الإنسانُ الصُّوفيّ

الإنسانُ الصُّوفيّ

 

 الإنسان الصوفي                                                                                           

د. توفيق بن عامر

 

           غالبًا ما يشاع عن التصوف أنه التفات إلى الغيب، وتعلق بالكائن الأعلى، وانفصال عن دنيا الناس. وأن حديث الصوفية عن الله وعن العالم الماورائي يستغرق كل نشاطهم الروحي والفكري، ويستحوذ على تمثلاتهم للوجود بمعزل عما يتصل بالكائن البشري وأوضاعه الإنسانية والاجتماعية ومنزلته ودوره في العالم المحيط به. وقد ارتأينا مناقشة هذا الرأي السائد عن التصوف وإعادة النظر فيه بالبحث عن تصور الصوفية للإنسان، وعن موقفهم منه، وعن نظرتهم إلى علاقته بغيره وبالمجتمع الإنساني.

         وقد اتخذنا من الحديث عن الإنسان الصوفي مدخلًا لهذه المراجعة. وليس المرادُ بالإنسان الصوفي الإنسانَ المتصوف من الزاوية التاريخية؛ فذلك المعنى يحيلنا إلى الحديث عن التصوف والصوفية إجمالًا، وهو ما لا نعتزم النظر فيه أو المراهنة عليه في هذه المساهمة. إنما المراد بالإنسان الصوفي هو الأنموذج الذي وضعه المتصوفة للإنسان، أو الذي كان هدفًا وغاية لطموحهم يرون فيه تجسيمًا للمثال، ويرومون تحقيقه على أرض الواقع سواء من جهة الجوهر والكيان أو من جهة السلوك والممارسة أو من خلال ما يربطه من علاقات مع الخالق ومع الكون .

       ومن الأسئلة التي تقتضي الطرح في هذا السياق: هل للصوفية رؤية إنسانية أم اكتفوا باهتمامهم بالكائن الأعلى، واقتصر همهم على رعاية حقوق الله في غفلة تامة عن حقوق الإنسان؟ وهل الإنسان عندهم كائن ثابت أم متطور؟ وما هو تصورهم للكمالات الإنسانية؟

 

 

       نؤكد من جديد ونحن في مدخل هذا البحث أن عبارة ” الإنسان الصوفي ” لها دلالتان أساسيتان؛ تتعلق الأولى بالإنسان كما تصوره الصوفية وكما اعتقدوه، وتتعلق الثانية بما راموا تحقيقه منه في ذواتهم أو دعوا أتباعهم ومريديهم إلى تمثله في سلوكهم. ونحن نعتزم الوقوف على تفاصيل كلٍّ من هاتين الدلالتين وعلى ما بينهما من علائق ظاهرة أو مضمرة تشد العلم إلى العمل وتربط الاعتقاد بالسلوك.

       فكيف تصور الصوفية الإنسان وكيف تمثلوا حقيقته وموقعه في هذا العالم؟

في التصور والمعتقد:

     يرى الصوفية أن الإنسان هو علة وجود الكون. ذلك أن الله عندما كان في الأزل ولا شيء معه أحب أن يعرف، فخلق الكون ليرى ذاته فيه وليكون مرآة له ودليلًا على حقيقته. وهم يستندون في ذلك إلى الحديث القدسي: «كنت كنزًا مخفيًّا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبه عرفوني». وبما أن الإنسان هو الحري بالمعرفة وهو المعني بالدليل، فهو إذن المرآة التي يتجلى فيها الله لذاته في أكمل صورة، وهو العالم الأصغر الذي اختزل في ذاته العالم الأكبر فمثّل بذلك مركز الخلق وعلة الوجود.

       يقول الحلاج في هذا المعنى :« تجلى الحق لنفسه في الأزل قبل أن يخلق الخلق وقبل أن يعلم الخلق، وجرى له في حضرة أحديته مع نفسه حديثٌ لا كلام فيه ولا حروف، وشاهد سبحات ذاته في ذاته . وفي الأزل حيث كان الحق ولا شيء معه نظر إلى ذاته فأحبها وأثنى على نفسه، فكان هذا تجليًّا لذاته في ذاته في صورة المحبة المنزهة عن كل وصف وكل حد، وكانت هذه المحبة علة الوجود والسبب في الكثرة الوجودية . ثم شاء الحق سبحانه أن يرى ذلك الحب الذاتي ماثلًا في صورة خارجية يشاهدها ويخاطبها فنظر في الأزل وأخرج من العدم صورة من نفسه لها كل صفاته وأسمائه وهي آدم الذي جعله الله صورته أبد الدهر» (1).

         ففي البدء كان الحب، وفي البدء كانت المعرفة وهاتان القيمتان سيسعى الإنسان الصوفي إلى اكتشافهما عبر تجربته الروحية؛ لأنهما تمثلان سر خلقه وعلة وجوده . فثمة علاقة حميمة بين الخالق والمخلوق ورابطة أزلية بين الله والإنسان تتمثل في سر الخلق وعلة الوجود وقد صور ابن عربي هذه العلاقة بقوله: «نحن مفتقرون إليه من حيث وجودنا وهو مفتقر إلينا من حيث ظهوره لنفسه» (2).

       ويروي لنا عبد الكريم الجيلي قصة الخلق بتفصيل دقيق مبرزًا فيها وظيفة الإنسان ومنزلته في الكون. وقد أجمل المستشرق رينولد- أ- نيكلسون تلك التفاصيل في قوله: «يسمي الجيلي الذات الإلهية في بساطتها وتجردها عن جميع الصفات والنسب بالعماء، وهي تخرج عن تجردها وبساطتها إلى ذات مدركة عاقلة في ثلاث مراحل: الأولى مرحلة الأحدية والثانية مرحلة الهوية والثالثة مرحلة الآنية. وبهذه الطريقة التنازلية يصبح الوجود المطلق عاقلًا ومعقولًا، ويتجلى في صورة الألوهية بصفات مختلفة تنطبق على كل مراحل الوجود. وهو إذ يتجلى في كل مخلوق ببعض صفاته على قدر استعداد ذلك المخلوق يتجلى في الإنسان بجميع تلك الصفات؛ لأن الإنسان هو العالم الأصغر وفيه وحده يتجلى الحق لذاته بجميع صفاته») 3).

             وإذا كان الإنسان في نظر الصوفية هو علة الوجود فهو في نظرهم الغاية من هذا الوجود أيضًا؛ فكل الكائنات من عالم الطبيعة وعالم الحيوان قد خلقت لأجله وتم تسخيرها لفائدته لأنه هو المقصود من الخلق في النهاية. فخلق الموجودات هو تمهيد لوجوده ووسائل مسخرة له لبلوغ الكمال، فهو الهدف من الخلق وغاية المشروع الإلهي في هذا الوجود. وفي هذا السياق يستند الصوفية إلى الحديث القدسي: «لولاك ما خلقنا الأفلاك»Ị

       وقد تجلى ذلك البعد الغائي في خلق الإنسان في مظاهر شتى من الخطاب الصوفي من بينها مناقشة بعض الصوفية لمسالة القَبْلية والبعدية في الخلق: فإذا ما كان خلق الإنسان بعد خلق الأكوان، فإن له مرتبة البعدية في الظاهر وله مرتبة القبلية في الباطن، فالآخر في الخلق هو الأول في الخلق على الحقيقة لأن العبرة بالهدف لا بالحدث وبالمراد لا بالمعتاد وبالباطن لا بالظاهر. وهنا يستحضر الصوفية في خطابهم صورة الحدائقي الذي يسهر على تهيئة التربة لينبت الشجر ويتعهد الشجر لينتج الثمر، فالأولوية في مراحل ذلك السعي هي للثمر وإن كان ظهوره في آخر مرحلة. وهذا النسق الرتبي لا ينطبق عند الصوفية على الإنسان فقط، بل يشمل كذلك حقيقة النبوة المحمدية التي سبقت في اعتبارهم كل النبوات وإن تأخرت عن سابقاتها في الزمن الظاهر، وهم يروون في ذلك الحديث النبوي: «كنت نبيًّا وآدم بين الماء والطين»، ويقيمون عليه نظرية الحقيقة المحمدية السارية في سائر النبوات، إلى أن تمثلت في طور اكتمالها في شخص النبي محمد عليه السلام . كما يشمل ذلك النسق رسالة الإسلام ذاتها التي هي في اعتبارهم أصل الرسالات والديانات، وإن لاحت تاريخيًّا رسالة خاتمة.

