصصية ونظام الدوال لأسطورة “النوام السبعة” تؤكد انتماءها إلى حضارات سابقة للإسلام، وقد ذهبت الأخبار إلي أن لغتها الأصلية هي اليونانية القديمة أو السريانية أو الإغريقية، نستخلص من هذه المقاربة أن الأسطورة تراث إنساني مشترك، يجمع عدة معتقدات ويعبر عن الوعي الجمعي للبشرية، تنتقل عناصرها من حضارة إلى أخرى، وترتبط بتأويل الواقع ونقده في بيئات مختلفة، ولذلك ألفيناها في الأدب القبطي، والتراث المسيحي، والإسلامي وفي الأدب والمسرح العربيين، فهي خطاب جمعي مشترك يجسم علاقة التقارب بين طقوس الشعوب واشتراكها في أشكال التعبير الأسطوري والموروث الرمزي لكن التأويل والمعنى قد يختلفان من عقيدة إلى أخرى ومن تأويل مذهبي إلى آخر([26]).
 
فما هي أشكال توظيف الأسطورة في التفسير الشيعي؟
 
وأين تكمن مظاهر الانزياح وإعادة التشكيل؟
 
2- الأسطورة: من النص المقدس إلى التفسير الشيعي:
 
للأسطورة حضور بارز في التفسير، تعلق برسم صورة أئمة أهل البيت وضبط منزلتهم،، وسنتبين انطلاقا من قصة أصحاب الكهف ومن بعض المرويات القرآنية والتفسيرية الأخرى بعض مكوناتها الأسطورية، وغايات توظيفها لندرك دور الأسطورة في تأسيس عقائد المذهب وتبريرها لأن الأسطورة هي حكاية أو شكل نصي يؤدي عدة وظائف، ونظام رمزي يمكن من تحويل أي حدث تاريخي مألوف إلى حدث عجيب وخارق، فتبقى الأسطورة خالدة في قلوب الناس، وتشكل قسما أساسيا من عقيدتهم، وقد ذهب أرنست كاسبرر (Ernest Cassirer) إلى أن الأسطورة والدين يجمعان كل ما هو مقدس، ويؤديان أدوارا متشابهة، ويجتمعان ويتعاونان في رقي الفكر والنظرة للكون وتأدية المعتقدات([27]).
 
ذكر علي بن إبراهيم القمي (ت307ه) في سبب نزول سورة الكهف أن قريشا بعثت “النضر بن الحارث” (ت2ه) و”عقبة بن أبي معيط” (ت2ه) والعاص بن وائل السهمي (ت3ق.ه؟) إلى أحبار اليهود بالمدينة، ودعتهم إلى أن يسألوهم عن محمد، فيصفوا لهم صفته ويخبروهم بقوله، لأنهم أهل كتاب، وعندهم ما ليس عند العرب القرشيين من علم الأنبياء، فخرجوا إلى المدينة، وكان رد اليهود بأن يسأله القرشيون عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، وعن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وعن الروح ما هو([28]).
 
وقد تراءى لنا أن التفسير الشيعي نقل قصة أهل الكهف وتوسع في تحليل عناصرها، ونوع الحديث عن مقاصدها، وأشاد بفوائدها، فتوافق النص التفسيري مع القرآن وما ما روته الذاكرة الدينية الكتابية الشفوية والمكتوبة في نقل بعض العناصر القصصية والإيهام بواقعية الأحداث، لقد ذكر الرواة أن أهل الكهف فتية صيارفة كلام، مؤمنون بالله في زمن ملك جبار قاس، يدعو أهل مملكته إلى عبادة الأصنام ويقتل من خالفه، وخرجوا عنه إلى كهف في بلاد الروم في مدينة أركدي، وكان معهم كلب ولما بلغوا الصحراء أخذوا على بعضهم المواثيق والعهود، فألقى الله عليهم النعاس إلى أن هلك هذا الملك ومملكته وجاء أقوام آخرون، ومن أخبارهم أيضا أنهم كانوا يتقلبون كل سنة مرتين/ تقلبين، على جنوبهم اليسرى واليمنى والكلب معهم بفناء الكهف، إن المتمعن في هذه الروايات يلحظ أن التفاسير أعادت ما جاء في القرآن وكونت عناصر أسطورية جديدة مؤلفة من القرآن وروايات أهل الكتاب وعرب الجاهلية، وهدفت إلى إضفاء طابع الحقيقة والوثوقية على الحكاية وإلى التصديق بما حدث للفتية والاعتقاد بولاية آل البيت، ويدرك القارئ أن الغاية من القصة القرآنية لم تعد الدعوة إلى التوحيد وإثبات عظمة الله، وإنما صار التمثيل في القص يهدف إلى إعلاء ولاية آل محمد والأخذ بعهودهم ومواثيقهم والتصديق بكراماتهم، فتبينا التأويل الجديد للقصة، وأهدافا أخرى للمتلقي الشيعي، لقد توسع المخيال الشعبي والديني والتفسيري في إنتاج عناصر قصصية وأسطورية مقدسة جديدة، وقد أثبت علماء النص مثل إيزر (Wolfgang, Iser) أن كل متلق يتقبل النص وفق ثقافته وغاياته، فيحدث فعالية جديدة وجمالية أخرى نابعة عن تحديد قراءته وفهمه له([29])، وقد توضحنا أن تجديد التعامل مع الموروث الفكري والحضاري ساهم في تعدد الوظائف الدينية والسياسية الرمزية للأسطورة.
 
أ- الوظيفة الدينية:
 
لم يكن من مهام المفسر الكشف عن مظاهر العجيب أو المقدس في الأسطورة، بل أن المفسرين الشيعة استغلوا الأسطورة وتأولوها، فأضافوا إليها عناصر رمزية، ودعموها بأحداث ومعان أسطورية أخرى، وساهم المخيال الشيعي في إثبات العقائد الشيعية لترسم الحكايات التفسيرية الذهنية الشيعية وأحلامهم وتجسم بنية العقل الديني والخصائص النفسية للمسفرين فقد أثبت يونغ (Yung) الذي يتزعم المدرسة السيكوليجية أن الأسطورة تصوغ المحتويات النفسية اللاواعية وتكشف عن جوهر النفس ([30]).
 
من بين أن المفسرين الشيعة وظفوا قصة أهل الكهف للاستدلال على عقائدهم، فأثبتوا صحة عقيدة التقية، لقد كان أهل الكهف كهولا، ولكن الله سماهم فتية لشدة إيمانهم وتقواهم وفتوتهم، فسحبوا هذه الصفات على علي والآل، عن أبي عبد الله (ت148ه): “ما بلغت تقية أحد ما بلغت تقية أصحاب أهل الكهف، كانوا ليشدون الزنانير، ويشهدون الأعياد، وأعطاهم الله أجرهم مرتين” ([31]).
 
ومن الواضح أن التفسير الشيعي استغل بنية القصة الرمزية، فاعتمد نظاما لغويا سمييائيا وعرفانيا ([32]) يعبر عن عظمة آل البيت، لقد كان أهل البيت الأوصياء مثل هؤلاء الفتية، تميزوا بصفات خارقة وقدرات عالية، هم أهل التقوى والورع والزهد والدين، صبروا ورابطوا وقاموا وأخفوهم دينهم وقت القهر والظلم، وأظهروا الشرك وأسروا الإيمان حتى جاءهم الفرج من الله، فشاركوا الأنبياء والصالحين والقديسين هذه الصفات والخوارق، وكانوا مثلهم أهل حق وأصحاب رسالة ودعوة، فكتب أسماءهم في صحف من رصاص، عن أبي عبد الله “إن مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف، أسروا الإيمان وأظهروا الشرك، فأتاهم الله أجرهم مرتين”([33]).
 
