نصر أبو زيد ومدخل لقراءته

نصر أبو زيد ومدخل لقراءته

نصر أبو زيد ومدخل لقراءته

د. عبدالسلام حيدر

 

هذا المدخل يعتمد بشكل أساسي على ثلاثة مصادر أولها محاضرات الدكتور أبي زيد وتدريباته في جامعة بامبرج بألمانيا في نهاية سنة 1999م وبداية سنة 2000م، وكانت تدور بالدرجة الأولى حول تصور الإسلام في مرحلة الدعوة ونزول الوحي، وكيف تشكل هذا التصور، ثم كيف تطور في العصور الإسلامية التالية. ويعتمد ثانيًا على قراءة أعمال الدكتور أبي زيد كتحضير لتلك التدريبات، ويعتمد أخيرًا -وهذا هو الأهم في رأيي – على إجابات الدكتور أبي زيد وتصحيحاته الشخصية التي نفعني بها عندما راجع كل ذلك.

(1) كرونولوجيا:

ولد نصر حامد أبو زيد في العاشر من يوليو سنة 1943م في قرية “قحافة” بالقرب من طنطا بدلتا مصر. ومنذ البداية كان والده يعده للالتحاق بالأزهر، فحفظ القرآن في الثامنة من عمره. وفي عام 1953م حين كان في العاشرة من عمره اشترك في أشبال الإخوان في شُعبة قحافة. وفي العام التالي استدعي ووالده في قضية الإخوان، ولكنه أطلق في اليوم نفسه بينما بقي والده ليلة في القسم. وفي نهاية أكتوبر من عام 1957م توفي والده – بعد أن ألحقه قسرًا بمدرسة الصنائع- وقد أخبرني بأنه ما إن دخلها حتى توفي والده، فأدرك الحكمة من إصرار والده على أن ينتهي من دراسته سريعًا، حتى يساعد والدته في إعالة إخوته الخمسة، حيث كان أكبر الذكور ولا تسبقه إلا أخت له،فكان بعد ذلك يدرس ويعمل في دكان البقالة الذي تركه والده. وفي عام 1960م حصل على دبلوم الصنائع قسم اللاسلكي، وعمل في العام التالي كفني لاسلكي في هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية في المحلة. وفي المحلة اشترك في النشاط الثقافي الذي جمعه بكل من جابر عصفور وجار النبي الحلو ومحمد المنسي قنديل وغيرهم من أبناء المحلة.

ورغم ظروفه الحياتية ظل حلم الدراسة الجامعية حيًّا، وقد شجعته علاقاته الجديدة إلى معاودة الدراسة حتى حصل على الثانوية العامة “نظام منازل” سنة 1968م، وكان في الخامسة والعشرين من عمره، ثم التحق بقسم اللغة العربية بآداب القاهرة،وفي فبراير من العام نفسه تزوج للمرة الأولى زواجًا تقليديًّا – كما قال لي-  من فتاة قاهرية تحمل دبلوم التجارة. وفي سنة 1972محصل على ليسانس اللغة العربية وآدابها بتقدير “ممتاز”، ومن ثَمَعُين في العام نفسه معيدًا بقسم اللغة العربية في آداب القاهرة، على أن يتخصص في الدراسات الإسلامية، وهو الشيء الذي أزعجه وحاول التملص منه ولكنه لم يفلح، كأنه كان يشعر أن مصيره سيشبه مصير كل من الشيخ أمين الخولي وتلميذه محمد أحمد خلف الله!. وفي عام 1976م حصل على درجة الماجستير عن موضوع “قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة”، ومن ثم عين مدرسًا مساعدًا في القسم ذاته. وفي العام نفسه حصل على منحة مؤسسة فورد للدراسة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

وقد ذكر لي أن هذه المنحة كانت ضمن مجموعة من المنح التي قدمها الجانب الأميركي حتى توافقجامعة القاهرة على معادلة شهاداتها بشهادات الجامعة الأمريكية! وخلال هذه السنة درس الإنجليزية بشكل مكثف. وفي عام 1978م حصل على منحة لمدة سنتين من مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة بنسلفانيا الأمريكية لدراسة الفلكلور، وقد استغلها- كما أخبرني- لإتقان الإنجليزية والقراءة عن الهرمنيوطيقا، وجمع مادة لموضوع الدكتوراه الذي سيخصصه لدراسة التأويل. ومما حكاه لي أنه كان يبحث بشكل خاطئ؛ لأنه لم يكن يعرف المصطلح الأجنبي لكلمة التأويل حتى دله حسن حنفي على مصطلح “الهرمنيوطيقا”!