      والإنسان عند الصوفية كائن بشري لكن جوهره إلهي، فهو من طين ولكن روحه إلهية، أو لنقل: فيه قبس من الروح الإلهية بشهادة القرآن في روايته لعملية الخلق: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ (4). وقد دعم الصوفية هذا التصور عندما استندوا إلى الأثر النبوي الذي غالبًا ما تداولوه فيما بينهم، وأقاموا عليه تصورهم للإنسان ومفاده أن الله « خلق آدم على صورته»؛ لأنه بمثابة المرآة التي تجلى فيها لذاته أو رأى ذاته فيها. وبذلك نفهم قول الحلاج عن آدم الذي «جعله الله صورته أبد الدهر…… وكان من حيث ظهور الحق بصورته هو هو» (5)، ونفهم أيضًا حديثه عن الطبيعة الإنسانية المزدوجة والمركبة من ثنائية « اللاهوت» و« الناسوت » وذلك حين أنشد:

سبحان من أظهر ناسوته    سر سنا لاهوته الثاقب

ثم بدا   لخلقه   ظاهرًا     في صورة الآكل والشارب

حتى لقد   عاينه خلقه     كلحظة الحاجب بالحاجب (6)

   كما أن ابن عربي ينظر إلى « اللاهوت » و« الناسوت » على أنهما وجهان لحقيقة وجودية واحدة(7)، ويرى أن الإنسان يجتمع فيه العالمان: عالم الظاهر المتشكل من عناصر الطبيعة، وعالم الباطن المتمثل في حقيقته الإنسانية المستمدة من القبس الإلهي الذي أودعه الله فيه. وهو يرى كغيره من الصوفية أن الإنسان متكون من ثنائية الروح والجسم وأن الروح تنتمي إلى عالم الحقيقة، وفي ذلك سر خلودها، وأن الجسم ينتمي إلى عالم الكون والفساد.

      وقد رسم الصوفية ملامح الصورة الإلهية التي اصطبغت بها كينونة الإنسان، والتي أضحى بفضلها بمثابة المرآة للذات الإلهية، وتتمثل تلك الملامح، عند أغلبهم، فيما تحلى به هذا الكائن من الأسماء والصفات الإلهية. فالله على حد قول عبد الكريم الجيلي في شرحه لحديث: «خلق الله آدم على صورته» هو: «حي عليم قادر سميع بصير متكلم، وكذلك الإنسان»(8)، إلا أن تلك الملامح تتجاوز عند بعضهم الأسماء والصفات لتشمل الذات، ولعل الجيلي من هؤلاء الذين يرون الإنسان ثلاثي الأبعاد لتمثيله الذات فضلًا عن الأسماء والصفات. وهو يلتقي في ذلك مع الحلاج الذي يرى أن الحب والمحب والمحبوب واحد، ويلتقي كذلك مع ابن عربي الذي نقل الحب إلى المعرفة، فكان العلم والعالم والمعلوم عنده واحدًا أيضًا. يقول الجيلي:

إن قلت واحدة صدقت وإن تقل اثنان حقًّا إنه   اثنان

أو قلت: لا بل إنه لمثلث   فصدقت تلك حقيقة الإنسان(9)

وشبيه بذلك قول محيي الدين بن عربي حين أنشد:

تثلث محبوبي وقد كان واحدًا     كما صيروا الأقنام بالذات أقنما(10)

وإذا كان ابن عربي يرى أن الحق والخلق وجهان لحقيقة واحدة، فإن الجيلي قد ذهب إلى اعتبار أن الذات الإلهية «هي جوهر له عرضان الأول الأزل والثاني الأبد، وله وصفان الأول الحق والثاني الخلق، وله نعتان الأول القدم والثاني الحدوث، وله اسمان الأول الرب والثاني العبد، وله وجهان الأول الظاهر وهو الدنيا والثاني الباطن وهو الأخرى»(11).  

       وصفوة القول: إن أهم ما يشكل إنسانية الإنسان في نظر الصوفية هو الروح التي أودعها الله فيه وجعلها مستودع حبه ومعرفته والخيط الرابط بينه وبين الوجود الإلهي أو «الحق» على حد تعبيرهم. أما الجسد فمعدنه من طبيعة أرضية ومن عناصر العالم الدنيوي، بل ليس له وجود حقيقي عند بعضهم، أو هو كسائر الوجود الكوني ظل للوجود الحقيقي. وكذلك النفس بنوازعها وغرائزها هي عندهم انعكاس لذلك الجسد ومكمن للأهواء المضلة. وأما العقل فهو موطن الأوهام؛ لتعلقه بالأجزاء وغفلته عن الوجود الجامع، ولأنه محدود بحدوده المرسومة له وقاصر عن تجاوزها إلى أفق الروح الأرحب.

         والإنسان عند الصوفية كائن ملتزم برسالة وحامل لأمانة في هذا الكون، وقد دعي إلى الاضطلاع بتلك الرسالة وتحمل تلك الأمانة منذ خلقه، بل قبل ذلك عندما كان في عالم الذر، إذ قطع إذاك على نفسه عهدًا بالإيمان بالله وبنشر رسالة الإيمان في الكون وفق الإرادة الإلهية. وقد استند الصوفية في تقرير هذه الحقيقة إلى قوله تعالى في سورة الأعراف: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ (12).

        وقد سمى الصوفية هذه الآية بآية «العهد» أو «الميثاق»، وبنوا عليها عقيدتهم في مسألة الإيمان، وهي عقيدة انبنت على المبادئ الثلاثة التالية: أولها: التسليم بأن الإيمان هو الغاية من خلق الإنسان، وفي ذلك مصداق قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ (13)، وثانيها: أن الإنسان مؤمن بالفطرة بقطع النظر عن دينه أو لونه أو جنسه والبشر في ذلك سواء وإن تفاضلوا في درجات الإيمان، بل الحجر والشجر أيضًا مسبح بحمده تعالى. وثالثها: أن الإيمان قوام الوجود يستمر باستمراره وينتهي بانتهائه والإنسان مسؤول عن ذلك الاستمرار، وتلك هي الأمانة التي كلف بحملها والمحافظة عليها. فالإنسان إذن بهذا المعنى هو الواسطة بين الله والعالم، وفي ذلك المعنى كنه رسالة الاستخلاف.