وإذا أثبتت القصة القرآنية القدرات التي يسرها الله بعض الشخصيات تأكيدا لعظمتها وصحة رسالتها، فإن الحكاية تخرج في التفسير الشيعي من سياقها النصي إلى سياقات تعبيرية أسطورية جديدة تثبت عظمة معجزة الولي وقدراته وصفاته ومؤهلاته الأسطورية وتأييد الله له، فقد مكن الله عليا من الحديث مع فتية أهل الكهف، وسخر له من الكرامات ما أثبت اصطفاءه، فتولدت أسطورة جديدة من رحم الأسطورة الأولى/ الأصل، لقد أصبح الخطاب القرآني موجها إلى علي ليثبت قلبه، وأضحت الآيات العجيبة خاصة به، وحفته العناية الإلهية بخوارق دليلا على التعيين والاصطفاء وبرهانا على شرف المنزلة، وتكشف هذه المنزلة العظيمة للصحابي أن الفكر الإسلامي احتفظ بمفهوم البطل الحضاري الذي يتميز بقدرات خارقة، ونسجت التفاسير القصص دون إحداث تناسب بين الآيات والروايات المفسرة لها، فقد ورد في التفسير: “قد أتيناك من الآيات ما هو أعجب منه، وهم فتية كانوا في الفترة بين عيسى بن مريم (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وسلم) وأما الرقيم فهما لوحان من نحاس مرقوم، أي مكتوب فيهما أمر الفتية وأمر إسلامهم، وما أراد منهم داقيانوس الملك وكيف كان أمرهم وحالهم”.
 
ومن مظاهر توالد القصص الأسطوري الذي يعظم الأولياء ويقر بولايتهم أن عليا كان يكلم أهل الكهف، فيردون عليه السلام، تعظيما له واعترافا بولايته، ويجيبونه: “يا خليفة رسول الله إنا فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى وليس معنا إذن أن نرد الإسلام إلا على نبي أو وصي نبي، وأنت وصي خاتم النبيين، وأنت سيد الوصيين، ثم قال: أسمعتم، يا أصحاب رسول الله؟ قلنا: نعم يا أمير المؤمنين… ثم قال: يا ريح احملينا.. فركض برجله فنبعت عين ماء عذب…” ([34]). إنه التماثل القصصي الذي يعيد نظم قصة معراج محمد وهو يجوب السماوات العلي ويكلم الأنبياء، فيردون عليه السلام، ويقرون بنبوته وصدق دعوته، وإذا وظف المخيال السني تلك القصص لدعم النبوة المحمدية في وجه المشككين والمعرضين، فإن المخيال الشيعي أسهب في تكريم علي وإثبات الوصية به وأحقيته بخلافة ابن عمه، فيضاهي علي الأنبياء ويجد الإقرار بصدق الولاية والتعيين من الأصفياء أهل الكهف، ويتداخل في التفسير الخرافي والتاريخي والأسطوري والقدسي.
 
إننا نتبين أن المفسرين الشيعة اعتمدوا الأسطورة لنشر عقائد الفرقة وتبرير تصوراتها وغاياتها، فقد ماثلت أسطورة أهل الكهف عدة خوارق يسرها الله للأولياء الصالحين ومنهم أئمة آل محمد عند الولادة والموت وتشبه ما حدث لبوذا ويسوع ومحمد، مما يثبت حاجة المتدين إلى إضفاء الطابع الأسطوري على طبيعة هؤلاء الشخصيات وسيرتهم لدعم صحة ولايتهم وصدق رسالتهم واصطفاء الله لهم وهي خوارق تساهم في تعظيمهم وأسطرتهم، فالأساطير حسب الباحث الأمريكي في الميثولوجيا جوزيف كامبل Joseph (Cambel) تنبني على شخصيات خارقة، وأبطال يعيشون مغامرة([35]).
 
وقد وظف المفسرون قصة أهل الكهف لإثبات أساطير الرجعة قبل قيام الساعة والإخبار بعودة الأئمة وظهور الإمام الغائب، وخروج الحسين، وإقامة دولة الحق والخلافة، ونقلوا عدة أحاديث تدعم هذه العقائد مثل: “ليملكن رجل منا أهل البيت الأرض بعد موته ثلاث مائة سنة ويزداد تسعا… بعد موت القائم… يخرج المنتصر إلى الدنيا، فيطلب بدمه ودم أصحابه” [و] “إذا اشتد البلاء عليه مات المنتصر، وخرج السفاح إلى الدنيا غضبا للمنتصر، فيقتل كل عدو لنا جائر…” [و] “… المنتصر الحسين والسفاح أمير المؤمنين”([36]). وتجسم هذه الأخبار عدة أساطير مقتبسة من ديانات أخرى، وتثبت مسألة البعث بعد الموت وتمكين الله للصالحين من الموت المؤقت ثم العودة للحياة أو العيش في عزلة عن أقوامهم، وتؤكد هذه الأساطير قيام فتن في أماكن معظمة وبروز شخصيات مقدسة في أزمنة أزلية وإلهية خارقة، وتعبر عن ملك سياسي قبل نهاية الكون، روي عن الإمام الصادق: “يخرج القائم (ع) من ظهر الكعبة مع سبعة وعشرين رجلا: خمسة عشر من قوم موسى (ع) الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان، وأبو دجانة الأنصاري والمقداد بن الأسود ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصارا وحكاما”([37]).
 
لقد أطنب المخيال في توظيف الرموز التاريخية والأسطورية في قصة أصحاب الكهف لتأكيد عقيدتي الغيبة والرجعة وهما معتقدان لهما جذور تاريخية وأسطورية ويجسمان التأثر بالمسيحانية التي تقول بعودة الأنبياء ومجيء مخلص لينقذ العالم من الشرور ويحل العدل وينشر تعاليم الرسالة ويحقق الانتصار والحكم، ويعرف هذا التصور الاعتقادي الأخروي بـ “الأسكاتولوجيا” (Eschatology) ([38]). ويبدو جليا أن النص القرآني احتوى على نماذج من هذه التصورات والتنبؤات التي تعد بمجيء شخصيات قوية وخارقة مثل يأجوج ومأجوج والدجال والخضر ودابة الأرض، وتوسع التفسير الشيعي في الحديث عن هذه الشخصيات لإثبات الرجعة والعقيدة المهدوية وعودة الأئمة لمقاومة الفساد والظلم، ولمح إلى ما سيحدث من تقتيل وتشريد وحروب سابقة للساعة، وإلى المستقبل المشؤوم الذي ينتظر المستكبرين، فقارنت الأدبيات الشيعية بين أصحاب الكهف والإمام الغائب، وأقرت اختفاءه في سرداب، لإنقاذ نفسه من بطش الحاكم السني، وبين أصحاب الكهف والأئمة الذين نصرهم الله بالرعب وملأ قلوب أعدائهم خوفا، وقرن المفسرون الإمام بالوحي والمكان المقدس وعقيدة الاصطفاء والغياب والاختفاء([39])، فمثلت هذه الأخبار قسما من الأدب الرؤيوي الذي يستبطن الإحباط والظلم وما مر به الشيعة من ظروف قاسية في ظل حكومات سنية تخالفهم العقيدة والرؤية والتصورات.
 