وفي سنة 1981م أحرز درجة الدكتوراه عن موضوع “تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي”. وفي سبتمبر من العام نفسه نقل من الجامعة مع 64 أستاذاً من أساتذة الجامعة إلى وظائف أخرى. وعندما أعيد إلى الجامعة عام 1982م أصدر رسالتي الماجستير والدكتوراه في كتابيه المعروفين: “الاتجاه العقلي في التفسير، دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة”، و”فلسفة التأويل، دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي”. وفي العام نفسه انتقل إلى الخرطوم كأستاذ في فرع جامعة القاهرة هناك. وبعد عودته من الخرطوم ذهب في عام 1985م معارًا إلى جامعة أوساكا اليابانية. وإبان إقامته في اليابان أنهى كتابه المهم: “مفهوم النص؛ دراسة في علوم القرآن”، وقد ذكر لي أن زوجته الأولى قامت – بكل الحب والتفاني-بكتابة أول نسخة من هذا الكتاب الضخم على الآلة الكاتبة. وفي عام 1989م عاد الدكتور أبوزيد إلى القاهرة،ورُقي إلى درجة أستاذ مساعد بناء على كتابه “مفهوم النص”.

وفي عام 1990م انفصل بهدوء عن زوجته الأولى بعد زواج استمر 22 عامًا. وأتذكر أنني سألته في الأمر مرتين، ولكنه رفض الإفصاح عن أية أسباب. ورغم ذلك فإن هذه المرأة الفاضلة لديها ولا شك الكثير مما يمكن أن تضيفه لمعرفتنا بالدكتور أبي زيدخاصة في فترة البدايات وفي فترته اليابانية، ومع ذلك لم يهتم أحد بمحاورتها أو حتى بمعرفة من تكون!وفي العام ذاته أصدر الدكتور أبو زيد كتابه المهم “نقد الخطاب الديني”. وفي عام 1991م انتظم في التدريس في قسم اللغة العربية. ثم أصدر كتابه المعروف “الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية”في أوائل عام 1992م.في إبريل من العام نفسه تزوج الدكتور أبوزيد للمرة الثانية من الدكتورة إبتهال يونس الأستاذة بقسم اللغة الفرنسية بآداب القاهرة التي تحدت أهلها لتتزوج بالدكتور أبي زيد. وقد لاحظت أن الدكتور أبا زيديذكر ابتهال يونس في أحاديثه كثيرًا وبنغمة تدل على حب وتقدير كبيرين! وفيالتاسع من مايو 1992م تقدم الدكتور أبوزيدبإنتاجه العلمي لنيل درجة الأستاذية، وكان ضمن ما قدم كتاباه: “نقد الخطاب الديني” و”الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية”.

وفي 18 مارس من عام 1993م رفضت الجامعة ترقيته بناء على تقرير سلبي من الدكتور عبدالصبور شاهين أستاذ علم اللغة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. وكان يمكن للأمر أن يمر مرور الكرام “لولا أن د. شاهين اتهم الدكتور أبا زيدفي تقريره بأن أبحاثه “كلام أشبه بالإلحاد” وأنها تدل على “خلل في الاعتقاد”. وقد تفاعلت القضية داخل الجامعة وخارجها؛ حيث أخذ كل جانب يسرب ما يخصه من الأوراق والتقارير الأكاديمية إلى الصحافة ووكالات الأنباء طالبين الدعم من الكُتاب لمساندتهم. وبذلك تفجرت القضية في الشارع المصري الذي فوجئ بالأمر. وبدأ الكثيرون ممن يدعون بالكتاب التنويريين يشنون الحملات الصحفية ضد الجامعة وشاهين وتأييدًا لأبي زيد.

ومن جانب آخر بدأ الكتاب الأصوليون وخطباء المساجد يشنون الهجمات على أبي زيد ومؤيديه، ويعلنون التأييد لعبدالصبور شاهين الذي استغل في 2/4/1993م منبر جامع عمرو بن العاص لمواصلة الحرب. وكان أن فتح لطفي الخولي صفحة الحوار القومي في صحيفة الأهرام بدءًا من 7/4/1993م، كما قال، للدفاع عن حرية الفكر والبحث العلمي ممثلة في قضية أبي زيد. وبذلك أصبحت حربًا بين كتاب الصحف وخطباء المساجد. وفي 25 إبريل 1993م أصدرت دار المختار الإسلامي بالقاهرة كتيبًا صغيرًا للدكتور إسماعيل سالم تحت عنوان: “نقض مطاعن نصر أبو زيد في القرآن والسنة والصحابة وأئمة المسلمين”. وقد طالب في نهايته كل مسلم أن يتخذ ضد الدكتور أبي زيد عدة إجراءات أهمها: رفع دعوى أو المشاركة في إقامتها لإيقافه عن التدريس في الجامعة، دعوة تلاميذه وجيرانه إلى اعتزاله اجتماعيًّا. ثم والأخطر لزوجته ألا تعاشره لأنه في حكم المرتد، ولأنها “إن عاشرته بعد معرفة الحكم فهو زنا تعاقب عليه عقوبة الزاني المحصن”.