           تلك أبرز ملامح صورة الإنسان كما رآه الصوفية وكما اعتقدوه، وتلك هي حقيقته الماورائية في نظرهم، لكن هذا الإنسان في اعتقادهم قد غرق في بحر من النسيان وغشت بصيرته أوضاعه المادية والدنيوية، فأضحى محجوبًا عن حقيقته الأزلية بحجاب النفس وأهوائها وحجاب الجسد وعلائقه الأرضية. ويذكر الصوفية في هذا السياق بالدلالة اللغوية للفظ الإنسان ومفادها الظهور والنسيان؛ فهو وإن كان ظاهرًا للعيان ومتعينًا في الوجود إلا أنه غير واعٍ بجوهره الميتافيزيقي وبرسالته السرمدية.

في التمثل والسلوك:

     وهنا ننتقل مع الصوفية إلى الحديث عن الإنسان كما راموا تحقيقه في ذواتهم وتجسيمه في واقع الحياة والناس، بعد أن رأينا كيف تمثلوا حقيقته في تصورهم واعتقادهم. وينبغي أن نذكر في سياق هذا الانتقال بأن نقطة النهاية في مجال الاعتقاد والعلم هي عندهم نقطة البداية في مجال السعي والعمل؛ إذ كان الرابط بين هذين المجالين هو السؤال المركزي الذي طرحوه على أنفسهم والذي اكتسى طابعًا إصلاحيًّا: كيف السبيل إلى إعادة بناء هذا الإنسان وإيقاظ وعيه بحقيقته وبجوهره الإلهي وبرسالته في هذا الكون؟

       وفي إجابتهم عن هذا السؤال الجوهري راهن الصوفية على مشروع إعادة بناء الفرد وتغيير ما بذاته، وإصلاح كيانه الباطن انطلاقًا من القطع مع وضع سابق مرتهن لنوازع النفس وغرائز الجسد وشهوات اللحم والدم ورغبة في الانتقال بالوضع البشري إلى وضع من الطهر والنقاء يؤهله للاستجابة إلى نداء السماء.

      ولا يكون ذلك ممكنًا في نظر الصوفية إلا بالبحث في أعماق الروح؛ لأنها في نظرهم هي جوهر الإنسان وهي السبيل الوحيد إلى المعرفة والطريق الموصل إلى «الحق» مادام ذلك الجوهر هو قبس من روح الله أودعه فيه حين نفخ فيه من روحه. لكن هذه الروح لا بد من اكتشافها من جديد؛ لأنها طمست أو حجبت بما ران عليها من أوطار الجسد وأغراض النفس ومستلزمات الوجود المادي. فوجب إذن تحرير الروح من تلك الأغلال وتخليصها من إسار الوضع الدنيوي، أو بالأحرى روحنة الوجود بأسره. فالإنسان الصوفي بهذا الاعتبار كائن روحاني، أو هو يسعى ليكون كذلك بسعيه الحثيث إلى صقل مداركه الروحية لتكون مرآة تنعكس على صفحتها حقائق ما وراء الوجود. نحن إذن إزاء بعث جديد لتلك الروح يسعى الصوفية إلى تحقيقه عن طريق أصناف من المجاهدات والرياضات.

     وقد راهن الصوفية في إنجاز هذا المشروع على الإرادة الإنسانية؛ لأنها هي الأداة التي يقع بفضلها الانتقال من وضع إلى آخر والترقي من مقام إلى مقام، وهي عندهم المدخل الأساسي إلى سلوك الطريق، وقد عرفوها بأنها: «ترك ما عليه العادة»(14)، إشارة إلى وظيفتها المركزية في عملية التغيير وفي النقلة من المعهود إلى المنشود، وبناء على هذا الاعتبار سمي الإنسان الصوفي بالمريد إبرازًا للمنزلة التي تتبوؤها الإرادة في التجربة الصوفية.

     فبالإرادة تقمع النفس الأمارة بالسوء، وتستأصل الأخلاق المذمومة من الطمع والجشع والعجب والرياء والكذب والنفاق والحقد والحسد والبغض والكراهية والأثرة وحب الذات، وغيرها من الصفات الذميمة. وبها يتم إيقاظ النفس اللوامة للقيام بوظيفة المراقبة والمحاسبة، وتخليص الذات من تلك الشوائب والارتقاء بها درجات في سلم الفضيلة ولا بد في كل ذلك من رياضات ومجاهدات يطمح الإنسان الصوفي من ورائها إلى تحقيق الجهاد الأكبر في ذاته، وإلى استحقاق التحلي بالأخلاق المحمودة تأسيًا بالمثل الأعلى المتمثل في الصفات الإلهية.

      وذلك ما دعا بعض كبار الصوفية مثل أبي الحسين النوري وأبي القاسم الجنيد وأبي محمد الجريري وأبي بكر الكتاني وغيرهم – إلى تأكيد الجانب الخلقي في تعريفهم للتصوف. فهذا النوري يقول: «ليس التصوف رسمًا ولا علمًا ولكنه خلق؛ لأنه لو كان رسمًا لحصل بالمجاهدة، ولو كان علمًا لحصل بالتعليم، ولكنه تخلق بأخلاق الله، ولن تستطيع أن تقبل على الأخلاق الإلهية بعلم أو رسم» (15)، أما الصوفية فهم في نظره « قوم صفت قلوبهم من كدورات البشرية وآفات النفوس وتحرروا من شهواتهم، حتى صاروا في الصف الأول والدرجة العليا مع الحق، فلما تركوا كل ما سوى الحق صاروا لا مالكين ولا مملوكين» (16).

     وشبيه بذلك قول أبي القاسم الجنيد: «التصوف تصفية القلوب حتى لا يعاودها ضعفها الذاتي، ومفارقة أخلاق الطبيعة، وإخماد صفات البشرية، ومجانبة نزوات النفس، ومنازلة الصفات الروحية، والتعلق بعلوم الحقيقة، وعمل ما هو خير إلى الأبد، والنصح الخالص لجميع الأمة، والإخلاص في مراعاة الحقيقة، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم في الشريعة»(17). ويصف أبو القاسم الإنسانَ الصوفي بقوله: «الصوفي من أحس قلبه السلامة من الدنيا كما أحسها قلب إبراهيم فأطاع أوامر الله، ومن كان تسليمه كتسليم إسماعيل، وحزنه كحزن داود، وفقره كفقر عيسى، وشوقه كشوق موسى في مناجاته، وإخلاصه كإخلاص محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم» (18).

       وقد لخص أبو محمد الجريري هذا الدور المركزي للمسألة الأخلاقية في التصوف في مقولتين شهيرتين؛ إحداهما: قوله معرفًا التصوف بأنه: «الدخول في كل خلق سَني والخروج من كل خلق دَني»(19)، والثانية: قوله في باب التعريف أيضًا: «مراقبة الأحوال ولزوم الأدب»(20 ). ولأبي بكر الكتاني أيضًا تعريف دقيق في هذا المجال حيث يقول: «التصوف خلق فمن زاد عليك في الخُلق فقد زاد عليك في الصفاء».