لقد جعل التأويل الشيعي أهل الكهف علامة دالة على ظهور القائم، وصار ذو القرنين شبيها له، ومن البين أن هذا التأويل يدفع إلى الاعتقاد بأن أصحاب الكهف هم أصحاب الإمام القائم وأصحاب الحسين، يعودون، فينتقمون من أعدائهم، يقارعون قوى الظلم والاستكبار، وينتقمون من ظالميهم ويبدلونهم بقوم عابدين مخلصين لله، ويكون أصحاب الكهف في زمان قيام القائم قادة على المدن المقدسة الشيعية مثل الكوفة والبصرة، وقد تأكد لنا من خلال هذا المنهج التفسيري أن الشيعة الإمامية تبني رموزها وترسم عقائدها بإعادة توظيف النصوص الأسطورية والتراثية.
 
ومن الواضح أن القصة الأسطورية أصبحت منطلقا لتوالد أساطير أخرى، فقد وظف المفسرون الأسطورة للدلالة على انقضاء زمن ردئ مدنس انتشر فيه التعذيب والقهر، ألزم الشيعة التقية، وللإحالة على الدخول في زمن جديد مقدس هو عصر الإمامة والولاية، وهو أيضا زمن ظهور الإمام والجهر بالدعوة وزوال الحاكم الظالم وانتشار عقيدة الولاية، والتحول من الخضوع والقهر إلى النصر، فكان أهل الكهف من أنصار الإمام القائم والمثابرين على خطاه والمهدين لظهوره، يخرجون في زمن طاهر وعظيم يعبر عن القوة ويحيل على قيامة جديدة يعود فيها الشيعة إلى سدة الحكم.
 
لقد اتخذ المفسرون والرواة من فتية أهل الكهف رمزا دينيا وأنموذجا للإخلاص في عبادة الله ومقاومة الظلمة والطغاة، وتوسع التأويل الشيعي ليستغل الرموز الأسطورية في القصة، فنشأت أسطورة الإمام الغائب واحتفي المتكلمون بالغيبة، لقد كان الإمام الغائب مثلهم آية من آيات الله وصاحب معجزة وتأييد رباني، هاجر ثائرا بسبب الظلم والفساد، وقارن الشيعة بين الحسين وفتية أهل الكهف، فكانا رمزين للثورة على الباطل، ومثالين لنبذ الظلم، إذ تصدى حفيد الرسول للسلطة الجائرة في الإسلام، ومات في سبيل إعلاء كلمة الله. وذكرت عدة روايات أن مجموعة من الفتية تحركت ضد الحاكم الظالم، ولما تعرضت حياتهم للخطر خرجوا بدينهم، ودعوا ربهم أن يقبض أرواحهم ويجعل عشاءهم معه في الجنة، فعطف الله عليهم، وحماهم من أذية السلطان، ونتبين من خلال هذه القصص والتفاسير أن بنية الحكاية الأسطورية كثيرا ما تخضع إلى التحول والتأويل وأنها تجمع المقدس (Le sacré) والدنيوي (Le profane) والعجيب (Le merveilleux).
 
وتستوقفنا في هذه القصة بعض الأخبار التي تؤكد أن المفسرين وظفوا رموزها للتعبير عن تفوق الإسلام على المسيحية واستمراره، وأن هؤلاء الفتية بعثوا بالإسلام، لقد كان في المدينة ملكان اختلفا “فقال الملك المسلم: ماتوا على ديننا، أبني على باب الكهف ديرا، فاقتتلا، فغلب المسلم النصراني، وبنى على باب الكهف مسجدا” ([40]).
 
إن بناء المسجد أو الدير في مكان وقوع الحادثة يثبت أن للمكان والزمان والشخصيات رمزيتها ودلالتها المقدسة، ويدعم الرأي القائل أن أساطير الخوارق التي تقدس الشخصيات البشرية وتعظمهم غدت منبعا لتأسيس العادات والطقوس الشيعية المغالبة في الأولياء، لقد أصبح أهل البيت مثل أصحاب الكهف رمزا دينيا وسياسيا ووسيلة لتحقيق الشفاعة والتقرب إلى الله وقضاء الحوائج، ووسطاء بين المؤمن الشيعي والخالق، يناجي المؤمن ربه باسمهم ويتقرب إليه، ويدعوه بحق كراماتهم وبركاتهم أن يحقق أحلامه ورغائبه ([41]).
 
ب-الوظيفة السياسية:
 
لقد مكن فعل القراءة والتأويل من إحداث معان جديدة ووظائف أخرى للأسطورة، أو ليس كل فعل قراءة تأويلا وكل تأويل هو فهم جديد للنص؟ ([42]). ومن بين هذه الوظائف الرمزية ما تعلق بالدلالة السياسية، فالأسطورة حسب الباحث لوسيان بوا (Lucian, Boia) خطاب رمزي سياسي ([43]).
 
وقد لاحظنا أن الرواية الشيعية حول أصحاب الكهف تشترك مع الرواية الأصل المنقولة عن التراث الديني السابق للإسلام في تجسيم الخلاف السياسي بين أهل الحق والباطل، وبين صاحب شرعية مفقودة ومسلوبة وحاكم أو أمير ظالم مغتصب، وغدا التوظيف الجديد للنص القرآني وما اشتمل عليه من عناصر أسطورية نتجت بفعل التأويل وتجديد قراءة النص الديني يخدم غرض الإمامية الشيعية، لقد انزاحت الرواية الأسطورية من مدلولها الأصلي كما ورد في القرآن لتجسم الصراع بين السياسي/ الملك الحاكم الظالم الطاغية والولي الصالح، وتثبت أن عليا وأبناءه هم خلفاء النبي وأصحاب الدعوة بعده، فتأتي الخوارق والكرامات والمعجزات لدعم عظمة شخصية علي وتأكيد نصرة ولي الله، صاحب الحق، ولتنقذ الشعب المظلوم من غطرسة السياسي، فدل التأويل الجديد للنص المقدس الإسلامي على أن الفتية بعثوا بإمامة أهل البيت، مما يدعم شرعية ولاية أبناء الحسين.
 
والجلي بالذكر أن المفسرين لم يشيروا إلى الجوانب الأسطورية في القصة أو إلى جذورها بقدر ما حرصوا على استثمار عناصرها القرآنية والرمزية، والإضافة إليها وتنميتها لتخدم مطمحهم السياسي وعقيدتهم، فتباينت الوظيفة القصصية من القرآن إلى التفسير، وانتقلت رموز القصة وأهدافها من إثبات النبوة والتضحية والصبر وقيمة التوحيد وقدرة الخالق على البعث والجزاء إلى وظائف سياسية ودينية جديدة، فتولدت عدة عناصر قصصية، ولا ريب في أن القرآن جنح في أغلب القصص والأساطير التي ينقلها إلى مثل هذه البنية النصية والوظيفية، لقد أعاد أساطير الأولين وما جاء منها في النصين التوراتي والإنجيلي لغرض جديد لأنه يقدم نفسه على أنه النص الخاتم الجامع والمهيمن والمصحح لمنهج التوحيد، ولكن المفسرين والرواة ابتدعوا مقاصد جديدة، وأضافوا مكونات قصصية ورموزا أسطورية وسياسية اتصلت بالأحداث والزمان والمكان والظواهر الطبيعية والأشياء والشخصيات ([44]).
 
