أثر التعصُّب في علم الجرح والتعديل

أثر التعصُّب في علم الجرح والتعديل

أثر التعصُّب في علم الجرح والتعديل

بقلم: محمد البرسيجي 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، فهذه ورقاتٌ أبسط فيها قضية أراها مهمة في التعامل مع علم الجرح والتعديل، وهو من علوم الحديث المهمة، إلا أن إساءة التعامل مع هذا الفن وفهم طرق التعاطي معه جعلت من كثيرين يخوضون فيه دون إدراكٍ لهذه القواعد والأصول المهمة، فنتج عن ذلك اتهام كبار العلماء دون وجه حق.

وإن القاعدة الأولى للتعامل مع الجرح والتعديل عدم التسليم بأي جرح أو تعديل إلا بدليل واضح بيِّن، فكم من إمام كبيرٍ قد اتهم بالجرح بل وبالزندقة وربما الكفر، وبذلك أُهدر علمٌ كثيرٌ لسوء تقدير كلام العلماء وفهم الخلفيات والدوافع التاريخية، أو العلمية، أو السياسية، أو الاجتماعية التي تقبع خلف هذا الجرح أو ذاك التعديل. فكُتب الجرح والتعديل ليست مصاحفَ منزلة حتى نُسلِّم بكل ما ورد بها، وللأسف تلك مشكلةٌ وقع فيها بعض المتأخرين وكثير من المعاصرين، فصاروا يتعاملون مع كتب الجرح والتعديل كأنها نصوصٌ مقدسة لا تقبل النقاش ولا تحتمل التأويل، دون فهمٍ للدوافع خلف هذه الأحكام.

فتم ظلم كثير من العلماء ونقلة وحملة العلم بسبب التعصب المذهبي والفكري، وسوف أحاول في هذا المقال شرح هذا الرأي الذي أرجو أن يكون حجرًا في ذاك الماء الراكد على مدى قرونٍ من الزمان، وقلما نجد من العلماء في وقتنا من يتعامل بمنهجية نقدية وبحثية محترمة مع هذه العلوم التي قيل عنها إنها نضجت حتى احترقت، وإنني بهذا البحث أقول: إن تلك العلوم، ومنها علم الجرح والتعديل فيه زوايا وخبايا لا تزال تحتاج إلى الكشف والتوضيح كما سترى بعد قليل.

وسوف أتناول كمثال عملي تطبيقي في هذا البحث أحد كبار العلماء من المتكلمين وأحد أهم الفقهاء في عصره، وكيف تم تناوله بكتب الجرح والتعديل، رغم براءته مما نسبوه إلى بسبب التعصب المذهبي المقيت الذي أودى بنا خاصةً في عصورنا الحالية.

هذا الإمام هو أبو خالد، يوسف بن خالد بن عُمير السَّمْتِي البصري، مولى صخر بن سهل بن صخر الليثي. وسهل بن صخر هذا معدودٌ في الصحابة رضوان الله عليهم. والسمتي نسبةً إلى السَّمْت وهو الهدي والدَّل، فقد كان جميل السَّمت والهدي([1]).

وُلد الإمام يوسف بن خالد السمتي في البصرة عام 120 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام. أخذ العلم عن عددٍ من كبار علماء عصره، منهم الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان، ويقول عن ذلك ابنُ أبي الوفاء القرشي الحنفي: «أحد أصحاب الإمام أبي حنيفة، وقال الصَّيْمَرِيُّ: كان قديمَ الصحبة لأبي حنيفة، كثيرَ الأخذ عنه»([2])، ومنهم: إسماعيل بن أبي خالد وهو من رجال صحيح البخاري، وخالد الحذَّاء، وعاصم الأحول، وموسى بن عقبة، وغيرهم كثير([3]).

يَذكر عن نفسه سببَ صحبته لأبي حنيفة رحمه الله تعالى فيقول: «كان سببُ لزومي أبا حنيفة، أني كنت يومًا بالكوفة على باب الأعمش، وكانت لي مسائل أعاني بها أصحاب الحديث، فكلَّمني رجلٌ منهم، فسألته عن بعض تلك المسائل فقال لي: هاهنا مَنْ هو أعلم بهذه المسائل منك، قلت: مَن هو؟ قال: أبو حنيفة، النعمان بن ثابت، قال: وما سمعت بذكره قبل ذلك الوقت، قلت: وأين ينزل؟ قال: في بني حَرَام، فأتيت بني حَرَام، فوجدته إمامهم، وهو يصلي بهم العصر، فلما صلَّى انحرف، فسألته عن تلك المسائل التي كانت معي، فجعل يجيبني فيها حتى نفدت، وكان والله أعلم بما في قلبي مني بها، فقلت له: أنت صاحبي، وأخبرته خبري، فأقمت عليه حتى كنت أمرُّ بنادي القوم، فمن كثرة مروري بها صاروا لي أصدقاء، ثم توفَّوا فصار أولادهم لي أصدقاء، ثم استأذنته في الرجوع إلى أهلي بالبصرة، فأَذِنَ لي([4]).