وفي العاشر من يونية 1993م قام أحد المحامين برفع دعوى قضائية للتفريق بين الدكتور أبي زيد وزوجته الثانية على أساس أنه مرتد. وفور أن رفعت دعوى التفريق تقدم عدد كبير من المحامين للدفاع عن أبي زيد وزوجته. وبذلك دخلت قضية الترقية منعطفًا خطيرًا لم يحسب حسابه. والعجيب في الأمر أن رافع قضية التفريق صرح أنه لا يعرف زوجة أبي زيد، ولكن لم يكن أمامه غير ذلك من وسيلة لكي يثبت “قانونًا وبحكم قضائي ارتداد الدكتور أبي زيد لكي يمنعوه من التدريس في الجامعة”.

وفي 31 مايو سنة 1995م حصل الدكتور أبوزيد على الأستاذية بعد تغيير لجنة الفحص. وبعد أسبوعين صدر الحكم بالتفريق بين الدكتور أبي زيد وزوجته “وسرعان ما دخلت الجماعات الإسلامية اللعبة وأرسلوا خطابات التهديد بالقتل إلى الدكتور أبي زيد إذا لم يغادر مصر إلى أية دولة غير إسلامية، مؤكدين أنهم لن يردوا إلا بالآلي”. وأخيرًا تدخلت الحكومة المصرية وعينت حراسة مشددة على الدكتور أبي زيد لحمايته، ولكنها عاقته كثيرًا وجعلت استمراره في مصر مستحيلًا. وكان الدكتور أبوزيد من النوع المتفائل جدًّا حتى في أحلك المواقف، بل ويستخلص المعاني الفلسفية من مثل هذه المواقف القاتمة، وأذكر أنه حكى لنا إبان مداخلاته في بامبرج أنه يعتز بأنه دَرَسَ اللاسلكي في مقتبل حياته، وأخبرني مرة بأنه لم يغير عمله كثيرًا؛ لأنه يستخدم أدوات البحث الجديدة كأجهزة لاسلكية لتوصيل صوته وآرائه. وفي إحدى المرات ضحك وقال لنا:إنه عندما حكم بتكفيره وتفريقه عن زوجته كان إذا تعطل جهاز اللاسلكي لأحد أفراد الأمن الذين يحرسون بيته يتولى إصلاح اللاسلكي بنفسه!

ولم يبق أمام الدكتور أبي زيد وزوجته إلا مغادرة مصر فسافرا في أغسطس 1995م إلى إسبانيا لبضعة أشهر، ومنها إلى ليدن بهولندا؛ حيث عاش وعمل بجامعتها كأستاذ زائر.وكان يتخذ ليدن كمركز لتنقلاته بين الجامعات والمراكز البحثية العالمية، ومنها زيارته لجامعة بامبرج الألمانية، كما سبق، حيث سعدت بصحبتهلمدة شهر بين نهاية 1999م وبداية سنة 2000م.

وفي الفترة التالية توالت أبحاثه وكتبه مثل: “التفكير في زمن التكفير” (1995م)، و”إشكاليات القراءة وآليات التأويل” (1995م)، و”القول المفيد في قصة أبوزيد” (1996م)، و”النص، السلطة، الحقيقة” (1997م)،و”دوائر الخوف: دراسة في خطاب المرأة” (1999م)، و”الخطاب والتأويل” (2000م)، و”هكذا تكلم ابن عربي” (2004م)، و”اليسار الإسلامي: إطلالة عامة” (2004م). كما أن له أبحاثًا عدة باللغة الإنجليزية لعل أهمها محاضرة القدوم لكرسي أستاذية “ردولف كليفرينخا”(Cleveringa) بجامعة ليدن في 27 نوفمبر سنة 2000م وكان عنوانها: (The Qur’an: God and Man in Communication) أي “القرآن: التواصل بين الله والإنسان”. وفيها حاول – كما قال – “تطوير بعض الأفكار التي تناولهافي كتاب “مفهوم النص”، وذلك عن طريق إعادة قراءة – ومن ثم إعادة تفسير – بعض القضايا والافتراضات الأساسية في علوم القرآن، وبصفة خاصة تلك العلوم التي تتعرض لطبيعة القرآن وتاريخه وبنائه”.