       فالتصوف مدرسة أخلاقية لها منظومتها الخاصة المؤلفة من الأخلاق النظرية والعملية، وهي منظومة تستند إلى رؤية محددة لأصول الأخلاق، لا يقتصر فيها الصوفية على مجرد الالتزام بتعاليم الشرع على سبيل الاقتداء والتلقين كما هو الشائع في دوائر التعليم الديني، وإنما يضيفون إلى ذلك المصدر مقاربة أخرى للأخلاق تتألف من أساليب متنوعة من المعالجة النفسية عبر التجربة الذاتية والمعاناة الروحية واستبطان الذات. كما نجد لديهم مفهومًا تطوريًّا للأخلاق يهدفون من ورائه إلى السمو بذواتهم لبلوغ الخُلق المنوالَ المتجسم عندهم في أخلاق الرسول تارة وفي الأخلاق الإلهية كما يتصورونها تارة أخرى.

       وبالإرادة أيضًا يحقق الصوفي مناعته الذاتية إزاء متطلبات الحياة وصروف الدهر وتقلبات الزمان. فهو، بزهده في الدنيا وترفعه عن متاعها وعزوفه عن مباهجها وقناعته بالقليل منها، يجد في الفقرِ الغنى بينما يجد غيرُه من محبيها الفقرَ في غناه، وذاك في حد ذاته مناعة وقوة. فالصوفي إنسان قوي منيع إزاء كل أنواع الإغراء، لا تعمي بصيرته الأهواء ولا تخرس ضميره الأطماع والنزوات، وهو ما يجعل رؤيته للحق نافذة وصوته به صادعًا.

     ويتخذ الصوفي من الإرادة درعًا يقيه الحادثات وتمرينًا يعلمه الصبر على المكاره وتحمل المشاق. فإذا تحقق الصوفي بمقام الصبر لم يعد يفزع لنوائب الدهر، ولا يأبه لحلول المصائب والأرزاء، فلا تحركه أفراح، ولا تهزه أتراح، فكأنه بالصبر قد اتخذ مسافة إزاء هذا الوجود ووقف منه موقف الحياد، أو لكأنه تصالح مع كل ما فيه من حلو ومر، ورضي بشتى أنواع القضاء من ألم ولذة وربح وخسارة ونجاح وخيبة وسعادة وشقاء مادام كل ذلك بمشيئة الله. وهكذا تفضي تجربة الصبر بالإنسان الصوفي إلى التحقق بمقام الرضا.

       إنه الرضا بكل ما قضت المشيئة الإلهية في هذا الوجود، وهو الرضا عن الخالق فيما صنع وقضى وقدر، ومن رضي عن الله رضي الله عنه ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ (21)، وقد استطاع الصوفي في إقامة علاقته بالخالق على أساس الرضا أن يخلص تلك العلاقة مما يشوبها من خوف أو طمع؛ لأن كلًّا من الخوف من عقابه والطمع في ثوابه يعتبر حاجزًا دون الوصول إليه، ولذلك فهم يعبدون الله لذاته لا خوفًا من ناره ولا طمعًا في جنته .

 وإذا كانت الإرادة هي المكون الأول من مكونات الإنسان الصوفي، فإن المكون الثاني في شخصية هذا الإنسان هو الحرية؛ إذ لا إرادة بدون حرية، وقد تجلت تلك الحرية في عدة مجالات ومواقف واكتست أبعادًا ومعاني متنوعة، من أهمها: تخليص الإيمان من قيد الاتباع والإقدام على خوض غمار التجربة والمعاناة بحثًا عن اليقين والمغامرة بعقد علاقات شخصية مع الذات الإلهية. ويستوجب ذلك بلا مراء هامشًا كبيرًا من الحرية لا يتمتع به المؤمن العادي .

     ولا يعني ذلك التحررُ التحللَ من الضوابط الشرعية والرسوم التعبدية، بل إن الصوفية قد رأوا الحرية في كمال العبودية؛ لأن من كملت عبوديته لله تحرر من ربقة ما سواه ولم يدن لغيره بشيء، ولذلك قالوا: «من كملت لله عبوديته خلصت من الأغيار حريته» (22). إلا أن بعضهم قد دان أيضًا بهامش من التحرر في أساليب التعبد، سواء بالابتكار لبعض البدع المحمودة في مجال النوافل وفي حلقات الذكر، أو بدعوى إسقاط التكاليف عمن بلغ أقصى درجات الولاية. وللحرية في شخصية الإنسان الصوفي بعد رابع يتمثل في ممارسته لحرية التأويل؛ تأويل الوجود وتأويل النص، فهو لا يقف عند ظاهر الكون أو ظاهر الخطاب الديني، بل يتغلغل في الدلالات العميقة لكل منهما، ويعقد الصلات بين باطنه وباطن النص وباطن الوجود ويبدع من كل ذلك منهجًا في التأويل.

         وإذا توفرت للروح الحريةُ والإرادةُ أمكنها أن تخترق بهما حجاب الجسد، وأن تتغلب على عوائق المادة، وتتخلص من قيد الزمان والمكان، وتغدو جوهرًا شفافًا يحن وينجذب إلى معدنه الأصلي ومصدره الذي انبثق منه، وهو الروح الإلهي، وهذا الحنين والانجذاب هو الذي عبر عنه الصوفية بالحب الإلهي. فعلاقة الإنسان الصوفي بالذات الإلهية تنبني على أساس المحبة، وهو يرى أن الحب هو أصل الوجود، بل إن الله في حد ذاته هو إله الحب وإله الحق والخير والجمال.

     فالمحبة مكون رئيس في شخصية الإنسان الصوفي، وهو يترقى فيها عبر درجات ومراتب أولها القرب من الله، ثم الوصول إلى أن يبلغ مرتبة الفناء فالاتحاد. وهي أحوال باطنية يعيشها هذا الإنسان في لحظات من الوجد والإشراق، ويشعر خلالها بأنه يحتضن الوجود كله، وبأنه يتحمل الأمانة الإلهية المتمثلة في خلقه، فيشيع تلك المحبة من حوله على جميع الكائنات، حتى إنه ليفديها بنفسه إن اقتضى الأمر. فلا غرابة إن وجدنا مبادئ التضحية والفداء من خصوصيات هذا الإنسان، وقد تجلى ذلك في عدة مواقف اتخذها كبار الصوفية مثل البسطامي وابن عطاء والحلاج وغيرهم.

     فالبسطامي يتطوع بحياته ومصيره ليفدي الناس من العذاب، ويتقدم ليبتلع جهنم قائلًا: «وما النار؟ لأستندن إليها غدًا وأقول: اجعلني لأهلها فداء أو لأبلعنها»(23)! وما ذاك إلا لإيمانه العميق بمبدأ الغفران الذي يتخذ منه عقيدة ويؤسسه على مبررات عقلانية مفادها أن الله ليس في حاجة إلى تعذيب خلقه، ولا يعوزه وهو الجواد الكريم أن يشمل بعفوه وبغفرانه الكائنات، وما البشر سوى حفنة من تراب، فماذا على الله لو غفر لهم وتجاوز عن سيئاتهم؟! ويسمح البسطامي لنفسه في هذا السياق بمناقشة المشيئة الإلهية في مسألة العذاب، ويراها متناقضة مع العدل الإلهي ومع الرحمة الإلهية، فالإنسان إن أخطأ فبقضاء من الله وهو كائن خلقه الله دون علمه وحمله الأمانة دون إرادته، فإن لم يجد المعونة من الله فمن أين يجدها؟ يقول في ذلك: «ما آدم إلا قطعة من تراب فماذا على الرب لو غفر لقطعة من تراب؟ وأي شرف في أن يحرق قطعة من تراب؟…… وما الإنسان إلا عظام جرى عليها قضاء الله فما ذنبها إن هي أخطات؟ …… الله خلقهم بغير علمهم وقلدهم أمانة من غير إرادتهم فإن لم يعنهم فمن ذا يعينهم؟»(24).