ويذكر الإمامُ علاءُ الدِّين الكَاساني الحنفي الملقَّب بملك العلماء المتوفى سنة 587 هجرية في كتابه «بدائع الصنائع»([5]) قصةَ لقاء السَّمتيِّ بأبي حنيفة ـ وفيها يظهر علمُ وعقلُ الإمام الأعظم رحمه الله ـ حيث قال ما صورته: «والوتر عندنا ليس بفرضٍ، بل هي واجبة، وفي هذا حكاية، وهو ما رُوى أن يوسفَ بن خالد السَّمتيِّ سأل أبا حنيفة عن الوتر فقال: هي واجبة، فقال يوسف: كفرتَ يا أبا حنيفة! وكان قبل أن يتلْمَذَ عليه، كأنه فهم مِن قول أبي حنيفة أنه يقول إنها فريضة، فزعم أنه زاد على الفرض الخَمْس، فقال أبو حنيفة ليوسف: أيهولني إكفارك إياي، وأنا أعرف الفرق بين الواجب والفرض كفرق ما بين السماء والأرض؟! ثم بيَّن له الفرق بينهما، فاعتذر إليه وجلس عنده للتعلُّم بعد أن كان من أعيان فقهاء البصرة».

ويقول أيضًا: «جالستُ أبا حنيفة سنتين ونصف، فما سمعته لَحَنَ في شيء إلا حرفٌ واحد، زعم أهل اللغة أن له فيه مخرجًا»([6]).

أخذ عن الإمام يوسف كثيرون منهم: ولده خالد بن يوسف، وخليفة بن خياط صاحب التاريخ المشهور، وأحمد بن موسى الضَّبي، ونصر بن علي الجَهْضَمِي، وغيرهم.

منزلته العلمية

لا شك أن السمتيَّ كان من فحول الفقهاء وعلماء الكلام، بالإضافة إلى مشاركته في علم الحديث والرواية، ويظهر هذا من تتبع أخباره، وأضرب مثلاً واحدًا لذلك.

ذكر ابنُ أبي الوفاء القرشي في «طبقاته»([7]) عن علي بن المديني أنه قال: «كنا عند يوسف بن خالد، فجاء هلال بن يحيى فدخل عليه، فسأله يوسف عن عدة مسائل منها: ما تقول فى رجلٍ قال لأمرأته: أنتِ طالقٌ واحدةً في آخر يوم من أول الشهر وواحدة في أول يوم من آخر الشهر، فأجاب هلال فقال: الشهر ثلاثون يومًا وإذا كان يوم خمسة عشر وقع عليها واحدة، وهو آخر يوم من أول الشهر، فإذا كان يوم ستة عشر يقع عليها أخرى، وهو أول يوم من آخر الشهر».

ونستفيد من هذه الواقعة شيئين:

الأول: راوي القصة هو الإمام علي بن المديني شيخُ الإمام البخاري رحمها الله تعالى، ومن هذا نستفيد أنَّ ابنَ المديني كان يجالس السَّمتي، ويحضر عنده كما قال هو، كما هو ظاهر القصة، وسوف نستدل بهذه الواقعة على براءة السمتي مما نُسب إليه من الزندقة والفِسْق.

الثاني: سَعة علم السمتي، وعنايته بدقائق المسائل الفقهية، ما يدل على تمكنه من هذا الفن.

اتِّهامه بالزندقة:

لم يَسلم السمتي من نقد وطعن أهل الجرح والتعديل، وقد حذَّره من ذلك الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في وصيته، وكأنه ينظر إلى الغَيْبِ من ستر رقيق، حيث قال له: «كأني بك وقد دخلتَ بصرة، وأقبلتَ على المناقضة مع مُخالفيك، ورفعتَ نفسك عليهم، وتطاولتَ بعِلمِكَ لديهِم، وانقبَضتَ عن معاشرتهم ومُخالطتهم، وهجرتَهم فهجروك، وشتمتَهُم فشتموكَ، وضلَّلتهم فضلَّلوك، وبدَّعتَهُم فبدَّعوك، واتَّصلَ ذلكَ الشَّيْنُ بنا وبك، واحتجتَ إلى الهرب والانتقال عنهم، وليس هذا برأي،  فإنه ليس بعاقلٍ مَنْ لم يُدارِ مَنْ ليس له من مداراته بُدٌّ حتى يجعل الله تعالى له مخرجًا»

فرماه الإمام يحيى بن معين رحمه الله بالزندقة، فقال ما صورته: «كذَّابٌ زنديق، لا يُكتب حديثه»، وقال أيضًا: «كذَّابٌ، خبيثٌ، عدوُّ الله عزَّ وجَلَّ، رجلُ سُوءٍ، رأيته بالبصرة لا يُحدِّث عن أحدٍ فيه خير»([8]).