وفي سنة 2004م ألقى محاضرة القدوم لكرسي “ابن رشد” بجامعة الدراسات اللإنسانية في أوترخت بهولندا وكان عنوانها:(Rethinking the Qur’an: Towards aHumanisticHermeneutics)،وقد ترجمها لاحقًا إلى العربية تحت عنوان “مقاربة جديدة للقرآن: نحو تأويلية إنسانوية” ونشرت في كتابه “التجديد والتحريم والتأويل: بين المعرفة العلمية والخوف من التكفير(2014م).وكذلك مقالاته في “الموسوعة القرآنية” (The Encyclopaedia of the Qur’ân) التي أصدرتها دار بريل، ليدن. ومع الوقت كانت كتاباته الإنجليزية في ازدياد وكذلك زياراته الدولية، ومنها زياراته لأندونسيا التي مرض في الأخيرة منها فأُعيد إلى القاهرة. وفي الخامس من يوليو عام 2010م كانت وفاته في القاهرة،ثم دفنه بعد جنازة متواضعة في مسقط رأسه “قحافة”.

(2) مناهج:

رغم أن الدكتور أبا زيد كان وبشكل دائم يعمل على تطوير أدواته وأفكاره ونظرياته، إلا أنه اعتمد منذ البداية على منهجين أساسيين: تأويلي وعلاماتي! وبعد أن استوعب المنهجين وتشربهما تعمق في أبحاثه ودراساته الإسلامية. وكانالدكتور أبوزيديعرف المنهج التأويلي من خلال كتابات أمين الخولي وشكري عياد وبقية الأمناء، وكذلك من خلال دراسته للمعتزلة، ولكنه اطلع على هذا المنهج في شكله الغربي من خلال كتاب (Hermeneutics) لريشارد بالمرPalmer (1969م)، وقد ذكر لي أنه لم يقرأ عن نظرية التأويل غير هذا الكتاب ثم انشغل في دراساته التراثية. وظني أن هذا كان نوعًا من التواضع، لأن من يراجع كتاباته منذ البداية يجدها حافلة بالإشارات المرجعية للنصوص المهمة في نظرية التأويل خاصة في النطاق الأنجلوسكسوني. وكتاب بالمر هذا يتناول نظرية التأويل وتاريخها في الفكر الغربي بدءًا من القرن السابع عشر وحتى العصر الحديث. وقد نشر الدكتور أبو زيد عنه مقالة ضافية في مجلة “فصول” (العدد الثالث سنة 1981م) تحت عنوان “الهرمنيوطيقا ومعضلة تفسير النص”، وهي موجودة فيكتابه “إشكاليات القراءة وآليات التأويل” (1995م). أما المنهج العلاماتي (السيميوطيقي) فله دراسة استكشافية بعنوان”العلامات في التراث” موجودة أيضًا في “إشكاليات القراءة”، هذا بالإضافة إلى كتاب حرره بالاشتراك مع د. سيزا قاسم وأخرين عنوانه “مدخل إلى السيموطيقا: أنظمة العلامات في اللغة والأدب والثقافة” (القاهرة 1986م). وقد أشار الدكتور أبوزيدفي مقدمة كتابه “إشكاليات القراءة..” إلى أنه فيما يخص نظرية التأويل انطلق من همٍّ ثقافي عربي معاصر للبحث عن إجابات في التراث التأويلي الغربي، أما فيما يخص علم العلامات فقد انطلق من معطًى معرفيٍّ غربي هو “علم العلامات”؛ للبحث في التراث العربي، لذا دارت دراسته – كما سبق- حول علم العلامات في التراث العربي.ومن خلال هذا التوصيف يبدو الدكتور أبوزيدوكأنه يدور في “حلقة تأويلية” لا تنتهي بين التراث والمناهج الغربية، وهي حلقة دائرية قائمة على التفاعل المتبادل الذي يتم عبر حركة مكوكية يقوم بها المفسر أو المؤول بين النص والواقع، مع عدم إغفال الأفق التاريخي في كلتا الحالتين.

وكان الدكتور أبوزيد كثيرًا ما يكرر أن النصوص – في العادة – تحاول إخفاء أفقها أو سياقاتها، فكل نص ابن واقعةٍ محددةٍ، ولكنه يخفيها ويحولها إلى مطلق، ويشير هنا إلى القاعدة التي تقول: “العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب”. وتفسير ذلك أن  اللغة الدينية لغة شعائرية (احتفالية) تعبر عن المطلق، لذا تقوم بعملية إخفاء مستمرة. وهذا ما ينطبق أيضًا على البعد التشريعي للنص، فالنص يريد أن يكون تشريعيًّا؛ لذا لابد له من أن يخفي الفرديات ويحولها للإطلاق حتى تكون تشريعًا.لهذا ولذاك تقوم اللغة – كما سبق- بعملية إخفاء مستمرة، بل يمكن أن يقال:إن من طبيعتها الإخفاء!والدراسة العلمية هي أن نعيد اللغة إلى سياقاتها التاريخية لفك أو لنزع طاقتها السحرية! فعلى سبيل المثال في(سورة العلق) رغم وجود حادثة وسبب لنزولها، وهو أن أباجهل هدد الرسول صلى الله عليه وسلم إذا صلى بأن يطأ رقبته:﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىعَبْدًا إِذَا صَلَّى. أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى، أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى، أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى، كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ، فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ، سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ، كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾.