الأحداث: استخدم المفسرون بنية حدثية أسطورية تقوم على التنبؤات والرؤى لكشف عيوب الصحابة والانتقام منهم والطعن في سعة إلمامهم بالدين وفي قدرتهم على معرفة التنبؤات وفهم الكرامات، وهي مقاييس مهمة لدى العرب لتصديق الأنبياء وتعيين الخلفاء والأئمة، لقد سأل أحبار اليهود عمر بن الخطاب عن أهل الكهف ليدركوا من القصة حقيقة الإسلام وشرعيته ويسلموا، لكنه عجز ولم يكن يدري أمرهم. بيد أن التفاسير منحت عليا سلطة علمية وسياسية، وشرعت لحقه في ولاية الناس بعد النبي، وأثبتت سعة علمه بالدين وظلم الخلفاء له، مؤكدة أن النصوص المقدسة أبانت حقه في الولاية، فقد بشرت التوراة به وأكدت على أنه وصي الرسول، ثم ضرب القرآن قصة أهل الكهف لتأكيد خصاله وأمارات ولايته، وعلى هذا النحو تحولت أسطورة أهل الكهف لتأكيد خصاله وأمارات ولايته. وعلى هذا النحو تحولت أسطورة أهل الكهف من دلالتها النصية المقدسة على قيمة التوحيد وكرامات الفتية وقدرة الله على الخلق للتعبير عن رفعة منزلة الوصي ولترسيخ حقه السياسي، فتصوغ التفاسير أسطورة ثانية تخص آل بيت الرسول وتكشف دعم الله لهم وما منحهم من الكرامات والمعجزات التي تؤكد ولايتهم وأنهم الأوصياء المنتجون ([45]).
الأزمنة: تنوعت الأزمنة في أسطورة أهل الكهف، فهي أزمنة دنيوية، تحدثت عن زمن دقيانوس وحياة الفتية ومحمد وصحابته وأهل بيته، وأخرى غيبية متخيلة ومقدسة سابقة للساعة وغير قابلة للضبط، تعلقت بظهورات ورؤى وتنبؤات، وأحالت علي ملك سياسي، فبشرت التفاسير بحدوث فتن تحتفي بحدث ديني حاسم في حياة الناس في زمن أسطوري مطلق، وأكدت استبدال الزمن الدنيوي بزمن إلهي غيبي حينما تعود السلطة لآل البيت، ويرجع “المنتصر” الحسين. ويخرج “السفاح” علي غاضبا، فيقتل الأعداء، ويملك الأرض، ويخلد طويلا، وفي خبر آخر تعلق بمهدي الأمة، ذكر أبو جعفر (ت114ه): “والله، ليملكن رجل منا أهل البيت الأرض بعد موته ثلاث مائة سنة ويزداد تسعا” ([46]).
الأمكنة: المكان عنصر مقدس ومؤسس للأسطورة، يدل على البركة والأمان ويمثل حيزا لتجلي قوى مقدسة وغيبية([47])، وقد تعددت الأمكنة ذات الدلالة الأسطورية في التفسير، وشملت كهف الفتية السبعة والكعبة والمسجد النبوي، وقد ارتبطت بها أحداث تاريخية مقدسة، فالكعبة هي محور العالم وأول مكان مقدس، يخرج منها الإمام القائم، وأما مسجد الرسول فقد انتقلت إليه قداسة النبي وبركته، وحفته كرامات علي الذي نقلته الريح من الكهف إلى هذا المسجد، وقد أمر الملك ببناء مسجد في مكان الكهف ليزوره الناس، وقرنت المخيلة الشيعية الكهف بالعالم الأخروي فجعلته شبيها بجنة الخلد وسمته بـ “الوصيد”، وذكرت أنه يقع في مكان عال وفوق جبل، وحذوه عين وأشجار مثمرة([48]). فتعددت الأمكنة وعبرت عن التحول والحركة وعدم الاستقرار وكشفت الرغبة في التحرر وتحقيق توسع جغرافي وكسب كل أرجاء الأرض ونشر العقيدة، وباتت شواهد على ولاية آل محمد وعظمة خلقهم.
الريح: هي عنصر أسطوري اقترن بعدة أحداث خارقة ومقدسة، تستعير التفاسير رمزيتها من قصص الخلق والأنبياء في الكتب المقدسة وفي أساطير الدمار الشامل، فقد مثلت قوة خارقة سخرها الله لسليمان، وأداة لهلاك قوم عاد، إن الريح في التفسير تنقل عليا وبقية الصحابة إلى مرقد أهل الكهف، فعبرت عن قوة علي وتأييد الله لولايته، لقد سخر العناصر الكونية لخدمته وكشف عظمة منزلته([49]). إن عليا مثل أصحاب الكهف والأنبياء تأسست دعوته على الحركة والتنقل واحتاجت إلى كرامات وقوى طبيعية خارقة، فقد ورد في التفسير أن عمر وأبا بكر وأبا ذر وسلمان كانوا عند النبي، فبسط لهم شملة، وأجلسهم، وأخذ بيد علي، وطلب من كل واحد منهم أن يسلم له بالإمامة، ثم دعا النبي ربه أن يسخر لعلي الريح لتحمل الجميع إلى أصحاب الكهف ويسلموا عليهم، فأمر علي الريح، لقد حملتهم ووضعتهم عند الكهف، لكن الفتية لم يردوا الجواب ولا السلام، وحينما سلم علي أجابوا” وعليك السلام يا وصي محمد، إنا قوم محبوسون هاهنا من زمن دقيانوس… نحن فتية لا نرد إلا على نبي أو وصي نبي وأنت وصي خاتم النبيين وخليفة رسول رب العالمين” ([50]) ثم ضرب على الأرض برجله، فنبعت عين ماء، وتوضأ رفقة من كان معه، فحملتهم الريح إلى مسجد النبي، وعلى هذا النحو جاءت الرواية لتتحدث عن فتية الكهف وتعلي من منزلة علي وتشهد بفضله على سائر المؤمنين وأحقيته بولايتهم.
الشمس: الكواكب معبودات قديمة في مرحلة ما قبل الديانات الكتابية، كانت الشمس إلهة سماوية لأنها تتوسط السماء وترسل النور والحياة، وتطل على الكون وترتبط بين عالم سفلي وآخر علوي، يعتقد أنها كانت على اتصال بقوى غيبية. وقد ارتبطت بإيحاءات رمزية ودلالات أسطورية أيضا في التفسير، وقع تأويلها بعلي وذريته وبالإمام القائم، كانوا كالشمس الطالعة المضيئة بنورها العالم، وقد شبهت الروايات عليا بالشمس، وكان الإمام القائم ضحاها، والأئمة نجومها الزاهرة، والحسن والحسين الفرقدان، أفلا يحيل النور هنا على سلعة العلم؟ لا سيما أن النصوص المقدسة احتفت بالنور وعدته ضديدا للجهل والظلمة، ويرجع وجه الشبه بينهما أيضا إلى منزلتها الرفيعة السامية التي لا تطالها أيادي الأعادي، سلّم علي عليها. فارتعدت وردت السلام وأقرت بولايته، واعتبرها الرواة والمتكلمون آية من آياته ومكرمة خصه الله بها ([51]). وقد بات واضحا من خلال هذه الروايات أن الفكر الشيعي خلق رمزية جديدة للشمس مغايرة للدلالة الأسطورية القرآنية التي تحدثت عن الشمس والكواكب عامة، وما يلحقها من تكوير وسير وتسبيح لخالقها أو عن الشمس والضوء المتصل بفتية أهل الكهف، ويسعى المفسرون إلى خلق آيات أعظم مما نقل عن أهل الكهف لتفضيل علي على سائر الخلق وعلى كل الأوصياء والصالحين ([52]).
الشملة/ الكساء: يبحث الإنسان المتدين دائما عن إنتاج المتخيل الرمزي الاجتماعي الذي يشمل المعتقد والسياسة والطقوس والعادات الاجتماعية ومنها ظاهرة اللباس، فكثيرا ما ارتبط اللباس والكساء بدلالات رمزية في المتخيل الديني، وكان إما من الأشياء المقدسة التي تنزل من السماء وتعبر عن امتداد العلاقة بالعالم الآخر أو من صنع المتدين، فأليس بدلالات أسطورية وسياسية، وقد استمر حضوره في التفسير الشيعي، وساهم في تشكيل أسطورة أهل الكهف، لقد ورد في تفسير قصة أصحاب الكهف أن خطي بن الأشرف جاء بشملة وهي كساء من صوف إلى النبي، فبسطها الرسول، وأخذ بيد علي وأجلسه وسطها، وطلب من الصحابة الجلوس والإقرار بولاية علي، فعبر الكساء عن صورة استعارية رمزية تحيل على لباس النبوة والولاية وتفيد التوافق والإجماع على ولايته، وتعلقت بشرعية سياسية ومشروعية دينية تبيح لعلي وراثته، لقد سحب النبي الكساء من الخلفاء، ومنحه لعلي فأحق خلافته، وأوجب الانخراط في شرعه ومنهاجه ([53]).
الصحابة: استخدم التفسير الخلفاء رمزا سياسيا سلبيا للانتقام منهم، فوصفت الروايات أبا بكر وعمر وعثمان بالكذبة والمنافقين، وصاروا رمزا للغدر السياسي والظلم والقهر، وأعلت من قدر علي وذريته، وأكدت صبره وحكمته وسعة علمه. وتنتقل الرواية الفرعية التفسيرية من الإشادة بفضل أهل الكهف – كما هو الأمر في الرواية الأصل – إلى الحط من قيمة صحابة محمد وتلبيهم صفات سلبية قصد إذلالهم والطعن في شرعية سلطتهم، وتثبت معجزة علي وتفوقه عليهم لأنهم خالفوا وصية رسولهم، فقد أشهد النبي الصحابة على اعتراف أهل الكهف بولاية علي، وأخذ منهم الميثاق أن يتبعوه بعده ويولوه على المسلمين، لكنهم خالفوا عهد نبيهم ووصيته، وتنكروا، واستكبروا، وضلوا فقد روى أنس بن مالك (ت93ه) أن النبي حذره من المداهنة، وأخذ عليه عهدا بأن يشهد على عظمة علي وأنه خليفته، ويقر بما اجترحه من معجزات وما لقيه من تأييد إلهي في حادثة البساط، ويوم عين الماء ويوم الجب، لكنه لما ولي أبو بكر نكث العهد، وخالف عليا، ولم يشهد بالحق على ولايته، فأصابه البرص والعمى ([54]).
لقد عبرت الرواية عن معان سياسية ومذهبية متنوعة، فانتقصت من قيمة هذا الصحابي وانتقمت منه، وطعنت في شرعية رواياته وفي سلطته المعرفية والسياسية ونسفت صدقه لأنه شخصية رمزية في الفكر السني، وهدفت إلى نقض جهده في الإسلام وتشويه سيرته وإبطال منهجه وإعلاء منزلة علي والأئمة والمحدثين عنهم وكشف سعة علمهم وصحة مذهبهم، وجعلته الرواية يقر بقيمة علي، سأل رجل أنسا أن يخبره عن تغير لون وجهه، فأذرفت عيناه وقال: “دعوة العبد الصالح علي بن أبي طالب (ع) نفذت في” ([55]). وفي روايات أخرى أصابه البرص والعمى، وظهرت نقط بيض وسود على وجهه، وكان يبكي مطرقا إلى الأرض، وأصبح لا يقدر على الصيام لأن الطعام لا يبقى في جوفه، وصار علي رمز البركة ووليا صالحا، منحته الرواية قدرات خارقة وعجيبة.
 