وقال عنه أبو داود: «كذَّاب»، وقال النسائي: «ليس بثقة»، وقال عنه البخاري في «التاريخ الكبير»: «سكتوا عنه»([9]). إلى غير ذلك من ألقاب الجرح التي يستغربها المرء في حق هذا الإمام([10]).

ومن عجيب ما يُروى في حقِّ السَّمْتى ما رواه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل»([11]) عن أبيه قال: «سمعتُ أبى وسألته عن يوسف بن خالد السمتي، فقال: أنكرتُ قول يحيى بن معين فيه أنه زنديق، حتى حُمِلَ إلىَّ كتابٌ قد وضعه في التجهُّم بابًا بابًا ينكر الميزان في القيامة!!».([12])

ولا يخفى على من له اشتغالٌ بعلم الرجال، أن الجرح لا يُقبل إلا مفسرًا كما نُصَّ عليه في كتب المصطلح، أضف أن هذا النقد اللاَّذع في حقِّ هذا الرجل ربما يفهمه من لا خبرة له على أنه جَرحٌ على عمومه، أيَّ أن الرجل بهذه الكلمات الحادة متروكٌ بالكلية([13]).

وكم من علَمٍ وجبل من جبال السنة جُرح بأبشع الألقاب التي لو حملناها على ظاهرها وقبلناها دون بحثٍ عن أسبابها لفاتنا علمٌ كثير، وظلمْنا أناسًا كُثُر، وهذه من القواعد التي يجب أن تُقرَّر حيث غابت عن أذهان كثيرين، فتراهم يقدحون في أعلام الأمة لعبارات لم يفهموا المراد منها على وجهه، أولم يفهموا السياق الذي وردت في أو قيلت بسببه.

صورٌ من جَرح أكابر الأمة

ولتوضيح المسألة بشكلٍ دقيق؛ أسوق بعضَ أقوال العلماء من أهل الجرح والتعديل في حقِّ أعلامٍ من أكابر الأمة؛ لتقفَ على حقيقة ما قررَّت لك.

بين ابن أبي ذئب ومالك بن أنس:

الإمام مالك بن أنس هو مَنْ هو في العلم والفقه، لم يسلم من طعن الطاعنين من أقرانه، حيث يقول في حقِّهِ معاصرُه وبلديُّهُ المحدِّث الإمام ابنُ أبي ذئب رحمه الله تعالى: «يُستتاب مالك، فإن تاب وإلا ضُربتْ عنقُه!»([14])

وسبب ذلك أن مالكًا لم يعمل بحديث: «البيِّعَانِ بالخيار ما لم يتفرقا»([15]) على صحته لدليلٍ آخر ترجَّح عنده، فكان نتيجةً لهذا أن أَهدر ابنُ أبي ذئب دمَ إمام دار الهجرة إن لم يرجع عن قوله هذا!

وتحدَّث عن هذه المسألة الشيخ العلاَّمة محمد عوامة حفظه الله تعالى في كتابه «أدب الاختلاف في العلم والدين» ص152 وما بعدها، وأرى أن أنقل تحليل الأستاذ الشيخ حفظه الله للقصة، قال بعد عرضه لها ما ملخصه: «إن كلمة ابن أبي ذئب هذه لم تكن بنت ساعتها، بل لمواقفَ أخرى كانت بينهما…، وهذه المواقف هي التي جعلت ابن أبي ذئب يفرِّج عمَّا في صدره نحو مالك، فقال ما قال، ورضي الله عنهما جميعًا.

إن الإمام مالكًا كان لا يَرى موالاة أبي جعفر المنصور، ولكنه كان يرى منه البطش والشدة والدماء، بحيث كان (سفَّاحًا) ثانيًا، إن لم يكن هو الأول، فلم يكن مالكٌ ليجاهر برأيه حقنًا للدماء في المدينة المنورة ذات المركز الإسلامي العظيم، أما ابن أبي ذئب فكان لا يرى موالاة أبي جعفر المنصور، بل كان يجاهر بذلك، فتعرَّض لمخاطر نجَّاه الله منها، ودارى مالكٌ الموقف؛ فنقم عليه ابن أبي ذئب أيَّ نقمة.