هنا نجد السورة تخفي الواقعة التاريخية وتحوّل التهديد الفردي إلى معركة مطلقة بين الزبانية والإنسان الذي يطغى. الواقعة التاريخية اختفت تحت الدلالات المطلقة للنص القرآني. وهذا الأمر هو الأمر الغالب في النص القرآني، وعندما تتذكر أن هذا النص نزل لمدة 23 سنة كانت حافلة بالأحداث التي تفاعل معها، عرفت مدى صعوبة الأمر. ووظيفة البحث العلمي في هذا المجال أن يعيد اكتشاف النص وسياقاته الأصلية، ثم يبدأ الدرس والتأويل. المشكلة أنه فوق عملية الإخفاء الأول التي قام بها النص القرآني نجد أن التفاسير المتتالية منذ ابن عباس وحتى سيد قطب راكمت طبقات تفسيرية بشرية فوق الإخفاء الأول، وبذلك أصبحت إعادة بناء السياقات الأصلية للنص أصعب ولكنها ضرورة، لأن إعادة بناء السياقات هي تمهيد للفهم وليس نفيًا للقداسة كما تصور البعض! وبدون إرجاع النص إلى سياقه التاريخي يضيع المغزى، ويمكن استخدام النص في الأمر ونقيضه، ولدينا تاريخ طويل من استخدام النص وليس فهمه. ولذا لابد وأن ندرس النص تاريخيًّا وترتيبيًّا، ثم نقارن ونفهم من جديد. فالهدف في النهاية هو البحث عن فهم أفضل للتراث من خلال ما توفره المناهج الحديثة من إمكانيات أفضل للدراسة والفهم.

(3)سكة (أبو زيد):

إذن فقد اختط الدكتور أبو زيد لنفسه سكة خاصة به عَبَّدها بجهوده المتواصلة، ولأن عمله منذ البداية ينصب أساسًا على دراسة النص القرآني، فمن المفيد أن نتعرف على كيفية تطبيق هذه المقدمة المنهجية على نظام القرآن. وهنا كثيرًا ما كان الدكتور أبوزيد يستخدم طريقة المناطقة أو أصحاب المنطق في الاستدلال؛ أي: مقدمتان (صغرى وكبرى) ثم نتيجة. ولأن مثل هذه الدراسات تؤدي إلى نتائج قد تؤثر على المكانة الإيمانية للنص، فلابد من التثبت أولًا أن هناك مشروعية من داخل النص القرآني بأن نطبق هكذا منهجيات عليه.

أما المقدمة الصغرى فهي قاعدة منهجية تقول بأن النص، أي نص، سواء أكان أدبيًّا أم فلسفيًّا أم دينيًّا، هو في النهاية نص لغوي، مكوناته الأساسية هي اللغة، ولكن كل نص – خاصة النصوص المتميزة – يحفر لنفسه نظامًا مستقلًّا به داخل نظام اللغة، ويتحول بذلك إلى نص ثانوي متميز داخل اللغة.أما المقدمة الكبرى فهي أن القرآن يتحدث عن نفسه بأنه نص عربي مبين، ويقول بأن الله يرسل الأنبياء بلسان قومهم؛ فكل كتاب مقدس – وليس القرآن وحده – يعود إلى نظام اللغة والثقافة التي ينتمي إليها. وهذه المقدمة تعني أننا يجب أن نفهم القرآن من خلال مرجعية اللسان العربي في مجال تداوله في القرن السابع الميلادي أي وقت نزول القرآن.

ويترتب على ما سبق نتيجتان ومنهجان في التناول هما: (أ) التمسك بالنص الحرفي وفهمه من خلال لغة القرن السابع الميلادي، وهذا ما حدث حقيقة؛ ولذا أصبح الشعر الجاهلي مرجعية لفهم القرآن. وهذا التمسك الحرفي هو في رأي أبي زيد سجن لفهم النص. (ب) نتيجة أخرى معاكسة وهي أن تتخذ اللغة المعاصرة مرجعية لفهم القرآن، أي دون إعادة بناء السياق التاريخي للنص القرآني. وكلا المنهجين خطأ؛ لأنهما لا يوحدا النظر للقرآن سواء ماضيه أو حاضره. ويرى الدكتور أبوزيدأن الأفضل القول بأن النتيجة النهائية التي يمكن الخروج بها أن هناك نظامًا قرآنيًّا للغة غير منفصل عن العربية، ولكن له قوانين خاصة يجب أن نبحث عنها طبقًا للمناهج الجديدة.