وتعلي التفاسير من مكانة أصحاب علي وهم سلمان الفارسي ومالك الأشتر والمقداد بن الأسود وأبو دجانة الأنصاري، يرجعون مع الأصفياء والمطهرين أنصارا وحكاما وقت ظهور الإمام القائم ([56])، وتعدهم الرواية بالفوز العظيم وقيادة الأمة والتغلب علي الظالمين، يخرجون من ظهر الكعبة، وهو مكان مقدس يمثل مركز الدين والإيمان، فيكون هذا الفضاء منطلق الدعوة ومبلغ الرسالة ورمزا دالا على الحق ورمز استمرار العلاقة بعالم السماء ومجال الطهر والقداسة، فتنقل التفاسير الصراع الدنيوي الذي ساد على السلطة بين الصحابة إلى زمان منتظر ومقدس.
 
ويلحظ الباحث من خلال هذه الرموز الدينية التفسيرية والأحداث العجيبة والشخصيات الخارقة كثافة نشاط مخيال المفسرين الذين وظفوا القصة الأسطورية المقدسة من أجل السيطرة على الأملاك المادية والرموز الروحية، وعولوا على الأسطورة والخيال لرسم آمالهم وكشف مشاغلهم ومشاعرهم وأحلامهم، فقد أصبح الفتية رمزا سياسيا وتاريخيا يعبر عن نصرة الله لأوليائه، ذلك أنه سخر لهم الكرامات، وحفهم بعنايته، وسيرجعهم للانتقام من أعدائهم، وقد أوحى الله إلى ملك الموت أن يقبض فتية أصحاب الكهف، وأوكل إلى كل واحد منهم ملكين يقلبانه ذات اليمين وذات الشمال وحفظتهم عنايته من الملك دقيوس، ثم أرسل الله إسرافيل ونفخ فيهم الروح ونهضوا من رقادهم ([57])، إن هذه البنية الحكائية تطرح إشكالا نلخصه في السؤال التالي: هل تفردت قصة أهل الكهف بالتعبير عن احتفاء التفسير بالأسطوري والعجيب والخارق ولتثبت التأثر بالموروث الثقافي والديني في شبه الجزيرة العربية الذي يؤمن بالموت والرجعة وإحياء القديسين والعظماء والشهداء وتحقيق ملك سياسي قبل الآخرة؟ إننا نعتقد أن أهل الكهف لم تكن القصة الوحيدة التي تذكر البعث بعد الموت أو تنطوي على عناصر أسطورية في التفسير، بل هي تماثل عدة قصص ذات طابع أسطوري مقدس أعادها القرآن وذكرتها النصوص الحواف وجدد الرواة تزويقها واعتبروها وقائع تاريخية، فقد ماثلت بنيتها الحدثية العجيبة أساطير أخرى لها جذور تاريخية مثلت نقطة وصل بين الإسلام والديانات السابقة له مما يؤكد أن العقل التفسيري خلاق منتج للرموز والأساطير، يحتويها ويعيد تشكيلها، ويضيف إليها، يمزج بين الدنيوي والمقدس، بين التاريخي والأزلي والواقعي والممكن والمتخيل والعجيب، ليرسم تصوراته وأفكاره وأحلامه، ويصوغ رموزه ويعبر عن قضاياه، فقد اشتمل التفسير على التوسع الأسطوري الذي تولد عن التأمل والسلوك الشعبي للمجتمعات الإسلامية، وكشف عن خيال خلاق تسيره الأحداث اليومية، وقد بين ماسنيون أن الخيال الخلاق هو الذي يفسر لنا الاستلهام المشترك للنصوص المقدسة ومن بينها نص القرآني، فكان القرآن نصا تجميعيا يذكر هذا الموروث الحكائي ويختزله إلى قصص قصيرة وإلى إشارات ورموز دالة على الماضي والحاضر([58]).
 