وهذه القصة توضح لنا أمر الرجلين…، أنقلها من «مقالات» شيخِ شيوخنا العلامة الكوثري رحمه الله تعالى وهو نقلها عن ابن قتيبة قال: «إن أبا جعفر المنصور لما وَلِيَ الخلافة وحَجَّ، بلغه عن ابن أبي ذئب، ومالك، وابن سمعان ما كدَّر خاطره، فطلبهم بغتةً إلى سُرادق الخلافة بالليل، فكان آخر من حضر هو مالكٌ رضي الله عنه، فوجد ابن أبي ذئب وابن سمعان جالسيْن، فأمره أبو جعفر بالجلوس فجلس، فإذا في جنبي كل منهم شاهرٌ سيفًا يلمع، وحامل عمود من حديد، ثم التفت الخليفة إليهم وقال: أما بعد معشر الفقهاء، فقد بلغ أمير المؤمنين عنكم ما ضاق به صدره، وكنتم أحقَّ الناس بالكفِّ من ألسنتكم، وأولاهم بلزوم الطاعة والمناصحة في السر والعلانية لمن استخلفه الله عليكم.

 قال مالك فقلت: يا أمير المؤمنين قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6] فقال أبو جعفر: على ذلكم، أيُّ الرجال أنا عندكم؟ أمِنْ أئمة العدل، أم من أئمة الجور؟ فقال مالك: فقلت: أناشدك أن تعفيني من الكلام في هذا، قال: قد أعفاك أمير المؤمنين، ثم التفت إلى ابن سمعان وقال له: أيُّ الرجال أنا عندك؟ فقال ابن سمعان: أنت خير الرجال، تحج بيت الله الحرام، وتجاهد العدو، وتؤمِّن السُّبُل، ويأمن الضعيف بك أن يأكله القوي، وبك قِوامُ الدين، فأنت خيرُ الرجال، وأعدل الأئمة. ثم التفت إلى ابن أبي ذئب فسأله قائلاً: أيُّ الرجال أنا عندك؟ قال: أنت والله عندي شرُّ الرجال استأثرتَ بمال الله ورسوله وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين، وأهلكتَ الضعيف، وأتعبتَ القويَّ، وأمسكتَ أموالهم، فما حجتك غدًا بين يدي الله؟!

فقال أبو جعفر: ويحك ما تقول، أتعقل؟ انظر أمامك! فقال: نعم، قد رأيت أسيافًا، وإنما هو الموت ولا بدَّ منه، عاجله خيرٌ من آجله، ثم خرجا.

 قال مالك: وجلستُ، فقال أبو جعفر: إني لأجد رائحة الحنوط عليك. قلت: لما جاءني رسولك بالليل ظننته القتل، فاغتسلت، وتحنَّطت، ولبست ثياب كفني.

فقال: سبحان الله، ما كنت لأَثْلُمَ الإسلام وأسعى في نقضه، عائذٌ بالله مما قلتَ! فانصرف إلى مصرك راشدًا مهديًا.

فانصرف مالكٌ صباح غدٍ، وبعث الخليفة مِنْ ورائهم بصُررٍ فيها دنانير جمّة مع شرطي، أوصاه بقطع راس ابن أبي ذئب إن قبلها، وبقطع رأس ابن سمعان إن لم يقبلها، وترك مالكًا حرًا في الأخذ والرفض، فأخذ ابن سمعان فسَلِمَ، ورفض ابن أبي ذئب فسلم، وأخذها مالك لحاجته إليها».

فلا يتصور من ابن أبي ذئب أن تطيب نفسه، وقد رأى من مالكٍ هذا الموقف، فإنه يعتبره خذلاناً له، وسكوتاً عن الأمر والنهي…» إلى آخر كلامه حفظه الله تعالى.

فبان لك أن مثل هذه الكلمات الشديدة لها أسبابها التي تبررها، كأن تُقال هذه الكلمات نتيجةَ موقف كهذا الموقف السابق، أو نتيجةَ تعصبٍ لرأيٍ أو مذهبٍ، وعلى هذا لا تُؤخذ مثل هذه الأقوال في الاعتبار.

موقف بعض العلماء من أبي حنيفة:

كذلك لا يخفى على أحدٍ ممن مارس هذا العلم ما نال الإمام الأعظم أبا حنيفة النعمان رضي الله عنه من هذا النقد الظالم.