وهنا يقدم الدكتور أبوزيد فرضيته الكبرى وهي أن النص القرآني لم يكتف بأن يكوّن لنفسه نظامًا ثانويًّا داخل اللغة العربية، وأن يغير بعض الدلالات، ولكنه نجح في الاستيلاء على النظام الأساسي للغة العربية، فأصبحت اللغة القرآنية هي اللغة العربية. وهذه ظاهرة نادرة ربما لم تتكرر مع لغات أخرى غير العربية. المهم أصبحت اللغة العربية لا تفهم إلا بفهم الإسلام، وهذا ما يختبره كل من يعلم العربية لغير الناطقين بها، إذ لابد وأن يفهمهم المرة بعد المرة بعض قواعد الإسلام أولًا ثم يدخل إلى درسه!

وإذا صحت هذه الفرضية يكون السؤال هو: كيف تأتى لهذا النظام الثانوي أن يهيمن على الأصل ويحتله؟هنا يرى الدكتور أبوزيد أن هذا حدث من داخل القرآن نفسه. وكمدخل لشرح هذا الأمر يبدأ الحديث عن نظام اللغة كما يفهمه؛ فنظام اللغة ليس في النهاية إلا ثقافة مجتمع بعينه في فترة معينة.وبما أن الثقافة مجموعة من أنظمة العلامات؛ فحين نقول أن اللغة القرآنية نظام ثانوي سيطر على الأصل (اللغة الفصحى)، فهي سيطرت بالتالي على فهم الناس،وأعادت تشكيل ثقافتهم، وحولت بالتالي كل مفردات اللغة إلى علاماتمن نوع آخر ليست علامات لغوية ولكن (سيميولوجية) أي غير لغوية. وكل علامة يكون لها دال، وقد يكون هذا الدال معنى لغويًّا أو غير لغوي. فالهلال علامة، والميزان علامة، والصليب علامة، وهي علامات غير لغوية وإنما شيءمادي يشير إلى معنى، فالسماء والأرض عندما نقرأهما في القرآن لا نفكر في الدلالة اللغوية لها، ولكن نفكر فيها كدليل على وجود الله؛ فحين يسمع المؤمن كلمة (السماء) لا يتبادر إلى ذهنه كل ما علاه، ولكن الله وملائكته. وهذه العملية يطلق عليها “السمطقة” وهي أداة من أدوات الشعر؛ فالشعر يحوّل الكلمات إلى صور تدل على غير معاني الكلمات الأصلية كأن يقال في الأمثال العربية: فلان (جبان الكلب)، أو (كثير رماد القدر). فالعبارة تعطي مدلولًا يتحول إلى صورة ذهنية بصرية، فجبن الكلب مرتبط بكثرة الضيوف؛ لأن صاحبه رجل كريم!

فالكلمات هنا تحولت إلى صورة وعلامة، وهذا ما فعله القرآن في اللغة العربية التي تحولت داخل بنية القرآن إلى علامات بعيدة عن المعنى اللغوي الذي كان معروفاً قبل القرآن. لذا لابد وأن نضع في اعتبارنا أن للقرآن نظامًا خاصًّا، وأنه أحدث دلالات جديدة في اللغة العربية على كل المستويات. فعلى المستوى الدلالي مثلًا كلمة “الصلاة” أو “الزكاة” كان لها دلالات غير دلالاتها التشريعية داخل القرآن. تم تحريك الدلالة فحدث تغيير.وإذا نظرنا مثلًا إلى تركيب “أقام الصلاة” (الأنبياء، 73) فالفعل “صلى” بمعنى دعا ولكن “أقام الصلاة” لا تعني “أقام الدعاء”. كذلك كلمة “الزكاة” أصلها “تزكى” بمعنى (ارتفع بنفسه) أصبح معناها (دفع مبلغ مالي بشكل سنوي)، وهذا المعنى لم يكن معروفًا عند عرب الجاهلية. أما على المستوى النحوي (التركيبي) فلوحظ في بعض الأحيان اختلاف الاستخدام القرآني عن الاستخدام النحوي التقليدي، فمثلًا في سورة المائدة (آية 106) قوله تعالى: ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ..﴾، فهذا تركيب غير مألوف أدى إلى مشكلة تفسيرية لأن المبتدأ لا يكون نكرة إلا في حالات نادرة جدًّا، ثم أضاف (شهادة) إلى الظرف “بينكم” مما أحدث ارتباكًا للنحاة وحاولوا جذب النص إلى القاعدة فلجأوا إلى تأويلات معروفة في كتب النحو. وهذا أمر متكرر على سبيل المثال أيضًافي (الآية رقم 177 من سورة البقرة) ونصها: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا﴾. في غير القرآن كان ينبغي أن يقال (الموفين)؛ لأنها معطوفة على اسم إن، ولكنها جاءت في الآية مرفوعة مما أحدث ارتباكًا للنحاة وحاولوا جذب النص إلى القاعدة دون أن ينتبهوا للخصوصية القرآنية.

