الصورة واللغز: التأويل الصوفي للقرآن عند محي الدين بن عربي

الصورة واللغز: التأويل الصوفي للقرآن عند محي الدين بن عربي

الصورة واللغز: التأويل الصوفي للقرآن عند محي الدين بن عربي

إضافة جديدة للمكتبة الأكبرية

بقلم: محمد شوقي الزين 

لا تقترب التجربة العرفانية من اليومي والاعتيادي ولا تبتعد عنهما. لكن الأمر الأساسي هو أنها ترى في اليومي أو العادي نتاج تجليات الحقّ؛ فكلّ حقير، في منظورها، هو جليل لأنه مجلى الحق، وكلّ ظاهرة عادية من حجر وشجر ومدر هي علامات تدل على الحق الكامن فيها. تجربة ابن عربي هي تجربة “نعم و لا” .. ولها واقعة تاريخية، وهي حواره المقتضب والرمزي مع ابن رشد. أتكلم من جهتي عن تجربة “هو لا هو”، لأنها أوسع من حيث البنية والمضمون. عندما نتحدث عن “هو لا هو”، فإننا نتكلم عن الجمع بين نقيضين، من حيث أن الحق هو الأشياء وما الأشياء هي الحق. نضع أنفسنا في مجال سمّاه الكاردينال الكاثوليكي نيكولا الكوسي Nicolas de Cues “تواطؤ الأضداد”، وقبله سمّاه ابن عربي “علم تآلف الضرّتين”. كذلك التجربة العرفانية هي رؤية فينومينولوجية للأشياء، قائمة على “الرصد” بافتراس (من “الفراسة”) حقيقتها؛ وعلى “الصدر” (إذا استعملتُ القلب اللغوي) بتحيُّن صدورها الأصلي ومآلها البعدي. والمجال الجميل والجليل، الذي تتبدّى فيه التجربة العرفانية برؤيتها الفينومينولوجية والتأويلية، هو مجال اليومي والعادي، ذلك المجال الذي يُبهر ببساطته ولكنه من التعقيد والكثافة ما يتطلب أدوات ونظرات، فقط لأنّ «السطح هو أعمق الأشياء في الوجود»، كما قال فتغنشتاين في ما معناه. فينبغي الولوج في الظواهر من وراء المظاهر، أو يتوجّب التكهّن بوجود ظواهر غائرة من وراء المظاهر السطحية. ولا يكون ذلك بضرب من الخيال والتوهّم، ولكن بطريقة منهجية في تقصّي الحقائق والولوج في “غور الأمور” كما سماه الحكيم الترمذي؛ وهذه الطريقة هي مزدوجة، عقلية ووجدانية، بين ما يدركه العقل بالمبادئ الموضوعة فيه، وما يدركه القلب بأدواته الذوقية والباطنية. يكتسي اليومي إذن صفة فينومينولوجية تذهب إلى ما وراء شيئيته البسيطة، لأنها تدرس موقعه في عالم الأشياء المحيطة به؛ والوعي الذي يدركه ويحدس جوانبه المعقولة أو المشهودة. بهذا المعنى توفّر التجربة العرفانية بعض الجوانب الفينومينولوجية والتأويلية في الاضطلاع بشيئية الوجود والكيفية التي يطلع فيها أمام الوعي كطلوع الشمس وبروزها للعين. وفي ذلك أطنب الخطاب الصوفي حول شيئية الوجود بالتركيز على طابع الفيض والعطاء، تبعاً لمقولة ابن عربي الشهيرة: “عن الجود صدر الوجود“؛ وتبدو الأشياء في الحياة اليومية حُبلى بهذا الجود الوجودي لمن تفقّه المسألة بعين غائرة؛ سيلان دائم وعطاء لا ينضب.

انشغل محمد شوقي الزين بالمتن الأكبري منذ فترة طويلة، وأصدر عددًا من البحوث والدراسات تضاف إلى المكتبة الأكبرية، نذكر منها على سبيل المثال : 

1-ابن عربي: المعرفة وتجلّيات الوجود، الجزائر-بيروت، منشورات الإختلاف والدار العربية للعلوم، 2010، 480 صفحة .

2-«التأويل الرمزي لآية النور عند ابن سينا والغزالي وابن عربي»، مجلة أرابيكا، عدد 56، ليدن/هولاندا، أبريل، 2009، ص. 543-595

3-«التأويلية والرمزية: التأويل عند ابن عربي»، مجلة الدراسات الشرقية، المعهد الفرنسي للشرق الأوسط، دمشق، 2009، ص. 351-384.