فقد قيل في حقِّه: «أبو حنيفة استُتِيب من الزندقة مرتين» وقيل فيه لما ورد خبر موته: «الحمد لله، كان يهدم الإسلام عروةً عروة». وقال ابن الجارود في كتابه «الضعفاء والمتروكين»: «النعمان بن ثابت جُلُّ حديثه وَهَمٌ، وقد اختُلف في إسلامه» وقائلو هذه العبارات من كبار الأئمة، كما اتُّهِمَ كذلك بالإرجاء، والكفر، وغير ذلك من تُهَمٍ لو أخذنا بها دون نظر وتدقيق لأهدرنا نصف العلم!

ولكي أوضِّح لك كيف كان لدى بعض العلماء حسّاسية من أهل الرأي، أنقل لك ما ذكره ابن أبي العوام في ترجمة يوسف بن خالد السمتي حيث روى بسنده إلى يوسف بن خالد السمتي ما صورته: «قال: أتيت أبا حنيفة فأقمت عنده ثم استأذنته في الرجوع إلى البصرة فقال لي: إنك تقدم على قومٍ لم يعنوا بهذا الأمر عنايتك، يعني الفقه، فإن ذكرتني لهم وأردتهم على قبول قولي سبُّوني، ولكن اذكر أقوالي، فإذا استحسنوها، ذكرتني لهم حينئذٍ»([16]).

وتذكِّرنا هذه الوصية بالموقف الحكيم للإمام ابن المبارك مع الإمام الاوزاعي رحمهما الله تعالى، حيث كان الأوزاعي يحمل على أبي حنيفة، ثم تغيَّر الحال إلى ما يليق بمثل هذين الإمامين بفضل حكمة ابن المبارك رضي الله عن الجميع، والقصة رواها الخطيب البغدادي في «تاريخه»([17]) بسنده إلى ابن المبارك قال:

«قدِمت الشام على الأوزاعي، فرأيته ببيروت، فقال لي: يا خراساني! من هذا المبتدع الذي خرج بالكوفة يُكنى أبا حنيفة؟ فرجعت إلى بيتي، فأقبلت على كتب أبي حنيفة، فأخرجتُ منها مسائل من جِياد المسائل، وبقيت في ذلك ثلاثة أيام. فجئت اليوم الثالث، وهو ـ أي الأوزاعي ـ مؤذِّن مسجدهم وإمامهم، والكتاب في يدي فقال: أيُّ شيء هذا الكتاب؟ فناولته، فنظر في مسالةٍ وقَّعتُ عليها: قاله النعمان، فما زال قائمًا بعد ما أَذَّن حتى قرأ صدرًا من الكتاب، ثم وضع الكتاب في كُمِّه، ثم أقام وصلَّى، ثم أخرج الكتاب حتى أتى عليها، فقال لي: يا خراسانيُّ، مَن النعمان بن ثابت هذا؟

 قلت: شيخٌ لقيته بالعراق، فقال: هذا نبيل من المشايخ، اذهب فاستكثر منه قلت: هذا أبو حنيفة الذي نهيت عنه!»

فهذه الأمثلة توضح أنَّ كل نقدٍ مهما كان قائله لا يُقبَل إلا إذا كان مفسَّرًا. وأصل هذا النقد اللاذع في حق الأئمة ناشئٌ عن ضِيقٍ أو تعصب، أو مواقف أخرى كما ذكرنا.

ولا يخفى ما كان بين المحدِّثين والفقهاء من ناحية، وبين المحدِّثين والمتكلمين من ناحية أخرى، وما بين المحدِّثين والصوفية من ناحية ثالثة، وما سبق من إشارات توضح ما قصدناه([18]).

ومن جملة ما رُمي به الإمامُ يوسف بن خالد السمتي الإرجاءُ، وحينما تتأمَّل التُّهم التي وُجِّهَتْ له وهي: ضعف الحديث، الزندقة، الإرجاء تجدها نفس التهم التي وُجِّهَتْ لشيخه أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وكأنَّ معارضي مدرسةَ الرأي في هذا الوقت لما علموا أن السمتي من تلاميذ أبي حنيفة، مع الأخذ في الاعتبار أنه أول من أدخل علم أبي حنيفة وفقهه إلى البصرة، اتهموه وطعنوا فيه، وما ذلك إلا لأنه جاء من الكوفة بعلم أبي حنيفة، وذلك ما حذَّره منه الإمام كما ذكرته آنفًا.

وسوف أقوم في هذه الصفحات القادمة بتحليل ودَفْعِ هذه التُّهم التي اتُّهم بها السمتي فأقول:

  1. رَدُّ اتهامه بوضع كتاب ينكر فيه الميزان والقيامة:

أعتقدُ أنَّ هذا الكتابَ موضوعٌ على يوسف السمتي، فهل يُعقل أن يؤلف مثل هذا الرجل كتابًا في التجهم ينكر فيه الميزان والقيامة بابًا، وينتشر أمره بين الناس، ولا يعلم به أحدٌ سوى ما يُنقل عن أبي حاتم الرازي كما ذكرنا من قبل.