ولنراجع على سبيل المثال (الآية رقم 53 من سورة فُصلت) ونصها: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ، أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾. وهنا يمكن أن نتوقف عند كلمة (آيات) وهي وتصريفاتها من أكثر الكلمات حضورًا في القرآن ولا يساويها في العدد إلا كلمة (الله). وهذا يعني أن أهم مجالين دلاليين في القرآن هما مجال (الله) ومجال (آية)، وتتعدد دلالاتها بتعدد الآيات، بل يمكن القول أن العالم كله يندرج تحت مفهوم دلالي واحد هو (آيات) فهي تصف الكون كله. فالنص القرآني أعاد إنتاج العالم بعد أن حوله إلى علامات تدل على الله. فالله هو المدلول والعالم هو الآيات الدالة عليه. هنا يحدث التمازج بين كلام الله والعالم، وهذا يحول الوجود كله إلى كلام الله.

ولكن كيف تتم عملية التحول الدلالي داخل النص؟ وكيف تحولت لغة القرآن إلى أصل؟ وللإجابة يهتم الدكتور أبو زيد بسورة الرحمن؛ لأنه يرى أنها تعطي أبعادًا أوسع لكشف كيفية السيطرة على النظام اللغوي. فالبنية الإيقاعية لسورة الرحمن قائمة على الإيقاع المكرر؛ فنحن معها في دائرة نص يستوعب القارئ بإيقاعه؛ فالرحمن (خلق الإنسان) وعلمه القرآن.

والمفسرون يحومون حول الفكرة ولا يصلون إليها؛ فالقرآن محور التعليم… واستخدام المثنى يحمل إلى اللغة الأساسية، وقيل:إن الخطاب بالمثنى للإنس والجن. ولكن يبدو أن النص يشير بطريقة ما إلى أحد تقاليد القصيدة الجاهلية وهو البدء بمخاطبة المثنى مثل مطلع امرئ القيس (قفا نبكِ). فالنص القرآني يقول هنا إنه جزء من بنية اللغة، رغم أن كل الدلالات تكشف أن أنه يحاول أن يبرز ذاته الخاصة ونجح في ذلك. والطبيعة كلها تنتمي داخل السورة التي تبشر من خاف ربه وتتحدى المجرمين العاصين بالعذاب يوم القيامة؛ فكل شيء يسجد لله؛ فكيف يكون العالم كله مؤمنًا والإنسان كافر؟!

ويشير الدكتور أبوزيد- وهذا ليس بجديد – أن تحول لغة القرآن إلى أصل جعل لغة الشعر بعد الإسلام قرآنية،وحول لغة الشعر الجاهلي إلى لغة غريبة شبه مستغلقة! وهنا يكرر الدكتور أبوزيد أحد أسئلته المحببة: كيف حدث هذا؟ وقد أجاب على هذا السؤال من خلال دراسته لقصيدة “التائية الكبرى” لابن الفارض. فالقصيدة الصوفية – بصفة عامة – تقرأ من خلال مستويين: مستوى نفهم فيه اصطلاحات من قبيل الحب والخمر فهمًا واقعيًّا، ومستوى آخر يتحول فيه الحب لحب إلهي والخمر إلى خمرة مقدسة. وكما نعرف فإن الشعر الصوفي نسبته للتراث الشعري الغزلي الخمري،وأحيانًا نجد في الخمريات أبياتًا يمكن أن نشرح من خلالها أعقد النظريات الصوفية على سبيل المثال يوجد بيتان للصاحب بن عَبَّاد تُشرح بهما نظرية ابن عربي في “وحدة الوجود” ونصهما:

رَقَّ الزُّجاجُ ورَقَّتِ الخَمْرُ وتشابَها فتشاكَلَ الأمْرُ
فكأنَّما خمرٌ ولا قَدَحٌ وكأنما قَدَحٌ ولا خمرُ

وستفهم النظرية بوضوح إذا جعلت الخمر رمزًا للذات الإلهية والقدح للعالم. فالصوفي إذا رأى العالم رأى الله، وإذا رأى الله أدرك العالم.