لقد احتوت سورة الكهف على مقاطع قصصية تهم شخصيات أسطورية، وقد تعمق المفسرون الشيعة في إغنائها بعناصر رمزية وأسطورية، فاعتمدوا قصصا لا تتناسب أحيانا مع موضوع الآية، واستدلوا بها على عظمة آل محمد، وبينوا الشبه بينهم في الملك وسعة العلم والتمتع بقدرات خارقة وتأييد إلهي، فاستعاد المفسرون القصة التوراتية يأجوج ومأجوج – وهما شعبان ينزلان من جهة الشمال في آخر الأزمان ويحاربان بني إسرائيل، – لإثبات منزلة علي، ونسبوا إليه عدة كرامات، إذ كان يأمر السحابة أن تهبط، فتنزل مقرة بالتوحيد وأنه وصي محمد، وقد أخرج من جيبه خاتم سليمان وعليه مكتوب اسمه واسم الرسول، وكان علي ابنه الحسن فوق سحابة والريح تحملهما، يكلم الأشجار فتجيبه، ثم وقفا عند سد يأجوج ومأجوج، أما قصة الخضر فإنها وظفت لإبراز سعة علم الأوصياء، فكان الخضر نبيا، بعث ليبشر بآل محمد، صرح أن آل البيت أعلم منه ومن موسى لأنهما أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون([59]). وجاء في التفسير أن ذا القرنين كان عبدا صالحا مثل علي أحب الله فأحبه، واسمه عياش، أتاه الله من كل شيء علما، ضربه قومه على قرنه، فغاب عنهم حينا، ثم عاد إليهم، فضربوه على قرنه الآخر، وقد ملك وهو ابن اثني عشر عاما، ومكث في ملكه ثلاثين سنة، حكم ما بين المشرق والمغرب، أماته الله خمسمائة عام، ثم بعثه، فضربه قومه على قرنه الأيسر، فأماته ثانية خمسمائة سنة، ثم أحياه وملكه مشارق الأرض ومغاربها، وقد سخر الله له السحاب لتنقله بين المشرق والمغرب، وكان له خليل من الملائكة يدعى رقائيل، ينزل له فيناجيه ويخبره عن حاله، ورد عن النبي: “وإن الله تبارك وتعالى سيجري سنته في القائم من ولدي ويبلغ شرق الأرض وغربها… ويظهر الله له كنوز الأرض ومعادنها، وينصره بالرعب، فيملأ الأرض به عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما”([60]). لقد وظف الرواة معجزات الأنبياء وما خصهم الله به من قوى غيبية تخدمهم لتأكيد كرامات الأولياء والمتنبئين ومعجزاتهم، ونسجوا على غرار معراج محمد إسراء ومعراجا لعلي والأئمة، ونسخوا من أساطير المسخ قصصا تنتقم من الصحابة، ووظفوا الميلاد العجائبي لعيسى ليثبتوا أسرار ميلاد الأئمة، واستثمروا أخبار غياب إدريس والعزيز وعيسى وبعثتهم أحياء للاستدلال على الغيبة والرجعة قبل الساعة، مما يؤكد لنا أن أخبار الأئمة تكونت من مادة قصصية قرآنية تؤمن بالغيبة والرجعة مصدرها البيئة الجاهلية الكتابية والوثنية، وأخرى متخيلة أضافها الرواة ومن بعض الأخبار عن البيئات التي عاش فيها الأنبياء والأمم البائدة ([61])، وتأثرت التفاسير بالسياقات التاريخية والسياسية والفكرية التي نشأت فيها والنظم المعرفية التي نهلت منها، فجسمت بنية القصص ما تحتويه الثقافة الشعبية التي تناقلتها الأجيال شفويا من عقائد ومعارف دينية وخطاب اجتماعي ساهم في تأسيس الفكر الأسطوري، أفلا تعبر هذه البنية الحكائية الأسطورية عن التباس مفهومي بين الخرافة والأسطورة والحقيقة والخيال لدى العقل التفسيري الشيعي القديم؟ وكيف تقبل المفكرون المعاصرون هذه الأخبار؟.
 
إننا نعتقد أن الفكر الشيعي القديم لم يميز بين الدين والخرافة، وبين الخرافة والأسطورة أيضا، بل عد الخرافة حقيقة وخطابا مقدسا، ومن المفيد أن نشير إلى أن الخطاب التفسيري والإصلاحي الشيعي المعاصر ميز بين الخرافة والأسطورة ورفض أشكالا عديدة من التدين الشيعي والممارسات الطقوسية المغالية، ونبذ بعض العناصر الأسطورية المؤسسة للفكر الشيعي والتي تقوم على تضخيم صورة الأئمة وإطرائهم، ورد الأخبار التي تسعى إلى رسم صورة عجيبة لهم وتتحدث عن الطور المهدوي([62]).
 
الخاتمة:
قادنا البحث في دراسة أسطورة أهل الكهف في المصادر الإسلامية والمسيحية والسريانية إلى استخلاص جملة من النتائج التأليفية، فقد أدركنا أن النص القرآني استعار قصة أهل الكهف المذكورة في التراث الشفوي والكتابي المروي عن أهل الكتاب وغيرهم من الأمم الأخرى، فأعاد توظيف رموزها، وأكسبها دلالة أخرى مقدسة تتناسب مع الرسالة المحمدية والخطاب التوحيدي، مما يثبت أن الأسطورة تختلف عن المعتقد وأنها لا تتعارض في القرآن مع المقدس والدنيوي، وقد تبينا أن الأسطورة خطاب متحول وقابل للتحوير والتأويل المذهبي والتأثير الفكري والجغرافي رغم كونها نشاطا قدسيا وقصة وقعت في عصر قديم أو في زمن لا تاريخي وتضم أحداثا عجيبة ولاحظنا توافقا بين النص المقدس والأسطورة ([63]). فكلاهما يحفل بالعجيب، ويضم المتخيل الذي يشمل الأحداث والأمكنة والأزمنة وبعض الفواعل، وهم يجمعان بين الحدث التاريخي والزمان المعالي، وبين الخيالي والقدسي، ولمسنا تماثلا بين أحداث القصص القرآنية وأحداث الأساطير القديمة، مما يدل على أن النص المقدس جنح نحو أسطرة الأحداث والأمكنة والأزمنة وعج بالعجيب والخارق للمألوف، وأنه أيضا احتوى الفكر الأسطوري وأعاد توظيفه وأوجز المادة القصصية، وغير سياقها الدلالي لتحقيق جملة من الأهداف الوعظية والاعتبارية، وتبينا أيضا أن البناء الرمزي لأسطورة أصحاب الكهف يعبر عن علاقة الدين المتينة بالمجتمع([64])، ويعني ذلك أن للأسطورة منشأ اجتماعيا ومصدرا تأسيسيا بنائيا، وقد استمر هذا المنحى التأسيسي العجيب في بنية القرآن الذي ينهل من ثقافة المجتمع وتركيبته الفكرية، ولذلك ضم بعض المكونات الأسطورية، واشتمل على بناء لغوي أسطوري يستخدم الرموز الدينية والفكرية والاعتقادات القديمة، وقدّمها على أنها حقيقة تاريخية، وأثبت أنه استرجع عدة عقائد عربية وثنية وكتابية (الفرقان 25/5) مثلت عقلية الشعوب السامية وقدها في أفق توحيدي، فلا يجد تعارضا بين المقدس والأسطوري، وتوضح لنا في هذه المقاربة البحثية أن المفسرين اعتمدوا الأساطير ولم يرفضوا الخرافة، بل وظفوا المقدس الأسطوري لأهل الكهف وتوسعوا فيه بعناصر رمزية مقدسة، وغيروا وظائف القصة، وأضافوا رموزهم الفكرية والعجائبية، واعتمدوا تقنيات في الفهم والتأويل لإثبات عقائد المذهب والإقناع بها تقوم على الاحتجاج والاستدلال والجمع بين الروايات وعدم التناسب بين الآية وتأويلها، وقد أظهرت لنا نصوص التفسير نشاط المخيال الإسلامي، فاجتهد المفسرون ورواة السيرة والأخبار في توظيف تلك المادة توظيفا مذهبيا وسياسيا بفعل تأثرهم بالإطار التاريخي الديني والسياسي والصراع على السلطة بين الشيعة والسنة وتنافس الجيل الإسلامي الأول على خلافة الرسول، فانزاح التفسير عن النص المقدس الإسلامي وعما جاء في قصص أهل الكتاب حول أصحاب الكهف، وهو اختلاف تبرره غايات توظيف القصة ومكوناتها الأسطورية وأشكال استثمار رموزها وفواعلها.
 