بالإضافة إلى أن ابن معين لَمَّا جرَحه لم يذكر أمر هذا الكتاب، بل لم يذكر سببَ جرحه أصلاً، ولو كان مثل هذا الكتاب سبب جرح ابن معين له لذكره وما سكتَ عنه، والذي أُراه في هذا الأمر أن هذا الكتاب نُسب إليه للحطِّ من شأنه، لأنه من أتباع مدرسة الرأي، وكان ذا جَدَلٍ مع المبتدعة وغيرهم.

أضف أن أبا حنيفة نفسه من أكبر الذين ردُّوا على الجهمية، بل يُروى أن أبا حنيفة ناظر جهمًا وقال له: «اخرج يا كافر»، كما أني أعتقد أنه لن يؤلف كتابًا مثل هذا، ويجلس إليه علي بن المديني الإمام الكبير كما ذكرت آنفًا([19]).

ولا أعتقد أيضًا أن يؤلِّفُ السمتي مثل هذا الكتاب ولا يعلم به الإمام الشافعي فيقول فيه: «كان يوسفُ بن خالد رجلاً من الخيار، وفي حديثه ضعفٌ».

فكيف يُدَّعى بعد ذلك أن يوسف السمتي تلميذَ أبي حنيفة ألَّفَ كتابًا على مذهب الجهم؟!

وقد ذكر هذا المعنى الإمام البدر العيني رحمه الله تعالى في كتابه «مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار»([20]) فقال ما صورته: «يُحتمل أن يكون ما نقله أبو حاتم الرازي مِنْ وضعه كتابًا فى التجهم مفتعلاً عليه، أو يكون قبل اصطحابه بأبي حنيفة([21])، لأن صحبته مع أبى حنيفة تُنافى هذا الأثر، لأن الجهمية عند أبى حنيفة كالكفرة، ولذلك قال لجهم: اخرج عنى يا كافر…، وهذا بعيدٌ من هذا الرجل، على أنه يُنقل عنه، وَرَعٌ عظيمٌ، وحُسن صلاة وعبادة، والله أعلم…».

قلت: وكم من عالمٍ هو إمامٌ في فنه، ضعَّفُوه في فنٍّ آخر، مثل ابن إسحاق فهو إمامٌ في التاريخ والسيرة، ولكنهم جروحه في الحديث؛ وراجع أقوالَ أهل الجرح والتعديل، حتى قال فيه الإمام مالك بن أنس: «دجالٌ من الدجاجلة» على إثر خِلافٍ نشأ بينهما، فالسمتيُّ إمامٌ في الفقه، والجدل، والكلام، ولكنه ضعيفٌ في الحديث والرواية على ما ذكره الإمام الشافعي رضي الله عنه.

غير أن هذا الضعف ليس شديدًا إلى الحدِّ الذي وصفه ابن معين وابن أبي حاتم رحمهما الله تعالى، ويؤكد هذا العلاَّمة ظفر التهانوي في «إعلاء السنن»([22]) بقوله: «وفي «الجواهر المضية» قال الحاوي: “سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: كان يوسف بن خالد رجلاً من الخيار” وفيه تأييدٌ لما قلنا: إن السمتي فيه ضعفٌ يسير، وأكثر ما نقموا عليه الإغراق في الرأي والجدل، وإلا فالرجل في نفسه من الخيار، ولهذا ليَّنَهُ الحافظ ولم يُضَعِّفْه» انتهى.

  1. رَدُّ قول ابن معين رحمه الله: “إنه لا يحدِّث عن أحدٍ فيه خير”:

ذَكَرَ الشيخ عبد الحي اللكنوي رحمه الله تعالى في كتابه «الرفع والتكميل في قواعد الجرح والتعديل»([23]) ما صورته: «وقال السخاوي في «فتح المغيث»: وقد قسم الذهبيُّ مَنْ تكلَّم في الرجال أقسامًا:

  1. فقِسم تكلموا في سائر الرواة كابن معين وأبي حاتم.
  2. وقِسم تكلموا في كثير من الرواة كمالك وشعبة
  3. وقِسم تكلموا في الرجل بعد الرجل كابن عيينة والشافعي.