4-«العبودية والتناهي في تأويلية ابن عربي»، مجلة كربون، عدد 1، 2006، ص. 25-32 .

5- «ابن عربي، التأويل والكتابة»، مجلة لقمان، طهران، مجلد 15، عدد 2، ص. 85-98، 1999.(بالفرنسية).

6-«تفكيكية ابن عربي: التأويل، الإختلاف، الكتابة»، عدد 36، 1999، ص. 53-59.

7-«قراءة في كتاب ابن عربي ومولد لغة جديدة لسعاد الحكيم»،مجلة مدارات، تونسعدد 9-10، 1997-1998، ص. 151-168.

وقد صدر مؤخرًا له عن (مؤمنون بلا حدود) كتابه عن التأويل الصوفي للقرآن عند محي الدين بن عربي، ويطرح الكتاب الفكرة التالية: 

ابن عربي

لم يكن مذهب ابن عربي سوى تأويل نبيه للقرآن، مقتفياً أثره البياني، متشرباً من منهله العرفاني؛ جامعاً بين محاكاة المبنى والتماس المعنى. لم يأت هذا التأويل على شاكلة التفاسير أو التأويلات العريقة، إنما جاء في إطار نظريات قدم لها الصيغة والوجهة في بطون الأبواب والفصول والرسائل، قائمة في مجملها على الوحدة الوجودية والرحمة الشاملة. في تأويله للقرآن، جمع ابن عربي بين المعرفي والوجودي، بين الحق والخلق، بين الحرف والمعنى، لأنه انطلق أساساً من الجمعية التي يتميّز بها القرآن: إنه الجمع في عين التفرقة؛ وقرأ برؤية ثاقبة وفراسة نادرة مداخل الآيات والسور ومعارجها، لأنه انطلق من المقروئية الرمزية التي يختص بها القرآن: إنه القراءة في صيغة المبالغة. تأتي هذه المحاولة كإضافة للدراسات التأويلية وتتميّز بضيافة بارزة: قراءة ابن عربي بعيون العصر وقراءة العصر بعيون ابن عربي في تداخُل متحقق. قامت هذه المحاولة بتوظيف أدوات حددتها في التأويل الرمزي الخاص بالتصوُّر الصوفي والعرفاني للقرآن، ومجالات حددتها في التأويل الباروكي الخاص بكل رؤية ترى الوجود مثالاً قائماً أو حلما عابراً يتطلب السبر الكشفي والصبر المفهومي. الجمع بين الأداة والمجال من شأنه أن يكشف عن الجانب المعرفي في الاضطلاع بالموضوعات والمباحث، وعن الجانب الأنطولوجي في نمط العلاقة بالموضوعات والمباحث سواء كانت الله أو العالم أو الإنسان. فهي تعمل على إرساء قاعدة بسيطة في كل ممارسة تأويلية وهي أن الاشتغال على الموضوع هو الاشتغال على الذات. لم يكن التأويل الصوفي للقرآن سوى هذا الربط الرمزي والروحي بين الذات العارفة وموضوع المعرفة، بين القيمة النظرية في إدراك الموضوع والقيمة الهيرمينوطيقية في العيش وُفق نمط معيَّن من العلاقة بهذا الموضوع. لا شك أن القرآن عند ابن عربي يشكل في الوقت نفسه الموضوع والمجال، النص والمعيش، الكلمة والخبرة، لذلك كان الأفق الشامل لكل نظرية تأويلية في الثقافة الإسلامية، وفي الثقافة الصوفية على وجه التحديد.

فهرست الكتاب 

مقدمة: «الليس» و«الأيس» في قراءة ابن عربي
– في الصورة؛ – في التأويل؛ – في التصوف؛ – في القرآن؛ – المصادر المعتمد عليها.