واستخلصنا من خلال المقارنة بين القرآن والتفسير وما ورد من قصص ذات طابع أسطوري ضمتها سورة “الكهف” أن الأسطورة خطاب ديني وسياسي ونفسي متعدد الأهداف والروافد، يلتقي فيه التاريخ والمتخيل الرمزي، ويتشكل من بنية حكائية يصوغها المجتمع ويحفظها وتصنعها الذاكرة البشرية والمتدينون وتوضح لنا أن معاني الأسطورة تتغير وأن بناءها يتحول بانتقالها من نص ديني إلى آخر. فتحافظ على أجزاء ومعان وتغير بعضها الآخر، وتؤدي وظائف دينية واجتماعية وسياسية ونفسية متنوعة، وقد تهدف إلى تسويغ العبادات والاعتقادات، ويؤكد توظيف هذه العناصر الأسطورية لأهل الكهف في القرآن والتفسير أن الأسطورة خطاب رمزي ينطوي على صور إيحائية ومجازية، ويشمل حقائق تاريخية واجتماعية، ويحمل قضايا عقيدية وسياسية تفسير نظام المجتمع وعقيدته وتاريخية السياسي. وهي أيضا نص إبداعي يجسم حضارة الإنسان ومرجعياته الثقافية وقيمه وأفكاره ومشاعره وأحلامه، وقد أثبت كلود ليفي ستروس (Claude Lévi Strauss) أن الأسطورة خطاب لغوي تاريخي وحكائي يكشف أوجه تصرفاتنا وتفكيرنا ولكنها نص تعبيري يتجاوز المستوى اللغوي المعتاد، وتستمد من تجميع العناصر المكونة لها، وتتألف من “وحدات تكوينية” صوتية وصرفية ودلالية، ولذلك تبينا من خلال الأحداث الخارقة التي ضمها القرآن والتفسير والذاكرة الشعبية والعقائد الدينية والشعبية أن الأسطورة خطاب تاريخي وتخييلي مقدس يختلف عن الخرافة، وينطوي على العجيب والخارق للعادة، ويظهر تدخل الله في التاريخ الإنساني([65]).
 
الهوامش
[1] العبارة لمحمد أركون.
 
[2] تظهر الطقوس الشيعية الكثير من الأفكار والمعتقدات الأسطورية المتعلقة بعقيدة الولاية والمهدي والغيبة والرجعة وصفات الأئمة، وقد تداخل في الفكر الشيعي مفهوم الأسطورة والخرافة: راجع مثلا مرتضى داوود بور: مخاطر الخرافة في العقيدة المهدوية قراءة للمناشئ والتبعات الاجتماعية، ترجمة محمد عبد الرزاق، مجلة نصوص معاصرة، ع23، 2011، ص107.
 
[3] Mircia, Eliade, Mythes, rêves et mystéres, Gallimard, 1957, pp 21-22.
 
راجع: محمد عجينة، موسوعة أساطير العرب عن الجاهلية والإسلام، ط1، محمد علي الحامي – تونس، دار الفرابي – بيروت، 1994 ج1. ص17 وص ص 64-66، كارم محمود عزيز، أساطير التوراة الكبرى وتراث الشرق الأدنى القديم، ط1. مكتبة النافذة، مص، 2006.
 
[4] الكهف 18/9-22.
 
[5] هاشم البحراني، البرهان في تفسير القرآن، ط2. الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 2006، م5. ص16، وانظر: الفيض الكاشاني، كتاب الصافي في تفسير القرآن، ط1، دار الكتب الإسلامية، بيروت – لبنان، 1419ه. م4، ص ص 473-478.
 
[6] زكا عيواص، قصة أهل الكهف في المصادر السريانية، مجلة مجمع اللغة السريانية. ع1، بغداد، 1975، ص ص 103-126، ماهر شفيق فريد، أسطورة أهل الكهف في الأدب القبطي. مجلة إبداع، ع2 فيفري، مصر، 1994، ص ص 34-35.
 
[7] البرهان، م5، ص ص 20-24، وانظر: أحمد علي المجدوب، أهل الكهف في التوراة والإنجيل والقرآن، ط3، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 1998، ص ص 76-88.
 
[8] راجع، محمد أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ترجمة هاشم صالح، ط2،دار الطليعة، بيروت، 2005، ص171، وانظر: قاموس آباء الكنيسة وقديسيها مع بعض شخصيات كنسية “للقمص تادرس يعقوب ملطي على الموقع الإلكتروني: الأنبا تكلا هيمانوت: http://st-takla.org/p-1_html.
 
[9] قصة أهل الكهف في المصادر السريانية، ص ص 103-126.
 
[10] أسطورة أهل الكهف في الأدب القبطي، ص ص 34-35. تتحدث عدة مراجع تاريخية عن النوام السبعة، منها “ثلاث أساطير قبطية: هيلاريا/ آرشليتس/ النوام السبعة”، حررها وترجمها إلى الإنقليزية، وقدمها: جيمز دريشر، مطبعة المعهد العلمي الفرنسي الخاص بالعادات الشرقية، القاهرة، 1947، ومخطوط “النوام السبعة”، يوجد أيضا في مكتبة بيير بونت مورجان بنيويورك وبمكتبة الفاتيكان وفي دار الكتب القومية ب قينا.
 
[11] لقد عبرب زكا عيواص (وهو مطران بغداد والبصرة للسريان الأرثوذوكس ونائب رئيس مجمع اللغة السريانية) قصة أهل الكهف كما وردت في المصادر السريانية ونشره بمقال: “قصة أهل الكهف في المصادر السريانية”، وبمجلة البطريكية الدمشقية الغراء في العددين 66 و 67 سنة 1969، ص ص 300-307، راجع: “قصة أهل الكهف في المصادر السريانية” ص ص 104-108.
 
[12] القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، هامش ص40 وهامش ص162 وص170.
 
[13] مايكل كوك، محمد نبي الإسلام، ترجمة نبيل فياض، ط1، منشورات دار الزمن – لندن، 2000، ص95، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، هامش ص 40: ترجم هاشم صالح عبارة أركون “التداخلية النصانية” بــ ntertexuualité.
 
[14] القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ص ص 163 و 166.
 
[15] Mircla, Eliade, images et Symboles, Gallimard, 1952, pp 47-92.
 
[16] راجع مقال حمادي المسعودي، في البدء كان الجسد، قصة آدم وحواء في النصوص المقدسة، الموقع الرسمي لمؤسسة مؤمنون بلا حدود، جانفي، 2016.
 
[17] Michel Meslin, Pour une science des religions, Seuil, Paris, 1973, pp 170-180.
 
[18] Gilbert, Durand, L’imagination symbolique, Quadrige, PUF, France, 1998, pp24-40, 115-130.
 
[19] الكتاب المقدس، عربي إنقليزي، بريطانيا، 1999: متى 9: 2. البقرة 2/28: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، وانظر : البقرة 2/56 و 259، ومريم 19/15 و 57.
 