قال: والكل على ثلاثة أقسام أيضًا :

  1. قِسْمٌ منهم مُتعنتٌّ في الجرح، مُتثبِّتٌّ في التعديل، يَغْمِزُ الرَّواي بالغلطتين والثلاث، فهو إذا وثَّق شخصًا فعُضَّ على قوله بنواجذك، وتمسَّك بتوثيقه، وإذا ضعَّف رجلاً فانظر؛ هل وافقه غيره على تضعيفه؟ فإن وافقه، ولم يوثِّق ذاك الرجل أحدٌ من الحُذَّاق فهو ضعيف، وإن وثَّقه أحدٌ فهذا هو الذي قالوا: لا يُقبل فيه الجرح إلا مفسَّراً، يعني: لا يكفي قول ابن معين مثلاً: هو ضعيف، ولم يبيِّن سبب ضعفه، ثم يجيء البخاري وغيره ويوثقه ، ومثل هذا يُختلف في تصحيح حديثه وتضعيفه».

ومعلومٌ أيضًا أن الجرح لا يُقبلُ في حالة اختلاف المشرب أو المذهب أو في حالة الغضب أو العداء، مثل نَقْدِ ابن معين للشافعي، ونقد أحمد للحارث المحاسبي، ونقد مالك لابن إسحاق رحمهم الله جميعًا، وقد ذكرتُ طرفًا من ذلك.

فمِنْ هذا التقسيم الذي ذكره الإمام الذهبي رحمه الله تعالى، نرى أنه وضع ابن معين في طبقة المتشددين في الجرح والتعديل معًا، وهذا معروفٌ لدى أهل الشأن، وعلى هذا نقول:

قول ابن معين: “ما رأيته يُحدِّث عن أحد فيه خير” غير مسلَّمٍ، وذلك أني تتبعت شيوخ السمتي رحمه الله تعالى؛ فوجدتُ منهم أهلَ العلم والرواية والإسناد الذين لا مطعن فيهم بحال من الأحوال، فرأسهم الإمام الأعظم رضي الله عنه، ومنهم: إسماعيل ابن أبي خالد الأحمسي البَجَلي، وهو من رجال الإمام البخاري، قال عنه ابن حجر في «التقريب»: “ثقة ثَبْتٌ”.

ومنهم: إسماعيل بن مسلم المكي قال عنه في «التقريب»: “صدوق”، ومنهم: والده خالد بن عمير البصري، قال عنه: “مقبول، مخضرم”، ومنهم: الإمام الكبير سليمان الأعمش، قال عنه: “ثقة، حافظ، عارفٌ بالقراءات”، ومنهم: عاصم الأحول قال عنه: “ثقة”، ومنهم: مسلمة بن قَعْنَب، والد القَعْنبي، قال عنه: “ثقة”، وغيرهم. فكيف نقبل قول ابن معين السالف؟! فهذا فيه ما لا يخفى.

ولعلَّ حقيقة الأمر تتضح بما نقله ابنُ سعد كما في «الطبقات»([24]): «وكان له بَصَرٌ بالرأي، والفتوى، والشروط، وكان الناس يتَّقُون حديثه لرأيه».

 وما ذكره ابن حجر في كتابه «تهذيب التهذيب»([25]) قال بعد نقل كلام الطاعنين فيه: «وقال السَّاجي: ضعيفُ الحديث، كثير الوَهَم، كان صاحبَ رأيٍّ وجَدَلٍ في الدِّين، وهو أول من وضع كتاب الشروط([26])، وأول من جلب رأي أبي حنيفة إلى البصرة، كذَّبه يحيى بن معين، وأحسب أنه حمل عليه؛ لأنه قَبِلَ أن يناظر نصرانيًا فقطعه، ثم قال له: أتقلَّد قولَك وناظرني، فأحسب أن ابن معين غلط أمره من هذا الطريق…». 

وبهذين النصين السابقين نستطيع أن نفهم حَمْلَ ابنِ معين على السمتي ومع ما في كلام السمتي من خطورةٍ قد تبدو من أول وهلة، إلا أن هذا ليس من الدواعي التي يُجرح من أجلها الرجال، ويتركون ويُرمَوْنَ بالزندقة. وقد وضَّح الحافظ ابن حجر مقولةَ ابن سعدٍ السابقة الذكر كما مرَّ.

وقد حدث مثل هذا من جانب الإمام الكبير أحمد بن حنبل في حق الحارث بن أسد المحاسبي، حيث طعن الإمام أحمد في الحارث المحاسبي لتكلمه في علوم الصوفية وبلسانهم، وانخراطه في شرح علوم القوم، وردِّه على أهل الأهواء والبدع، وهذا ليس من دواعي جرح الرجال أيضًا([27]).

إذن الإمام يوسف بن خالد السمتي هو إمامٌ في الرأي، فهو أول من أدخل فقه أبي حنيفة للبصرة كما ذُكر، وإمامٌ في الكلام، والجدل، وما ورد في حقِّه من طعن قد أوضحت سببه وبيَّنتُ ما وراءه.