       أما أبو العباس بن عطاء (25)، فقد ضرب مثالًا في الفداء والتضحية حين صادق على معتقد الحلاج بعد أن أنكر فقهاء العصر ذلك المعتقد، وكان ذلك بمحضر حامد بن العباس وزير المقتدر بالله، فنكل به وسامه سوء العذاب إلى أن مات سنة 309 للهجرة. وقد وصف لنا الخطيب البغدادي ذلك المشهد الفذ من الفداء والتضحية وصفًا بالغ التأثير، هذا نصه:

     « أنبأنا إسماعيل بن أحمد الحيري أنبانا أبو عبد الرحمن الشبلي قال: سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول: كان الوزير حامد بن العباس حين أحضر الحسين بن منصور أمره أن يكتب اعتقاده فكتب اعتقاده (26)، فعرضه الوزير على الفقهاء ببغداد فأنكروا ذلك، فقيل للوزير: إن أبا العباس بن عطاء يصوب قوله، فأمر أن يعرض ذلك على أبي العباس بن عطاء فعرض عليه فقال: هذا اعتقاد صحيح وأنا أعتقد هذا الاعتقاد، ومن لا يعتقد هذا فهو بلا اعتقاد. فأمر الوزير بإحضاره فأحضر وأدخل عليه، فجلس في صدر المجلس فغاظ الوزير ذلك. ثم أخرج ذلك الخط فقال: هذا خطك؟ فقال: نعم. فقال: تصوب مثل هذا الاعتقاد؟ فقال: ما لك ولهذا؟ عليك بما نصبت له من أخذ أموال الناس وظلمهم وقتلهم ما لك ولكلام هؤلاء السادة؟.

     فقال الوزير: فكيه؟ فضرب فكاه! فقال أبو العباس : اللهم إنك سلطت هذا علي عقوبةً لدخولي عليهỊ فقال الوزير: خفه يا غلام، فنزع خفه فقال: دماغه فما زال يضرب رأسه حتى سال الدم من منخريه. ثم قال: الحبس، فقيل: يتشوش العامة لذلك فحمل إلى منزله. فقال أبو العباس: اللهم اقتله أخبث قتلة واقطع يديه ورجليه! فمات أبو العباس بعد ذلك بسبعة أيام . وقتل الوزير حامد بن العباس أفظع قتلة وأوحشها، بعد قتل الحلاج، بعد أن قطعت يداه ورجلاه وأحرقت داره، وكانوا يقولون: أدركته دعوة أبي العباس بن عطاء» (27).

       وأما الحسين بن منصور الحلاج فقد كان استشهاده تضحية وفداء للبشرية جمعاء. فقد واجه مصرعه بثبات نادر، وتعجل اللحاق بربه رغبة في رضاه وطلب المغفرة لجلاديه

ملتمسًا العذر لهم في قتله، فأنشد وهو على خشبة الصلب:

اقتلوني يا ثقاتي     إن في قتلي حياتي

ومماتي في حياتي   وحياتي في مماتي

                         إن عندي محو ذاتي     من   أجل المكرمات

وبقائي في صفاتي     من  قبيح السيئات

فاقتلوني وأحرقوني    بعظامي    الفانيات

ثم   مروا   برفاتي  في القبور  الدارسات

تجدوا سر حبيبي   في طوايا الباقيات (28)

     ومن الشواهد البليغة على روح التضحية التي تميز بها الحلاج تلك المشاهد التي روتها كتب التاريخ عن مصرعه، وعما صرح به أمام جلاديه ومن بينها هذا المشهد الوارد في «أخبار الحلاج» على لسان الراوية إبراهيم بن فاتك، وقد جاء فيه: «لما أتي بالحسين ابن منصور ليصلب رأى الخشبة والمسامير فضحك كثيرًا حتى دمعت عيناه، ثم التفت إلى القوم فرأى الشبلي بينهم فقال له:

       يا أبا بكر هل معك سجادتك؟ فقال : نعم يا شيخ . قال: افرشها لي, ففرشها, فصلى الحسين بن منصور عليها ركعتين، وكنت قريبًا منه، فقرأ في الأولى فاتحة الكتاب ثم قوله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ… ﴾ الآية، وقرأ في الثانية فاتحة الكتاب ثم قوله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ… ﴾ الآية، فلما سلم ذكر أشياء لم أحفظها، وكان مما حفظته قوله: اللهم إنك المتجلي عن كل جهة، المتخلي عن كل جهة، بحق قدمك على حدثي، وحق حدثي تحت ملابس قدمك، أن ترزقني شكر هذه النعمة التي أنعمت بها علي، حيث غيبت أغياري عما كشفت لي من مطالع وجهك وحرمت على غيري ما أبحت لي من النظر في مكنونات سرك..

       هؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلي تعصبًا لدينك وتقربًا إليك، فاغفر لهم فإنك لو كشفت لهم ما كشفت لي لما فعلوا ما فعلوا، ولو سترت عني ما سترت عنهم لما ابتليت بما ابتليت، فلك الحمد فيما تفعل ولك الحمد فيما تريدỊ

       ثم سكت وناجى سرًّا، فتقدم أبو الحارث السياف فلطمه لطمة هشمت أنفه وسال الدم على شيبه. فصاح الشبلي ومزق ثوبه وغشي على أبي الحسن الواسطي وعلى جماعة من الصوفية المشهورين، وكادت الفتنة تهيج، ففعل أصحاب الحرس ما فعلوا….»(29).

     كما أشاع الحلاج روح التضحية والفداء بين أصحابه ورفاقه المقربين، فهذا أبو بكر الشبلي تلميذه وصفيه قد جيء به ليرجمه وأقسموا على قتله إن لم يفعل! فأذن له الحلاج وطالبه بأن يفعل صونًا لدمه فرماه بوردة… ثم بكى وصاح: «إن استشهاد الحلاج درة من الجمال المحرم، إنه زاد خلود لا يظفر به إلا الأبطال وليس بزاد يوزع على الجميع»(30).

     وقد جعلت المحبة من الإنسان الصوفي إنسانًا تضامنيًّا يجمع ولا يفرق, يشتق من التوحيد الوحدة, وحدة البشر في الجنس ووحدة الدين في الأصل والمصدر، فالبشر سواسية لا تمايز بينهم ولا تفاضل، فهم جميعًا مخلوقات الله والذكر من بينهم كالأنثى، وإلههم إله واحد وإن اختلفوا في السبل الموصلة إليه وفي أشكال عبادته، فوجب بذلك احترامهم وإشاعة روح التسامح بينهم وقبول ما بينهم من اختلاف. كما وجب التماس الرحمة لهم والصفح عنهم والتجاوز عن أخطائهم والأخذ بيدهم لضعفهم وغفلتهم عن أسرار الوجود. والوحدة عند الصوفي هي في النهاية وحدة وجود يراها في الكثرة الظاهرة، فيجتهد في البحث عن حقائقها الباطنة ليصل في آخر المطاف إلى الحقيقة الكلية، وهي الذات الإلهية المتجلية في الكون.