[20] أبو الحسن بن محمد بن طاهر العاملي، مقدمة تفسير البرهان، ط2، الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 2006، ص270.
 
[21] البرهان في تفسير القرآن، م5، ص22، وانظر: فاروق خورشيد، أديب الأسطورة عند العرب، مجلة عالم المعرفة، ع284، الكويت، 2002، ص ص 97-133، موسوعة أساطير العرب عن الجاهلية والإسلام، م1، ص ص 63-76 و 297.
 
[22] Mircéa, Eliade: Le sacré et le profance, Gallimard, 1965, pp63-100
 
[23] يوسف شلحت، بنى المقدس عند العرب قبل الإسلام وبعده، ط1، دار الطليعة – بيروت، 1996، ص ص 127-128.
 
[24] المدثر 74/56، البينة 98/1، هود 11/73، النحل 16/43، البرهان، م5، ص20.
 
[25] بنى المقدس عند العرب قبل الإسلام وبعده، ص153، وانظر:
 
Jacques le Goff, L’immaginaire médival, e. Gallimard, 1985, pp59-74.
 
[26] كلود ليفي ستروس، الأنتروبولوجيا البنيوية، ترجمة مصطفى صالح، ج2، دار الحوار، دمشق، 1983، ص343.
 
[27] أرنست كاسيرر، اللغة والأسطورة، ترجمة سعيد الغانمي، ط1، دار كلمة، أبو ظبي، 2009، ص ص 84-85.
 
[28] علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمي، ط1، الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1991، م2، ص6 تفسير الصافي، م4 ص ص 474-476. هاشم البحراني، مدينة المعاجز، الأعلمي للمطبوعات، ط1، بيروت – لبنان، 2002.
 
[29] Wolfgang, Iser, L’acte de lecture théorie de l’effet esthétique, traduit de l’allemand par Evelyne Sznyeer, 2ém édition, Mardaga, 1997. pp60-316.
 
[30] روبير بندكتي، التراث الإنساني في للتراث الكتابي، دار المشرق، بيروت، 1990، ص129.
 
[31] البرهان في تفسير القرآن، م5، ص11، أبو عبد الله: هو جعفر بن محمد الصادق.
 
[32] العرفانية خطاب باطني ورمزي، وهي حقل معرفي يعني بدراسة الإدراك والفهم والقصد والنشاط الفكري البشري في سياقات ثقافية وتاريخية متنوعة، راجع: الأزهر الزناد، نظريات لسانيات عرفنية، الدار العربية للعلوم ناشرون، دار محمد علي الحامي، ص ص 22-95.
 
[33] البرهان في تفسير القرآن، م5، ص10.
 
[34] المصدر نفسه، م5، ص14.
 
[35] جوزيف كامل، قوة الأسطورة، ترجمة حسن صفر وميساء صقر، ط1، دار الكلمة للنشر والتوزيع، سوريا، دمشق، 1999، ص185.
 
[36] البرهان، م5، ص ص 28-29.
 
[37] المصدر نفسه، م5، ص18.
 
[38] Bultmann, Rudolf, jésus Mythologie et dérrrythologisation, éditions du Seuil, Paris, 1968.pp189-197.
 
[39] سبأ 34/14.
 
[40] البرهان، في تفسير القرآن، م5، ص24.
 
[41] عباس القمي، مفاتيح الجنان، ط1، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 2004، ص ص 594-600.
 
[42] Umberto, Eco,Les Limites de l’interprétation, traduit par myriem Bouzaher, éditions Grasset et Fasquelle ,1992.
 
[43] Lucian, Boia, Pour une histoire de l’imaginaire, Paris, éditions Les Belles lettres, 1998.p 203.
 
[44] رتبنا هذه العناصر القصصية الأسطورية ترتيبا ألفبائيا.
 
[45] البرهان، في تفسير القرآن، م5، ص ص 19-25.
 
[46] المصدر نفسه، م5، ص28، أبو جعفر: هو محمد بن علي الباقر.
 
[47] بنى المقدس عند العرب، ص ص 151، 153، 156.
 
[48] البرهان، م5، 22، وانظر: Le sacré et le profane, p50
 
[49] موسوعة أساطير العرب عن الجاهلية والإسلام، م1، ص ص 26*-272، ابن بابويه القمي، علل الشرائع، ط1، الأعلمي للمطبوعات، بيروت لبنان، 1988، م1 ص47 و 69 و284، وانظر الدلالات الرمزية للريح ضمن:
 
Jean Chevalier, Alain Gheerbrant, Dictionnaire des symboles, éditions Robert Laffont, Paris, 1982.p997.
 
[50] البرهان في تفسير القرآن، م5، ص12.
 
[51] البرهان في تفسير القرآن، م5، ص12 وم8، ص ص 297-298، وانظر: مقدمة البرهان للعاملي، ص ص 323-324، وراجع:
 
* Images et Symboles.p167.
 
* Dictionnaire des symboles, pp891 -896.
 
[52] بنى المقدس عند العرب قبل الإسلام وبعده، ص63.
 
[53] البرهان في تفسير القرآن، م5و ص12، وراجع:
 
Dictionnaire des symboles, Vêtements, pp1008-1010.
 
[54] المصدر نفسه، م5، ص15.
 
[55] المصدر نفسه، م65، ص13.
 
[56] البرهان في تفسير القرآن، م5و ص18.
 
[57] القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ص174.
 
[58] تيسير فارس العجارمة، دراسات في القرآن، تفكيك النص، ط1، منشورات إي – كتب، 2001، ص ص 213-233.
 
[59] البرهان، م5، ص46 وص54 وم4، ص ص 472-476. وانظر الكتاب المقدس، حزقيال 38.
 
[60] المصدر نفسه، م5، ص67 و ص ص 63-81.
 
[61] (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا) [البقرة/ 259]، محمد أحمد خلف، الفن القصصي في القرآن الكريم، عرض وتحليل خليل عبد الكريم، ط4، الانتشار العربي، بيروت، 1999، ص247.
 
[62] جعفر سبحاني، الإسلام والحرب على الخرافة، ترجمة نظيرة غلاب، مجلة نصوص معاصرة، ع23، صيف 2011، ص13، محمد حسين رباني، الدين والخرافة علاقة انسجام أم تضاد؟، ترجمة نظيرة غلاب، نصوص معاصرة، ع24- 2011، 25، ص ص 116-137، محمد جواد مغنية، التفسير الكاشف، ط4، دار الأنوار، بيروت – لبنان، 2009.
 
[63] راجع في علاقة النص المقدس بالأسطورة: حمادي المسعودي، متخيل النصوص المقدسة في التراث العربي الإسلامي، ط1، دار المعرفة للنشر، تونس، 2007، ص ص 179-275.
 
[64] محمد أركون، تاريخية الفكر العربي الإسلامي، ط2، المركز الثقافي العربي، المغرب، 1996، ص ص 197-244.
 
[65] كلود ليفي ستروس، الإناسة البنيانية، ترجمة حسن قبيسي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1995، ص ص 225-228 و230-238، وانظر: Pour une histoire de I’maginaire.pp40-41. 168.200-201.

مقالات ذات صله

1 تعليقات

  1. أحمد ساز

    عبيط أجهد نفسه في لزوم ما لا يلزم ، ظانا أنه يصنع مجدا لنفسه ، أو سمعة لطالما اشتهاها بين زملائه وأقرانه، لا ندري إن كان إقحامه للشيعة في هذه الترهات قد بعث دفئا في جيبه من خلال دريهمات الجماعة إياها ، أشك في ذلك ..لأنه كما يقول المثل الشعبي أراد أن يكحلها فعماها، عموما لا نملك له إلا الدعاء بالشفاء .

    الرد

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!