وفاته:

اختُلف في وفاته على قولين:

الأول: أنه توفي عام 189 وهذا ما أرَّخه معظم من أرخ له.

الثاني: أنه توفى عام 190 وهذا ما أرخه به تلميذه خليفة خياط في تاريخه.([28])

 

([1]) «الأنساب» 294:3.

([2]) «الجواهر المضية في طبقات الحنفية» 626:3.

([3]) راجع «تهذيب الكمال» للمزي 441:32.

([4]) «فضائل أبي حنيفة وأخباره ومناقبه» ص 347.

([5]) 271:1.

([6]) «فضائل أبي حنيفة وأخباره ومناقبه» ص 203.

([7]) 627:3.

([8])  «الجرح والتعديل» 222:9، و«تهذيب التهذيب» 260:6.

([9]) «التاريخ الكبير» 388:8.

([10]) قلت: وُلد السَّمْتي عام 120، وابن معين عام 158 أي أن السمتي يكبر ابنَ معين بثمانٍ وثلاثين سنة، ولما بدأ ابنُ معين في طلب العلم قارب السمتي على الخمسين من عمره!

([11]) 222:9.

([12]) ورد هذا الخبر في «ميزان الاعتدال» 294:7 ما صورته: رأيت له كتابًا وضعه في التجهم ينكر فيه الميزان والقيامة!!

قلت: لم يقل مسلمٌ من أي فرقةٍ كانت مثل هذا القول، فهذا ما بقول جهميٍّ ولا معتزليٍّ ولا قَدَرِيٍّ ولا حتى بقول يهودي.

([13]) قال عبد الحي اللَّكنوي في «الرفع والتكميل» ص 80 ما صورته: «وأما الجرح فلا يُقبل إلا مفسرًا مُبيَّنَ سبب الجرح، لأن الجرح يحصل بأمرٍ واحد، فلا يشق ذكره، ولأن الناس مختلفون في أسباب الجرح، فيطلق أحدهم الجرح بناءً على اعتقاده جرحًا، وليس بجرح في نفس الأمر، فلا بد من بيان سببه ليظهر أهو قادحٌ أم لا».

([14]) «العلل ومعرفة الرجال» 193:1

([15]) البخاري في «صحيحه»58:3،59 وغيره، وأبو داود في «سننه» 216:4،218 ، والترمذي في «سننه» 527:2،528.

([16]) «فضائل أبي حنيفة» ص 348.

([17]) 338:13.

([18]) راجع ما كتبه الأستاذ الشيخ العلاَّمة محمد زاهد الكوثري رحمه الله تعالى في تعليقه على «شروط الأئمة الخمسة» للإمام الحازمي ص 32،33 وما علَّقه على رسالته «الحاوي في سيرة الإمام أبي جعفر الطحاوي رضي الله عنه» ص 31.

([19]) راجع ص 18.

([20]) 264:3. بتصرُّفٍ يسير.

([21]) هذا الاحتمال مندفعٌ بما نقلته عن ابن أبي العوام في صحبة السمتي للإمام أبي حنيفة النعمان رحمهما الله تعالى.

([22]) «إعلاء السنن» 74:8.

([23]) ص 284.

([24]) 293:9

([25]) «تهذيب التهذيب» 260:6.

([26]) يقول الإمام أبو الحسن علي بن الحسن المعروف بالخزاعي التلمساني المتوفى سنة 789 في كتابه «تخريج الدلالات السمعية» ص 284 في معنى الشروط ما صورته: «الفصل الخامس: في معنى قولهم: كتابة الشروط والوثائق والعقود: قال أبو بكر ابن العربي في «العارضة»: الشرط في العربية: العلامة، ومنه أشراط الساعة، وهو عبارةٌ عن كل شيء يدل على غيره، ويعلم مِنْ قِبَله، ولما كانت العقود يُعرف بها ما جرى سُمِّيت شروطًا، وفي ديوان الأدب: وزنه فعَل بفتح العين».

وذكر ابنُ أبي العوام في كتابه «فضائل أبي حنيفة» ص 347 بسنده إلى يحيى بن أكثر قال: «كلُّ كتابٍ يعني من الشروط، يرد عليَّ فهو عيالٌ، غير كتاب يوسف بن خالد، فإنه إذا ورد عليَّ كنتُ عِيالاً عليه».

([27]) انظر لزامًا مقدمة «رسالة المسترشدين» للحارث المحاسبي بعناية الأستاذ الشيخ العلامة عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى، فقد أفاض وأجاد القول في هذه المسألة بما يشفي ويكفي، وراجع كذلك «الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء» لابن عبد البر باعتنائه أيضًا ص 280،281 (ت).

([28]) «تاريخ خليفة بن خياط» ص 459.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!