     وهذا البحث عن الحقيقة الكامنة وراء الظاهر، وعدم الاكتفاء بالأشكال المختلفة الطافية على السطح، هو الذي يجعل من الإنسان الصوفي إنسانًا حكيمًا دائم التأمل بعيد النظر عميق التفكير والاعتبار، لا يقف عند ظاهر الأشياء ولا يغتر بهيئاتها المتباينة والمتشعبة، بل يذهب إلى الكشف عن دلالاتها والنفاذ إلى حقيقتها، وكذلك شأنه إزاء الوجود كله، يسائله باستمرار ويستبطنه روحيًّا بغرض الكشف عن الحقيقة الكلية.

          ويهفو الإنسان الصوفي في معراجه نحو تلك الحقيقة إلى تمثل صفاتها والتحلي بها، وصولًا إلى الفناء فيها والتماهي بذاتها. ومن أهم تلك الصفات التي كانت أثيرة على الدوام عند الإنسان الصوفي، هي تلك التي عبرت عنها الأسماء الحسنى وتمثلت معانيها في الحق والرحمة والرضا والجود والمغفرة والحب والجمال والكمال. فالصوفي له تصور مخصوص للشخصية الإلهية يستبعد فيه صفات النقمة ويستأنس فيه بصفات النعمة؛ فنادرًا ما يستحضر في الذات الإلهية صفات الغضب والمكر وشدة العقاب، وغالبًا ما يستحضر نقيض تلك الصفات، فالله في تصوره رءوف بعباده جواد كريم وغفور رحيم، وهو قريب من عباده يحبهم ويحبونه (31)، فهو في اعتباره ليس مصدر خوف ورهبة بل مصدر شوق ومحبة.

       ويسعى الإنسان الصوفي إلى التحقق بتلك الصفات في ذاته، فيسعى إلى تمثل مفهوم الحق بشتى معانيه بدءًا بمعناه الأزلي ونزولًَا به إلى معناه الوجودي؛ حيث تتفرع وتتشعب معاني الحق إلى دينية وعلمية واجتماعية وأخلاقية وسياسية، فيخوض غمارها ويتفاعل معها جميعًا وفق ما يمليه عليه تصوره للحق الأزلي وللمشيئة الإلهية، لا يداري في ذلك ولا يحابي ولا تثنيه عن ذلك صولة سلطان أو لومة لائم. وبناء على تلك المواقف كان دومًا موضع ثقة مختلف الفئات الاجتماعية، ومصدر ردع لساسة الجور، ومحل اعتبار من قبل سائر رجال الدين لما عرف به من ملازمة للحق وتنزه عن المآرب الذاتية والدنيوية.

     ويسعى أيضًا إلى التحقق بصفتَي الجود والرحمة، فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، ويضم إليه الفقير والمعدوم، ويفك العاني، ويغيث الملهوف، ويشفع للمطلوب، ويقدم الرفد لمستحقه. وقد تجسمت معظم تلك المساعي في الوظائف التي اضطلعت بها الطرق الصوفية المنتشرة في أرجاء العالم الإسلامي عبر التاريخ؛ إذ تحملت أوزار المسألة الاجتماعية والاقتصادية وأمور الوساطة السياسية، وحتى أعباء القضايا الأمنية في بعض الحالات خصوصًا عند غياب الدولة أو في حالة ضعفها.

       والإنسان الصوفي كائن مهووس بالجمال. والحق عنده هو الجمال الأزلي المطلق، ولم يكن ذلك الجمال في الأزل معروفًا إلا لذاته ولا متجليًا إلا لنفسه، ولكنه أبى أن يبقى مخفيًّا ومحجوبًا، فتجلى في الكون في صورة كل جميل. فالجمال أصله أزلي، ثم فاض على الوجود، فانعكس على مختلف مظاهر الوجود، وكل مظهر هو بمثابة المرآة لذلك الجمال، فتراه متجليًا في الأزهار والأنهار والأطيار. وكل جمال يعشق في هذه الدنيا إنما هو قبس من الجمال الإلهي. والله بهذا الاعتبار هو المعشوق على الحقيقة في كل جميل. فالحب الإنساني في نظر الصوفي ليس في الحقيقة إلا حبًّا إلهيًّا أو برزخًا موصلًا إليه. فلا غرابة في هذه الحال أن يكون المتصوف ولوعًا بكل جميل ما دام يرى فيه انعكاسًا لجمال الحق الأزلي.

     ولعل من أهم النصوص الشعرية التي تبرز ولع الصوفي بالجمال الأزلي قول جلال الدين الرومي:

«ها هو ذا قد طلع بدرًا لم تر السماء له نظيرًا في يقظة أو حلم

وحوله هالة من النار الأبدية لا يقوى الطوفان على إخمادها

     يا رب قد أسكرتني خمر حبك وتهدم كل شيء في بيت جسمي الطيني…»(32)

ولعبد الرحمن جامي نص نثري ينوه فيه بالجمال الأزلي ويشرح علاقته بالإنسان والعالم، ووجهة نظر الصوفي إزاء ذلك الجمال فيقول: «في الوحدة حيث الوجود الموحش، وحيث العالم سر في باطن الحق محتجب بأستار العدم، كان الوجود المطلق المنزه عن أنا وأنت وعن كل اثنينية. لم يكن ذلك الجمال معروفًا إلا لذاته متجليًا إلا لنفسه في نفسه بنوره الأزلي، وفيه من القوى ما يبهر العقول جميعًا. ولكن الجمال يأبى البقاء محتجبًا مختفيًا، لا تراه عين ولا يسعد به قلب؛ لذلك فك عقاله وحطم أغلاله وتجلى في الكون بصورة كل جميل.

     تلك طبيعة الجمال، وذلك أصله الذي فاض على الوجود من عالم الطهر والصفاء، فسطعت شمسه على الأكوان وملأت ما فيها من النفوس. فكل ذرة في الوجود مرآة تعكس صورته؛ تتفتح عنه الأزهار وتشدو به الأطيار ويستمد النور من ناره الضوء الذي يخدع به الفراش فيجره إلى حتفه. حذار أن تقول: «هو الجميل ونحن عشاقه»، فلست إلا المرآة التي تنعكس عليها صورته ويرى فيها وجهه. هو وحده الظاهر وأنت الباطن. والحب المحض كالجمال المحض ليس إلا منه يتجلى لك فيك، فإذا لم تستطع أن تنظر إلى المرآة، فاعلم أنه هو المرآة أيضًا. هو الكنز وهو الخزانة، أما أنا وأنت فلا محل لهما هنالك. تلك أوهام خادعة لا حظ لها من الوجود»(33).

       ويعتبر الصوفية أن أهم مجلى تجلى فيه الجمال الأزلي هو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ويعتقدون أنه قال: «من راني فقد رأى الله»، ولذلك اعتبروا حب الرسول وجهًا من وجوه الحب الإلهي، فتغنوا به في أناشيدهم واعتبروه الصورة المثلى للجمال والكمال الإلهيين، فإذا رأوا جميلًا بادروا بالصلاة عليه. وقد تجاوز بعضهم حب الرسول لشخصه وتعلق حبهم بالحقيقة المحمدية التي اعتبروها علة الوجود وأول تعين في عالم الخلق.