وإذا عدنا إلى “التائية الكبرى” يقول أبوزيد: إن الأبيات الأربعة الأولى تشعرنا بأننا بإزاء قصيدة حب تقليدية، ولكن في الأبيات الستة التالية تبدأ سطوة اللغة القرآنية في الظهور، ففي البيت الخامس يتحدث عن القبض والبسط فيقول:

ولمَّا انقضى صحوي تقاضيتُ وصلها ولمْ يغْشَني، في بسْطِها، قبضُ خَشيتي

وهنا ندخل في دلالات العالم القرآني. وفي البيت السابع يدخل مفهوم المحو والإفلات، وهو من دلالات صوفية التائية الكبرى، ويمكن أن نلاحظ أنها لا تدخل مباشرة إلى عالمها الخاص ولكنها تبعثر الإشارات حوله. وفي البيت التاسع يقول:

ومِنّي على سَمعي بلَنْ، إن منَعتِ أن أراكِ فمنْ قبلي لغيريَ لذَّتِ

وهنا إشارة لإرادة موسى رؤية الله. وفي الأبيات من الحادي عشر وحتى التاسع والأربعين استدعاء للقصص القرآني، ومن ثم يتصاعد الحضور القرآني، وبالتالي نعود مرة أخرى لدلالة الحب والرقيب والتحول، وهي دلالات معروفة في الشعر العربي التقليدي. وفي البيت الخمسين تسمع إشارة لعهد الولاء ترجعنا للآية القرآنية: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾(الأعراف، آية 172). ومن (67 – 76) عشرة أبيات يبدأها بقوله:

ومُحْكَمِ عهدٍ، لم يُخامِرْهُ بيننا تَخَيّلُ نَسْخٍ، وهوَ خيرُ أليّة
وأخذكِ ميثاقَ الولا حيثُ لمْ أبنْ بمظهرِ لبسِ النَّفسِ في فئ طينتي

(ومحكم عهد) هنا قسم بالواو وكذلك (وأخذك ميثاق) قسم أيضًا أي أنه يقسم بالعهد المحكم وبأخذ الميثاق. وبنية القسم هنا تستمر حتى البيت (75) وجوابه في البيت (76)؛ فتسعة أبيات في كل بيت قسموفي البيت العاشر فقط يأتي الجواب. وهذه بنية قرآنية ليس على مستوى الدلالة فقط وإنما الأسلوب أيضًا، وهذا ما نجده في سور قرآنية كثيرة، ومعنى هذا في رأي أبي زيد أن القرآن لم يكن تأثيره لغويًّا فقط ولكنه أثر على البنية الأسلوبية أيضًا ليس في النثر فقط وإنما في الشعر أيضًا.

بالطبع توجد نماذج أخرى كثيرة لتحول اللغة القرآنية من نظام ثانوي داخل اللغة إلى نظام مسيطر على اللغة شعرًا ونثرًا، بل وفي الحديث اليومي أيضًا، فالعبارات التي نتبادلها يوميًّا لا تكاد تخلو من أن تحيل إلى اللغة القرآنية، ولكن لأننا جزء من هذه الثقافة، فإننا لا نكاد ننتبه إليها. ومثل هذه السيطرة لم تحدث بفعل النص وحده، فأي نص لا يؤدي تأثيره دون تبني الناس له، وتحوله إلى نص منتج ليس لتقاليدهم وثقافتهم فقط، ولكن لوعيهم أيضًا سواء في الأدب أو في لغة الحياة اليومية. فقداسة القرآن ليست من معانيه فقط، ولكن من بنيته اللغوية أيضًا. فالنص يظل لا شيء إلا بجماعة تتبناه وتعطي له قداسته.

 

مقالات ذات صله

  1. أبو حيان المصري

    مقال جيد. لا يعببه سوى إدعاء المؤلف بأنه التقى الراحل العظيم في بامبرج – أتحدى أن يثبت ذلك. والأمر الآخر، وهو مرتبط بالأول، أن نصر أبوزيد قد تزوج غير الدكتورة ابتهال يونس، وذلك كلام عار تماما من الصحة.

    الرد
    1. د. عبدالسلام حيدر

      بداية الشكر موصول لأبي حيان على تقدير المقال. ثانيا لا يوجد إدعاء وصورتي مع الراحل على صفحتي في الفيس بوك يمكن أن تعود إليها ويمكن أن أنشر لك صورة رسالة كتبها أبو زيد إلى ويمكن أن تدخل صفحة جامعة بامبرج في ألمانيا لتتأكد وأغلب الشهود والزملاء ما زالوا أحياء هناك. في موضوع زواجه أنت جاهل بالأمر وتتكلم بالظن ولتتأكد يمكن أن تسأل الدكتورة ابتهال! ثم لمذا تتخفى خلف اسم مستعار ولا يوجد داع لذلك!. وعلى العموم تحياتي لك.

      الرد

الرد على أبو حيان المصري اغلق الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!