الفصل الأول: سؤال التأويل في الثقافة الإسلامية بين التبني والتجني
1- دعاة التأويل والحجج النصية والبرهانية: النزوع الأيقونوفيلي
– القاضي النعمان: متضايف الظاهر والباطن
– السراج الطوسي: الاستنباط والفهم
2- أعداء التأويل والمسوّغات النقلية والعقلية: النزوع الأيقونكلستي
– هل ثمة قانون في التأويل؟ الغزالي وابن العربي
– رُهاب التأويل: ابن قدامة وابن تيمية

الفصل الثاني: التفسير والتأويل: مقتضيات مذهبية ومنطلقات أيقونية في التمييز الاصطلاحي
1- النص بين التفسير والتأويل: الحرف والمعنى
– طبيعة النص بين التشكيل الثقافي والتحويل المثالي
– التفسير والتأويل بين القيمة الإستراتيجية والقيمة التكتيكية
2- التفسير الحرفي والتأويل الباطني: تاريخ صراع مذهبي وميتافيزيقي
– فسر وسفر: فواصل بين الأعراض والأغراض
– حرفية النص أم باطنية المعنى؟ بين تحريف الواقع واستبطان العالم

الفصل الثالث: التأويل الرمزي كتأويل باروكي: بين النحو والانحناء
1- مفاهيم ملتبسة: تركيب نحوي في التأويل الرمزي
– النحو التأويلي: العلامة، الرمز، الأمثولة
– الانحناء الرمزي: مقاربة باروكية في صيغة التأويل.
2- التأويل الباروكي: كيف أن التأويل هو رؤية منعرجة للنص؟ الانحناء والانكسار
– الباروك: ما هو؟
– التأويل الباروكي: مقدمة في تعاريج النص ومنعرجات النفس

الفصل الرابع: التأويل الصوفي عند ابن عربي: الرؤية والمنهج
1- السجال المعاصر حول ينابيع التأويل لدى ابن عربي: شودكييفتش ضد كوربان
– البحر والتأويل: النزوع الأيقونوفيلي في مدرسة كوربان
– الساحل والحرف: الميل الأيقونكلستي في مدرسة شودكييفتش
– النص والمنهج: القراءة العربية المعاصرة للتأويل عند ابن عربي (نصر حامد أبو زيد، ساعد خميسي، أحمد الصادقي)
2- التأويل بعيون ابن عربي: الاستعمال والوقاية
– ضد التأويل: التسويغ النصي
– مع التأويل: الاعتبار الأنطولوجي

الفصل الخامس: كيف قرأ ابن عربي القرآن الكريم؟ بحث في حقيقة الكلام وصيغة المتكلم
1- بين الجمع والتفرقة: القرآن قبل القرآن
2- الترجمة عن القرآن: التأويل والترجمان
3- بين تفسير النص والإسفار عن القرآن: المسألة الأنطولوجية.
4- فيما وراء التفسير: قصة الإسفار

الفصل السادس: الإسفار عن القرآن (1): آية النور بين التفسير والترميز
1- آية النور بين التفسير التراثي والتأويل العرفاني
– التفسير التراثي: من الطبري إلى ابن العربي وابن الجوزي
– التأويل العرفاني والإشراقي: ابن سينا والغزالي
2- رموز النور في الإسفار الأكبري
– الفرادة الأنطولوجية للشيئية القرآنية: رموز الآية بين الحس والمعنى
– الأنوار من التراتُب إلى التراكُز: الإمداد والامتداد

الفصل السابع: الإسفار عن القرآن (2): الرحمة الشاملة والإسلام الأزلي
1- الرحمة الواسعة والجلفية الضيّقة: بحث في الأنثروبولوجيا الروحية.
أولاً، النَفَس الرحماني: صدور الكائنات من صدر الكيْن
– الكلمة والعماء: في الإسفار عن الآية «كلمة ألقاها إلى مريم وروح منه» (النساء، 171)
– النفخ والهباء: في الإسفار عن الآية «فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله» (آل عمران، 49) و«إذا سويته ونفختُ فيه من روحي» (الحجر، 29)
ثانياً، النَفَس والحب: سعة الرحمة وضيق الجلفية
– الـحُب الأصلي والـخَب البشري: في الإسفار عن الآية «يحبُّهم ويحبّونه» (المائدة، 54) و«ألا له الدين الخالص» (الزمر، 3)
– السعة والضيق: في الإسفار عن الآية «ورحمتي وسعت كل شيء» (الأعراف، 156)
2- الإسلام المثالي والإسلام التاريخي: بحث في معضلة قرآنية
– الإسلام الأزلي والدين العالمي: في الإسفار عن الآية «إن الدين عند الله الإسلام» (آل عمران، 19)
– الإسلام التاريخي والدين الإقليمي: في الإسفار عن الآية «ورضيت لكم الإسلام ديناً» (المائدة، 3)
– المنغلق الإيديولوجي والمنفتح الأنطولوجي: في الإسفار عن الآية «ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله» (النساء، 125)

خاتمة: في الأخير، كيف نؤول؟ العرفان، القرآن، الوجدان

 

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!