       وقد تضافر الحب الخالص لدى الإنسان الصوفي مع الإحساس المرهف بالجمال؛ ليجعلا منه إنسانًا مبدعًا بامتياز. وقد تجلى ذلك الإبداع في أروع مظاهره في الشعر الصوفي والنثر القصصي، وفي السماع وما يتخلله من رقص وألحان، تشهد بذلك عيون الشعر الصوفي كما تجلت مع رابعة العدوية وعمر بن الفارض وابن عربي وجلال الدين الرومي وغيرهم. ولم يتجل ذلك الإبداع في الشعر فقط، بل تألق في النثر القصصي أيضًا؛ مثل قصة يوسف وزليخا، وقصة ليلى والمجنون، وقصة سلامان وأبسال، وقصص المثنوي لجلال الدين الرومي .

       ومن خصائص الإبداع الفني لدى الإنسان الصوفي، سواء تعلق الأمر بالشعر أو الموسيقى والرقص، أنه إبداع خال من كل تصنع أو تكلفن بل هو صادر عن موهبة حقيقية وعاطفة تلقائية جياشة يعبر عنها الصوفي دون أناة أو تدبر أو روية، بل هو ضرب من الإبداع المباشر الذي لم تحد صفة المباشرة فيه من جودته وروعته لعدم تدبر المبدع لخصائصه الإبداعية، ولعدم وعيه أيضًا بأبعاده الفنية بالرغم مما يتسم به ذلك الإبداع من جمال ورقة وأناقة.

     وقد أدرك المستشرق رينولد – أ- نيكلسون  هذه الخصوصية في الإبداع الصوفي معلقًا على الشعر الصوفي بقوله: «من الصعب أن نعتبر هذا النوع من الشعر الصوفي وليدًا لوعي فني أدبي بالرغم مما في كثير من قصائده من جمال النظم ورقة الأسلوب وأناقته، ولذلك أميل إلى القول بأن قصائد جلال الدين الرومي وابن الفارض وابن عربي وغيرهم من شعراء الصوفية كانت نتيجة لوحي أحوال الوجد الصوفي، وأنها تشابه ما يسمى في عرف علم النفس الحديث (الكتابة الآلية Automatic writing)، ومن خصائص هذه القصائد الغريبة أن أوزانها وأنغامها وما صيغت فيه من الأساليب الرمزية كل أولئك عوامل تساعد على انتقال أحوال الوجد التي يشعر بها الشاعر الصوفي إلى سامعيه. ويزداد أثرها في السامع إذا أنشدت كما تنشد عادة في حفلات الذكر مصحوبة بالموسيقى. ولا يستطيع دارس الشعر الصوفي أن ينكر قيمة التأويل الذي جرت به العادة في فهم هذا الشعر بوضع معانٍ ثابتة لعدد كبير من الألفاظ التي تستعمل في العرف لمعانٍ مختلفة. إلا أنني أرى أن هذه طريقة قد يبالغ فيها، ويدل شرح ترجمان الأشواق الذي وضعه ابن عربي على ديوانه على أن الشاعر الصوفي نفسه قد لا يوفق أحيانًا إلى شرح مقصده من أبياته»(34).

       ولعل مما يفسر ما اتسم به الإبداع الصوفي من روعة وجمال توفره على بعض العناصر الأساسية التي لا تتوفر عادة للإبداع العادي في مختلف الفنون ويجوز لنا إجمال تلك العناصر في ثلاثة مكونات رئيسة؛ أولها مصدر الإلهام المفارق المنتمي إلى ما وراء الوجود، وثانيها حالة الوجد التي تصل بالصوفي إلى ضرب من الإشراق الروحي، وثالثها استبطان الوجود بشتى مظاهره واستكناه مضامينه وأبعاده. وهي عناصر تجعله يعيش تجربة الإبداع بعمق وصدق وتجعله يستشعر أنه يحاكي أو يتقمص في تجربته تلك تجربةَ المبدع الأول.

       والإنسان الصوفي كائن يترقى عبر معراجه الروحي في درجات الكمال، ويطمح إلى بلوغ درجة الكمال الإلهي ليصبح في نهاية المطاف إنسانًا كاملًا. فصفة الكمال في نظر الصوفية هي أهم صفة من الصفات الإلهية بعد الأحدية، وهم يفضلونها حتى على صفة الجلال. والإنسان الكامل هو الذي يتجلى فيه الحق لذاته بجميع صفاته، وهو الذي يتحمل الأمانة الكبرى في هذا العالم ويضطلع بدور الوساطة بين المشيئة الإلهية وسائر المخلوقات، وهو الضامن لاستمرار رسالة الإيمان في هذا الكون. وهم يرون أن أجلى صورة للإنسان الكامل قد تمثلت في شخص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم باعتباره مثالًا للكمال الإنساني. ولذلك فهم يحذون حذوه في هذا الاتجاه ويطمحون إلى بلوغ شأوه في الكمال، وقد تجاوزوا في ذلك شخص الرسول الإنسان إلى حقيقته السرمدية المتمثلة في الحقيقة المحمدية السارية في سائر الأنبياء والرسل. ومن النصوص البليغة التي عبرت عن حقيقة الإنسان الكامل نصوص ابن عربي وصدر الدين القونوي وعبد الكريم الجيلي.

     وأما صدر الدين القونوي فيعرف الإنسان الكامل في كتابه “مراتب الوجود”، الذي قسم فيه الوجود إلى أربعين مرتبة واعتبر المرتبة الأخيرة هي أكمل مرتبة، وهي مرتبة الإنسان الكامل وفيها يقول: «المرتبة الأربعون من مراتب الوجود هي الإنسان الكامل، وبه تمت المراتب وكمل العالم وظهر الحق للعالم سبحانه بظهور الأكمل على حسب أسمائه وصفاته، فالإنسان أنزل الموجودات مرتبة في الظهور وأعلاهم مرتبة في الكمالات ليس لغيره ذلك. وقد بينا أنه الجامع للحقائق الحقية والحقائق الخلقية جملة وتفصيلًا حكمة ووجودًا بالذات والصفات لزومًا وعرضًا حقيقة ومجازًا. وكل ما رأيته أو سمعته في الخارج فهو عبارة عن رقيقة من رقائق الإنسان واسم لحقيقة من حقائق الإنسان، فالإنسان هو الحق وهو الذات وهو الصفات وهو العرش وهو الكرسي وهو اللوح وهو القلم وهو الملك وهو الجن وهو السماوات وكواكبها وهو الأرضون وما فيها وهو العالم الدنيوي وهو العالم الأخروي وهو الوجود وما حواه، وهو الحق وهو الخلق وهو القديم وهو الحادث… فلله در من عرف نفسه معرفتي إياها»(35).

      كما يعتبر عبد الكريم الجيلي الإنسان الكامل مرآة الحق وهو يستحق أسماءه وصفاته استحقاق الأصالة فيقول: «ثم اعلم أن الإنسان الكامل هو الذي يستحق الأسماء الذاتية والصفات الإلهية استحقاق الأصالة والملك بحكم المقتضى الذاتي، فإنه المعبر عن حقيقته بتلك العبارات والمشار إلى لطيفته بتلك الإشارات، وليس لها مستند في الوجود إلا الإنسان الكامل. فمثاله للحق مثال المرآة التي لا يرى الشخص صورته إلا فيها، وإلا فلا يمكنه أن يرى صورة نفسه إلا بمرآة الاسم: الله فهو مرآته. والإنسان الكامل أيضًا مرآة الحق فإن الله تعالى أوجب على نفسه ألا ترى أسماؤه وصفاته إلا في الإنسان الكامل»(36).

      تلك بعض ملامح الإنسان الصوفي كما تبدو لنا من خلال التراث، وبعد التنقيب والحفر في ذاكرة الماضي. وهي ملامح لم يتح لنا أن نبرز منها سوى بعض الخطوط العريضة لشخصية ذلك الكائن لأن ما خفي منها ودق يتطلب المزيد من التأمل والتدبر للكشف عنه وتبديد ما يلفه من غموض.

         ونحن وإن كنا لا ندعي الإحاطة بكل مكونات الإنسان الصوفي النظرية والتطبيقية وبجميع ما جاء في بيانها سواء على ألسنة الصوفية أنفسهم أو بما جرت به أقلام غيرهم- فإننا نعتقد أن ما استطعنا كشفه من صفحة ذلك الإنسان ومن سحنته وسمته كفيل بالدلالة على أن ما تمثله الصوفية من صورته واعتقدوه ليس بغريب عن صورة الإنسان المعاصر بالنظر إلى حقيقته وكونيته وسرمديته وعلاقته بالله وبالكون. ويكفي لإثبات هذه المعاصرة المستخلصة من أعماق التاريخ إجراء بعض المقارنات والوقوف على العديد من نقاط اللقاء مما قد لا يسمح به وقد لا يتسع له هذا المقام.

 

                                       الهوامش

1 – الحلاج (الحسين بن منصور)- الطواسين- ترجمة لويس ماسينيون- louis Massignon – ص 129 ، انظر أيضًا : أ- ر- نيكلسون – A –R- Nicholson – في التصوف الإسلامي وتاريخه – تعريب أبي العلا عفيفي-

مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر- القاهرة – 1375 هـ/1956 م – ص 85.

2 – المرجع نفسه – ص 86.

3 – الجيلي (عبد الكريم) – الإنسان الكامل في معرفة الأوائل والأواخر – طبعة القاهرة- 1304 هـ/1886 م – ج1 –ص – 50 – 52 – راجع أيضًا : أ- ر- نيكلسون- A-R- Nicholson – في التصوف الإسلامي وتاريخه – ص 86 – 87 – ويقارن يوسف كرم بين الجيلي والفيلسوف هيجل hegel في موضوع نشأة الكون وبداية الخلق وما يعرف عند الجيلي بنظرية « العماء » فيقول : « تشبه نظرية الجيلي في العماء نظرية هيجل في مراحلها الثلاث التي تكون الأولى فيها محاطة بنوع من الغموض والكمون أي يكون المطلق في داخل ذاته ثم حين يتأمل ذاته وينعكس الوعي على نفسه تصدر عنه الطبيعة وهي بمثابة النقيض للحالة الأولى حالة الكمون التي لا تلبث أن تظهر وتخرج إلى الأعيان ثم يأتي بعد ذلك المركب الذي يجمع بين الوعي والطبيعة أو الخارج ويؤلف بين الفكر والطبيعة……» (تاريخ الفلسفة الحديثة – دار المعارف – القاهرة – 1957م – ص 264 – 268 – انظر أيضًا : عبد القادر محمود – الفلسفة الصوفية في الإسلام – دار الفكر العربي – 1966م – 1967م – ص 599 .

4 – القرآن – سورة الحجر – الآية 29 .

5 – الحلاج – الطواسين – ص 129.

6 – المصدر نفسه – ص – 130.

7 – أ – ر – نيكلسون – A –R – Nicholson – في التصوف الإسلامي وتاريخه – ص 85 .

8 – الجيلي – الإنسان الكامل – طبعة القاهرة – 1328هـ – ج 2 – ص 48.

9 – المصدر نفسه – ج1 – ص 8 – انظر أيضًا : أ – ر – نيكلسون – A – R- Nicholson – في التصوف الإسلامي وتاريخه – ص 87 .

10 – ابن عربي (محيي الدين) – الفتوحات المكية – طبعة بولاق – مصر – 1293هـ – ج3 – ص 171 – انظر

أيضًا: ديوان ترجمان الأشواق – طبعة بيروت – 1312هـ – ص 42 .

11 – الجيلي – الإنسان الكامل – طبعة القاهرة – 1304هـ – ج1 – ص 50 – 52 .

12 – القرآن – سورة الأعراف – الآية 172 .

13 – المصدر نفسه – سورة الذاريات – الآية 56 .

14 – القشيري (أبو القاسم ) – الرسالة – دار الكتاب العربي – بيروت – لبنان – د.ت – ص 72 .

15 – العطار (فريد الدين) – تذكرة الأولياء – نقلا عن أ – ر- نيكلسون – في التصوف الاسلامي وتاريخه – ص 31.

16 – المرجع نفسه ص

17 – المرجع نفسه – ص 34 .

18 – المرجع نفسه – ص 33.

19 – القشيري – الرسالة – طبعة مصر – 1287هـ – ص 148 .

20 – المصدر نفسه – ص 149 .

21 – القرآن – سورة   المائدة – الآية 119 .

22 – القشيري – الرسالة – دار الكتاب العربي – بيروت – لبنان – د.ت – ص 100 .

23 – الأصفهاني (أبو نعيم) – حلية الأولياء – مطبعة السعادة – القاهرة – 1938 م – ج 10 – ص 24 – انظر أيضًا : لويس ماسينيون – عذاب الحلاج – باريس – 1922 م – مجلد 2 – ص 79 و 275 .

24 – المصدر نفسه والمرجع نفسه – ص.

25 – الذهبي (شمس الدين) – سير أعلام النبلاء – مؤسسة الرسالة – 1422هـ/ 2001 م – ج – 14 – الطبقة 17 –ص 255 – وقد جاء في ترجمته لابن عطاء قوله : « الزاهد العابد المتاله احمد بن محمد بن سهل بن عطاء الآدمي البغدادي………كان له في كل يوم ختمة وفي رمضان تسعون ختمة وبقي في ختمة مفردة بضع عشرة سنة يتفهم ويتدبر . وقال حسين بن خاقان : كان ينام في اليوم والليلة ساعتين . مات في سنة تسع وثلاثمائة في ذي القعدة» ص 255 – راجع أيضًا: ابن كثير – البداية والنهاية – القاهرة – 1351هـ – ج11 – ص 144 .

26 – لم تذكر لنا كتب التاريخ هذا الاعتقاد ولم تذكر أيضًا من هم أولئك الفقهاء.

27 – البغدادي (الخطيب) – تاريخ بغداد – القاهرة – 1349هـ – ج8 – ص 128 .

28 – الحلاج – الديوان – طبعة باريس – ص 72 .

29 – ابن الساعي (علي بن أنجب) – أخبار الحلاج – طبعة القاهرة – ص 10 – 11 .

30 – المصدر نفسه – ص

31 – القرآن – سورة المائدة – الآية 54 .

32 – الرومي (جلال الدين) – ديوان شمس تبريز – تحقيق جلال همائي – طهران – 1956 م – ص 342 .

32 – جامي (عبد الرحمان) – يوسف وزليخا – نقلًا عن ترجمة أبي العلاء عفيفي لكتاب أ – ر – نيكلسون : في التصوف الإسلامي وتاريخه – ص 94 – 95 .

34 – المرجع نفسه – ص 95 – 96 .

35 – القونوي (صدر الدين) – مراتب الوجود – نقلًا عن: أ – ر- نيكلسون – المرجع نفسه. ص

36 – الجيلي – الإنسان الكامل – طبعة القاهرة – 1328هـ – ج2 – ص 48 .

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!